مقالات مختارة

جمال خاشقجي أم رفيق الحريري؟

فيصل القاسم
1300x600
1300x600

أتذكر قبل أكثر من ثلاثة عشر عاما، اللحظات الأولى لعملية اغتيال رفيق الحريري، رئيس وزراء لبنان، في الرابع عشر من شباط/ فبراير، في يوم "عيد الحب…فلانتاين" 2005. 

وأتذكر كيف استحوذ خبر الاغتيال على كل وسائل الإعلام العالمية بلحظات، وكيف أصبحت قضية الحريري قضية العالم أجمع. 

أتذكر كيف ثار لبنان وراح يكيل الشتائم للنظام السوري وحزب الله، ويطالب بخروج القوات السورية من البلاد فورا. أتذكر كيف أصبح القاصي والداني مهتما بعملية اغتيال الحريري، وكيف تقمص الجميع وقتها شخصية المحقق الشهير كونان، كل يدلي بدلوه، مع تركيز كامل على اتهام نظام الأسد وقتها.

لقد ظن المغفلون من البشر أن تلك الضجة العالمية غير المسبوقة حول اغتيال الحريري ستقلب بلدانا وأنظمة رأسا على عقب، والويل والثبور وعظائم الأمور للمتهمين. 

وهرعت الأمم المتحدة إلى تشكيل محكمة دولية خاصة بالحريري، وراحت تستدعي الشهود والمتهمين من كل حدب وصوب، وساد التشويق في كل أوساط العالم.

لكن مع مرور الأيام، بدأ يتضح لنا أن الهبة الدولية كانت مجرد مسرحية كبيرة، ولعبة من ألاعيب الإعلام والسياسة الدولية لغايات في نفس يعقوب، ولا علاقة لها أبدا لا بالعدالة ولا بالزبالة.

قد يقول البعض إن اغتيال الحريري أدى إلى إخراج القوات السورية من لبنان بسرعة وقتها. صحيح. لكن انظر الآن إلى النفوذ السوري في لبنان، رغم أن النظام في أسوأ حالاته. أصبح لبنان في الجيب الإيراني والسوري تماما. 

وفي آخر انتخابات برلمانية حصل مؤيدو إيران والنظام على أعلى نسبة من المقاعد في مجلس النواب، وبأصوات اللبنانيين الذين كانوا قد طالبوا من قبل بطرد القوات السورية من لبنان. 

بعبارة أخرى، أصبح المتهمون باغتيال الحريري حكام لبنان الحقيقيين، وبمباركة ضباع العالم الذين أقاموا المحاكم الدولية لمعاقبة قاتلي الحريري. نكتة.

إذا أقاموا محكمة دولية لقضية جمال خاشقجي، فاعلموا أنها ستكون نسخة عن محكمة الحريري للابتزاز والمساومات والمماطلة والمتاجرة والصفقات.

أين هي الآن قضية رفيق الحريري الذي ملأ الدنيا وشغل الناس ذات يوم؟ هل يعقل أن العدالة الدولية لم تستطع بعد حوالي أربعة عشر عاما أن تصدر حكما على المتهمين؟ 

كان الحريري منذ اللحظات الأولى لاغتياله أشبه بقميص عثمان استخدمه واستغله الكثيرون لتحقيق غايات ومصالح خاصة لا علاقة لها مطلقاً بتحقيق العدالة ومعاقبة المجرمين. ولا ندري حتى الآن من هي الجهة التي اغتالته. وربما تكون كالذي يقتل القتيل ويمشي في جنازته، كما في حالة الحريري ربما. 

تحولت القضية إلى لعبة ترهيب مفضوحة في أيدي الأمريكيين وشركائهم لابتزاز النظام السوري وإيران وحزب الله، ولم يكن لها علاقة مطلقا بقضية العدالة. 

لاحظوا كيف أن القضية تنام لسنوات وسنوات، وفجأة تعود إلى الأضواء عندما تريد أمريكا أن تستغلها لتصفية حسابات مع هذا الطرف أو ذاك. وعندما تحصل على ما تريد، تعود القضية لتأخذ غفوة طويلة وتنام قريرة العين لسنوات قادمة.

