مقالات مختارة

أنقرة والرياض وواشنطن وتفاعلات قضية خاشقجي

ماجد الأنصاري
1300x600
1300x600

تفاعل المجتمع الدولي بشكل متصاعد مع قضية اختفاء الإعلامي السعودي المعارض جمال خاشقجي، التكهنات بمقتله أصبحت أقرب للواقع مع تكشف المزيد من الأدلة بشكل يومي تؤكد تصفيته داخل القنصلية، وفي خضم تداعيات الحدث هناك مثلث علاقات تطرأ عليه تغيرات شبه يومية، هذا المثلث يضم كلا من أنقرة والرياض وواشنطن، العلاقة بين الأطراف الثلاثة معقدة، فأنقرة وجدت نفسها في مواجهة مباشرة مع واشنطن في سوريا بسبب دعم الأخيرة القوات الكردية وبسبب استمرار اعتقال القس أندرو برانسون.

من ناحية أخرى هناك عاقة معقدة بن أنقرة والرياض، فالطرفان يختلفان بشكل جوهري حول ملفات الربيع العربي وعلى الرغم من ذلك كانت هناك محاولات لترميم العلاقة خاصة في شقها الاقتصادي، وعلى الرغم من الخافات بينهما حافظ الطرفان على مستوى مقبول من الاتصال والتعاون، واشنطن بدورها كانت تعتبر الداعم الأول للعهد الجديد والإصلاحات المفترضة لمحمد بن سلمان ولكن العاقة تعقدت خال الفترة الأخيرة مع تكرار ترامب إهانته للرياض في مؤتمراته الانتخابية ومقابلاته، وفي وسط هذا كله جاء اختفاء خاشقجي ليعقد المعقد.

أنقرة من ناحيتها وجدت الفرصة سانحة لترميم العلاقة مع واشنطن والتفاوض مع الرياض حول إخراج المسألة إعلاميا وسياسيا، وعلى ما يبدو كان هذا دافعا خلف الإسراع في إجراءات محاكمة برانسون وتنفيذ الحكم باعتبار المدة التي قضاها في السجن تنفيذا للحكم، ومثلت عودته إلى واشنطن فرصة لترامب ليعلن انتصارا ويمتدح أنقرة بعض الشيء ويشير إلى تعاون كامل معها في التحقيقات المتعلقة بخاشقجي، على العكس من ذلك لم تنجح الرياض في توظيف علاقتها بترامب أو مفاوضاتها مع أنقرة في الخروج من الأزمة الدولية التي تواجهها، اليوم تواجه الرياض ضغطا دوليا متزايدا للكشف عن مصير خاشقجي وتصريحات أمريكية تزداد حدة في كل يوم تضمَّن آخرها التلويح بعقوبات اقتصادية حال ثبتت الجريمة، كما انهارت المفاوضات مع أنقرة على ما يبدو حيث منعت أنقرة هبوط طائرات سعودية لأسباب لم يكشف عنها بالإضافة إلى تصريحات رسمية تشير إلى عدم تعاون السلطات السعودية مع جهود التحقيق، بالتالي تشير الصورة إلى تحسن علاقة أنقرة بواشنطن على حساب علاقة الرياض بها، ولكن هل يشير هذا إلى تحول حقيقي في الموازنات الإقليمية والدولية أم تغير لحظي يزول مع انخفاض التوتر الناجم عن الحادثة؟ لو ثبت اغتيال خاشقجي وثبت أن الأمر بقرار سعودي رسمي فنحن أمام أحد ثلاثة سيناريوهات، الأول هو أن تعترف الرياض بما وقع وتستخدم كبش فداء كما فعل القذافي في قضية لوكربي حين قبل محاكمة المقرحي وفحيمة كتسوية بالإضافة إلى دفع تعويضات، في هذه الحالة سيمثل ذلك انفراجة جزئية ستمكن واشنطن من تجاوز الأزمة نوعا ما ولكن لن تعود العاقة على الشكل الذي كانت عليه، أما أنقرة فستستفيد من تحسن العلاقة مع واشنطن ولكن العلاقة مع الرياض ستأخذ منحى سلبيا.

السيناريو الثاني هو أن ترفض الرياض الاعتراف والتعاون بجدية مع التحقيقات ما سيضطر أنقرة لاتخاذ إجراء قد يتضمن تخفيض التمثيل الدبلوماسي أو قطع العلاقات، والضغط البرلماني والشعبي على البيت الأبيض سيتزايد مما سيضطر واشنطن إلى اتخاذ موقف حازم شبيه بما تم مع روسيا بعد اغتيال سكريبال في لندن، في تلك الحادثة على الرغم من تردد واشنطن إلا أنها اضطرت لاتخاذ إجراءات وفرض عقوبات جديدة على موسكو، الأمر نفسه سيتكرر مع الرياض خاصة وأن واشنطن لوحت باحتمالية فرض عقوبات في حال ثبتت التهمة.

السيناريو الثالث هو أن تنجح الرياض في إقناع أنقرة بالتعاون في القضية، الأمر الذي يتطلب تنازلات سعودية في ملفات مثل دعم الأكراد وجماعة جولن وبعض الملفات الأخرى، التعاون هنا قد يأتي على شكل قبول أنقرة باتهام أفراد سعوديين بالجرم بعيدا عن القيادة السعودية، هذا سيعطي واشنطن مساحة لأن تنهي الأزمة بشكل إيجابي مع الرياض وستتطور العاقة بشكل إيجابي مع أنقرة ولكن هذا السيناريو حسب التطورات التي تمت خلال اليومين الأخيرين يبدو أقرب للخيال.

ربما لم يكن من المتخيل أن تثير حادثة محدودة نسبيا مرتبطة بشخص واحد كل هذه التفاعلات الدولية، لكن جسامة الحادثة تكمن في شخص خاشقجي وعلاقاته، وكذلك تمثل قشة قصمت ظهر البعير الدولي، ليس من ناحية أخلاقية فحسب، بل حتى من ناحية سياسية مصلحية بحتة، فالمشكلة الأساس هنا تكمن في ممارسات لم تحصل على ضوء أخضر دوليا حسب ما هو متعارف عليه، وانتهاك لأعراف العلاقة بين الغرب والمنطقة.

عن صحيفة الشرق القطرية

0
التعليقات (0)