صحافة إسرائيلية

هكذا تقرأ لجان التحقيق الإسرائيلية إخفاقاتها العسكرية

اعتادت إسرائيل كجزء من أعرافها الدستورية والقانونية، على تشكيل لجان تحقيق وفحص إخفاقاتها- جيتي
اعتادت إسرائيل كجزء من أعرافها الدستورية والقانونية، على تشكيل لجان تحقيق وفحص إخفاقاتها- جيتي

يزعم الخبراء الاستراتيجيون الإسرائيليون الذين صاغوا "النظرية القتالية"، طوال العقود الماضية، أن هدف القائد العسكري يتمثل في إرغام خصمه، دولة كان أو منظمة، على دخول الحرب وفق شروط وقواعد تفرض عليه فرضا، ويكون القائد العسكري على دراية بأن جيشه يمتلك تفوقا نسبيا على العدو، كما يحرص تمام الحرص على ألا يجر إلى حرب يكون فيها التفوق لخصمه.


لكن إسرائيل اعتادت، وكجزء من أعرافها الدستورية والقانونية، على تشكيل لجان تحقيق وفحص إخفاقاتها، التي رافقت عملياتها العسكرية وحروبها النظامية، ومن أهمها:


- لجنة أغرانات سنة 1973؛ لفحص جاهزية الجيش قبل اندلاع حرب أكتوبر.
- لجنة كاهان سنة 1982؛ في أعقاب مذابح صبرا وشاتيلا خلال حرب لبنان.
- لجنة لانداو سنة 1986؛ وتفحصت أساليب التحقيق في جهاز الأمن العام "الشاباك".
- لجنة شمغار سنة 1995؛ تشكلت بعد اغتيال "رابين"، لفحص أداء المسؤولين عن حمايته.
- لجنة أور للتحقيق في أداء الشرطة خلال أحداث تشرين الثاني/ أكتوبر 2000.
- لجنة فينوغراد سنة 2007؛ للتحقيق في إخفاقات الجيش في حرب لبنان الثانية.


هذه التقارير التي أعدتها لجان برلمانية وأمنية، دأبت على تقديم تشخيصات دقيقة وتفصيلية لجميع الإخفاقات التي عانت منها إسرائيل الدولة، جيشا وحكومة، تتخللها لقاءات ضمت قائمة طويلة من الشخصيات الرسمية في المستويين؛ جنرالات حاليين ومتقاعدين من المستوى العسكري، وساسة ووزراء حاليين وسابقين من المستوى السياسي.


يشعر القارئ لتفاصيل هذه التقارير وحقائقها المؤلمة، من وجهة النظر الإسرائيلية، أنه من الممكن أن تكون بعض الحروب التي خاضها الجيش الإسرائيلي هي "فيتنام إسرائيل"، التي حاولت إخضاع تنظيمات مسلحة تخوض حروب عصابات بواسطة القصف المدفعي والجوي، دون مناورات مكثفة، واستخدمت قواتها بصورة تدريجية متدحرجة، بينما انكسرت الرغبة الشعبية الإسرائيلية في ظلّ عدد المصابين، رغم أن الدولة قاتلت بنية وعزيمة، ومن خلال الالتزام بالانتصار.

 

اقرأ أيضا: ما هي أوجه الخلل الإسرائيلي في الحروب ضد الفلسطينيين؟


لكن الأنباء "السيئة" في نظر الإسرائيليين في خلاصة العديد من التقارير "أننا فشلنا"، وبالتالي إنهاء الحرب دون نصر، ودون أن تتمكن الحكومة حتى من مجرد الادعاء بالنصر، مما تسبب بمشاكل داخلية لبعض الحكومات، كادت أن تطيح بها، وستؤدي لنهاية الردع الإسرائيلي، وطرح علامات سؤال حول دور إسرائيل في خارطة الشرق الأوسط الجديدة.


وحتى لا نتهم بالمبالغة، سنعرض لبعض الأقوال التي رددها أو كتبها قادة وكتّاب إسرائيليون، استبقت نتيجة صدور بعض التقارير، التي جاءت لتضع النقاط على الحروف، وربما كما يقولون لـ"رش الملح على الجرح الإسرائيلي"، ومن أبرز ما قيل في تلك الحروب:


- الرئيس الإسرائيلي الراحل "شمعون بيريس"، وصف بعض تلك الحروب بأنها مسألة حياة أو موت لإسرائيل، وقال: إما أن ندخل في حرب شاملة مع تلك المنظمات المعادية ونكملها، أو نقبل بوقف إطلاق النار، والتفاوض على تبادل الأسرى، معلنا انحيازه للخيار الأول.


- الوزير "حاييم رامون" قال: إن نهاية الحرب بصورتها الراهنة يعني هزيمة مدوية لنا.


- وزير الأمن الداخلي "آفي ديختر" قال: إن إسرائيل لا يمكنها إعلان النصر إذا كان بوسع زعماء تلك المنظمات الخروج في اليوم التالي ليعلن انتصاره!


- "أوري دان" كاتب يميني مقرب من "أريئيل شارون" قال: على الجيش الإسرائيلي أن ينتصر بالضربة القاضية، إذا كان اليهود لا يريدون في المرة القادمة المحاربة، وظهورهم إلى البحر.


- "عاموس هرئيل" المحلل العسكري الأبرز قال: إذا توقف الجيش الآن، بسبب ضغط الخسائر، فإن هذا سيكون الانتصار الأكبر للتنظيمات التي تقاتلنا.


- الراحل "زئيف شيف"، الموصوف بكبير المعلقين العسكريين والاستراتيجيين الإسرائيليين، كتب قائلا: الأمر الاستراتيجي الأهم في بعض الحروب، أنه يجب هزيمة المنظمات المعادية بكل ثمن، واصفا ذلك بالخيار الوحيد القائم أمام إسرائيل، إذا لم تهزم تلك المنظمات، ولم تشعر بأنها هزمت في تلك الحروب، فستكون هذه نهاية الردع الإسرائيلي حيال أعدائها، مما سيعزز تلك الحركات، بصورة تجعل من المشكوك فيه أن يوجد فلسطينيون مستعدون للتوصل لاتفاقات مع إسرائيل.


ما سبق من تصريحات، وما أتى في تقارير اللجان التحقيقية من تفاصيل عسكرية؛ ميدانية وإجرائية، يفسر السبب في أن إسرائيل تخشى الحرب القادمة، ولا تريد الذهاب إليها، بسبب ما يمكن أن تتكبده من خسائر إذا أرادت تصفية حساباتها مع حزب الله في الشمال، ومع حماس في الجنوب، لأن ذلك لن يكون دون حرب برية، والحرب البرية مكلفة، ومكلفة جدا!


إن نتائج الحروب السابقة في ضوء اللجان التحقيقية، السرية منها والعلنية، وبعد مرور تبدو واضحة أكثر، فإسرائيل لم تربح، وحزب الله وحماس لم يخسرا، وبرهنت هذه الحرب على حدود القوة، والقيود التي تكبل إسرائيل، خصوصا إذا لم تجد قيادة حكيمة ذات خبرة قادرة على استخدامها، كما برهنت الحرب صعوبة هزيمة المقاومة، خصوصا إذا توفرت لديها الإرادة والإمكانيات والدعم الشعبي والعمق الإقليمي والاستراتيجي.

التعليقات (0)