وإذا كانت قضية الحريري صديق رؤساء العالم قد تلاشت بهذا الشكل السخيف، وتحولت إلى لعبة بيع وشراء، فكيف تتوقعون أن تنتهي قضية الصحافي المسكين جمال خاشقجي؟ لا شك أن الطرف المتهم بالقضية قد يتضرر مؤقتا من الحملة الإعلامية الدولية ظاهريا، هذا إذا ثبت تورطه، لكن إذا كان النظام السوري الأضعف من النظام السعودي قد خرج من قضية الحريري كخروج الشعرة من العجين، أليس من المتوقع أن يخرج النظام السعودي من القضية بطريقة أسهل وأسرع، خاصة وأن لديه المليارات التي يستطيع أن يسد بها أبواز الشرق والغرب؟

لا تتوقعوا تحقيق العدالة لا للحريري ولا لخاشقجي ولا لغيرهما. هذه القضايا ليست سوى سلعة للمتاجرة والابتزاز والمقايضات؟ ثم ما قيمة الأشخاص في العلاقات الدولية؟ مجرد قشرة بصل. ينساهم الزمن ويطويهم النسيان بسرعة أمام المصالح الكبرى، هذا إذا لم يكن اغتيالهم أصلا مجرد وقود لأغراض وألاعيب دولية. 

إن العدالة الدولية المزعومة تعمل حرفيا بمبدأ: "ليس حبا بعلي، بل كرها بمعاوية". ?الدول لا تناصر أي قضية عادلة لأنها عادلة، بل كي تستغلها لمصالح خاصة حصرا، ولتذهب القضايا العادلة.. وحتى العدل نفسه في ستين ألف داهية، هذا إذا لم تكن القضية بالأصل ملعوبة من رأسها حتى أخمص قدميها لأهداف شيطانية.. 

وإذا كان ضباع العالم وكلابه قد غضوا الطرف عن تشريد نصف الشعب السوري وقتل وتعذيب الملايين، وتركوا الشعب اليمني يتشرد ويموت من الجوع والكوليرا، وحولوا ليبيا إلى ساحة حرب كبرى تحرق الأخضر واليابس من أجل الاستيلاء على ثرواتها، ويماطلون في قضية الشعب الفلسطيني منذ عشرات السنين، أتعتقدون أنهم سيهتمون بموضوع اختفاء صحفي، هذا إذا لم يكن الإخفاء مرتباً أصلاً لأغراض دولية قذرة؟ 

هل كان ترامب ليدعو خطيبة جمال خاشقجي إلى البيت الأبيض لو حصل على المدفوعات المطلوبة؟ هل تزامن اختفاء خاشقجي مع مطالبات ترامب للسعودية بدفع المزيد مجرد صدفة؟ هل هذه الحملة الدولية من أجل خاشقجي فعلا؟ 

 

لا تصدقوا كل التصريحات الدولية بخصوص اختفاء جمال خاشقجي، ولا تصدقوا دموع التماسيح.. كلها رفع عتب وضحك على الذقون. في السياسة القذرة قد يكون الطبل في روما والعرس في موزنبيق.. مصالح الدول لا تقف عند اختفاء شعب، فما بالك عند اختفاء شخص.. انسوا.

وإذا أقاموا محكمة دولية لقضية جمال خاشقجي، فاعلموا أنها ستكون نسخة عن محكمة الحريري للابتزاز والمساومات والمماطلة والمتاجرة والصفقات، وستظهر نتائج التحقيق في عام 598642130865 إن شاء الله.

وسلامتكم..

كاتب وإعلامي سوري

[email protected]

 

(عن صحيفة القدس العربي)

التعليقات (2)
ابو العبد الحلبي
السبت، 13-10-2018 09:59 م
يقول الشاعر : قتل امرئ في غابة *** جريمة لا تغتفر. و قتل شعب آمن *** مسألة فيها نظر أعتقد أن مسألة قتل الكاتب الصحفي قد تناولها الإعلام بشكل فيه مبالغة من حيث تظاهر دول و مؤسسات مهمة بحرصها على حياة الإنسان رغم أن هذه الدول و المؤسسات لم تقم بشيء ذي بال عندما رأت شعوب العرب يسحقها الطغاة أثناء الربيع العربي و قبل هذا الربيع . ما تسمى بالدول الحرة الديمقراطية كانت و لا تزال الداعم الأكبر لأنظمة الاستبداد حول العالم . لطالما قام الطراطير النواطير بقتل الناس في مجازر شتى في منطقتنا ، و لطالما قامت آلة الإعلام الغربية بتهميش تلك الأخبار و التعتيم عليها و تناسيها . ما ينبغي علينا هو أن لا ننجر إلى لعبة تنسينا قضايانا الأساسية و على رأسها مطلب الشعوب العربية بأن تتنفس عبير الحرية و الكرامة و العدل . لماذا كتب الاستعمار علينا أن نبقى في خانة العبيد و يمنعون علينا أن لا نكون سادة في أرضنا نمتلك الإرادة الحرة ونختار من يحكموننا ؟...
ادم
السبت، 13-10-2018 06:01 م
نعم، يا سيدى كم قامت الدنيا من قبل وعادت الى قعودها مرة آخرى حتى قبل أن تجف دماء الأبرياء. إنها المصالح يا سيدى ولك تحياتى.