قضايا وآراء

جمال خاشقجي.. الكلمة أقوى من القتل!

عصام تليمة
1300x600
1300x600
الدرس الكبير والمُهم من قضية الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي، هو أنه مهما امتلكت الأنظمة من وسائل القوة الصلبة، التي تضطهد بها معارضيها، وتصفيهم، تظل لدى الشعوب أسلحتها القوية التي لا يدركها معظم الحكام، وهي القوة الناعمة، والتي تتمثل في الكلمة الحرة التي يمتلكها الإنسان، معبرة عن قيمه ومبادئه. 

تظل الكلمة الصادقة والقوية، سلاح مضاء، متى خرجت من قلم صاحبها - أو فمه - صادقة، تزلزل كل طاغية، وترعب كل مستبد، وقد قالها من قبل سيد قطب رحمه الله، حين قال: "إن كلماتنا تظل كعرائس من الشمع، لا روح فيها ولا حياة، حتى إذا متنا في سبيلها، ورويناها بدمائنا، دبت فيها الروح، وكتبت لها الحياة".

الكلمة يخشاها كل طاغية، وكل ظالم، مهما كان صاحبها ضعيفا في بنيانه، وضعيفا في وسائله، هذا هو درس التاريخ منذ فرعون إلى أن تقوم الساعة على آخر فراعنة الدنيا، ففرعون الأول، خاف من كلمة قالها نبي الله موسى، حين طالب بحرية شعبه: (أرسل معي بني إسرائيل)، فكان التهديد والوعيد، وحين هدد سحرته بعد أن آمنوا بالله، فقالوا له في تحد شديد: (لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا) طه: 72.

وعندما لطم أبو جهل السيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق على وجهها، في لحظة غضب شديدة منه، خشي أن تحدث الناس بما فعله، فيُعيَّر بين العرب، فاستحلفها ألا تخبر أحدا بذلك، فكلمة تطير بين العرب أن رجلا من سادتها لطم فتاة على وجهها في غيبة أبيها تخيفه، رغم جبروته واستكباره بقوته.

قادة المعركة

الكلمة قوة يملكها صاحبها، والقلم الرصاص في يد الكاتب الحر، أقوى من كل رصاص الطغاة، ففي معركة جمال خاشقجي، استطاع أصحاب الأقلام والأصوات من الإعلاميين قيادة المعركة، والإصرار على أن يعلن للعالم أجمع مصيره، وإن كانت هناك جريمة أن يعاقب من قاموا بها، في ظل خشية الناس أن تدخل القضية في موازنات الدول ما بين الاقتصاد والسياسة، تظل الضمانة الوحيدة والمهمة هنا: قوة الكلمة، التي يملكها أصحاب المنابر الإعلامية، فقد يكون للحكومات حساباتها، لكن ما يربك كل هذه الحسابات من لا حسابات عندهم إلا الحقيقة، واحترام أن يقول الإنسان كلمته دون تعد على حريته، وحياته.

لقد كان محمد صلى الله عليه وسلم وهو النبي المؤيد من الله عز وجل، يخشى الحرب الإعلامية، وإن كانت من كذبة يطلقونها عليه، فيراعي في حركته وتعامله مثل هذه الأصوات، فلما سئل عن سر صمته عن المنافقين، وعدم معاقبتهم، فقال: "أخشى أن يقال: إن محمدا يقتل أصحابه". أي: أنه يخشى عواقب الحرب الإعلامية التي ستنطلق تنال منه، وتشوه دعوته ودينه، فما بالنا لو كانت الكلمة ناطقة بالحق، ومدافعة عنه؟!

لو أن نظاما أنفق مليارات الدولارات لسنوات، واستأجر شركات عامة في الغرب لتلميعه، وتحسين صورته، ووضع كل هذا الجهد أمام بعض وقفات للإعلاميين أمام السفارة السعودية في إسطنبول للمطالبة بالكشف عن مصير جمال خاشقجي، لطاحت كفة كل ما أنفق من مليارات أمام هذه الوقفات القليلة، لقد جاءت كل كاميرات الدنيا تسأل: أين خاشقجي، وما مصيره؟

إن قوة الكلمة عند الكاتب، أو الإنسان، أو الشعوب، هي دلالة قاطعة على عدل الله عز وجل في هذه الحياة، فما حيلة الضعفاء أمام آلات الحكام الجبارة، بما تملكه من جيوش مسلحة، وجيوش الإعلام، وخزائن الأموال، إنها لا تغني عنهم شيئا، أمام قوة الجماهير بأصواتها الهادرة بحريتها، ولقد رأينا أنظمة تسقط وتهوي أمام كلمة نطقت بها الشعوب: ارحل.      

[email protected]
2
التعليقات (2)
الورتيلاني
الجمعة، 19-10-2018 11:53 ص
السلام عليكم . مقال موفق ويلامس مساحات مهمة في حركة التغير. مع ملاحظة أخي عصام خانك التعبيرفي حق سيد ولد أدم صلى الله عليه وسلم،لما قلت لقد كان محمد صلى الله عليه وسلم وهو النبي المؤيد من الله عز وجل، يخشى الحرب الإعلامية.
مصري جدا
الخميس، 18-10-2018 05:04 م
نعيش عالمان ،،، عالم القوة،، الذي بملك الموارد والادوات ،، يملك السلطة والقوة ،، يفرض نمطه واسلوبه ،، يعيش ومن حوله من البطانة بالوانها المختلفة وينعم بمباهج الحياة ،،، وعالم القيم ،، الذي يتخدنق خلف وحول المبادئ والشعارات والاقوال والحكايات ،، الغلبة دوما لعالم القوة الا اذا تحرك عالم القيم وامتلك القوة وهذا ميدان اخر ،،، دائما تتحدث السلطة واهلها بلغة الارقام والاحصاءات والمصالح والاتفاقات ،،، وتتحدث المعارضة واهلها بلغة الخطب والشعارات والمبادئ والامنيات والحكم والمأثورات،،، تدور عجلة الزمان ويظل اهل القوة والسلطة في اماكنهم ،، ويظل اهل القيم والمبادئ يتكلمون ويقولون ويتمنون ،، وتنتهي دنيا الناس ،، لننتقل الى عالم اخر لا سلطة فيه ولا شعارات ،، لا عمل ولا مصالح ،، لكن حساب وقصاص ،، ثم جنة او نار ،، عوالم ،، سبخان الله