صحافة دولية

نيويورك تايمز: هكذا تعمق إيران الشرخ بين أوروبا وأمريكا

نيويورك تايمز: قضية إيران تعد من أكثر القضايا التي تسبب انقساما بين أوروبا وإدارة ترامب حدة- جيتي
نيويورك تايمز: قضية إيران تعد من أكثر القضايا التي تسبب انقساما بين أوروبا وإدارة ترامب حدة- جيتي

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمراسلها للشؤون الدبلوماسية في أوروبا، ستيفن إرلانغر، تقريرا، يقول فيه إن قضية إيران تعد من أكثر القضايا التي تسبب انقساما بين أوروبا وإدارة ترامب حدة، حيث يقوم الأوروبيون بالعمل ضد سياسات أمريكا، ما يجعل أوروبا في مصف روسيا والصين وإيران.

 

ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الإدارة الأمريكية أعلنت منذ وقت سابق من هذا العام عن انسحابها من الاتفاقية النووية مع إيران، التي كانت مركزية في دبلوماسية باراك أوباما، وفرضت إدارة ترامب عقوبة شديدة ضد طهران، لافتا إلى أنه في الوقت ذاته فإن دولا أوروبية رائدة تريد الحفاظ على الاتفاقية النووية، تسعى لإقامة آليات دفع تتجاوز النظام المصرفي الذي تسيطر عليه أمريكا لتجنب العقوبات الجديدة التي تفرضها واشنطن.  

 

ويقول إرلانغر إنهم في الوقت الذي يفعلون فيه ذلك فإنهم يضغطون على إيران لأن تلتزم بالاتفاقية بحرفيتها؛ لئلا تعطي حجة لأمريكا وإسرائيل لإشعال حرب، وهو ما يشكل مصدر قلق متزايد، مشيرا إلى أنهم يحاولون إسداء النصح لطهران، ويطلبون منها البقاء هادئة وانتظار انتهاء دورة ترامب؛ أملا في ألا تتم إعادة انتخابه، بحسب ما قال دبلوماسيون أوروبيون كبار.

 

وتؤكد الصحيفة أن هذا قد يكون أملا أكثر منه واقعا، لكن الاختلاف في السياسة نحو إيران يخلق توترات أعمق في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإدارة ترامب.

 

ويلفت التقرير إلى أن مستشار الأمن القومي جون بولتون، قام الشهر الماضي بالسخرية من الاتحاد الأوروبي، بوصفه بأنه "قوي في الكلام وضعيف في المتابعة"، وقال: "لا ننوي السماح للتهرب من عقوباتنا (على إيران) من أوروبا أو من أي جهة أخرى".

وينقل الكاتب عن مدير معهد الشؤون الأمنية والدولية في برلين فولكر بيرثز، قوله إن قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاقية النووية مع إيران أدى إلى "فتح شرخ بين أمريكا وحلفائها الأوروبيين لا يتوقع أن يسد ثانية ما دام رئيسا"، وأضاف: "ليس الأمر أن أوروبا وأمريكا تتخذان سياستين مختلفتين لإيران، لكنهما تعملان فعلا ضد بعضهما في حقل سياسات يحمل أهمية استراتيجية للطرفين".

 

وتابع بيرثز قائلا إن الخلاف حول الاتفاقية مع إيران "أصبح موضوع حوار أوروبي حول شكل من أشكال (الاستقلالية الاستراتيجية) عن أمريكا وهو ما يمثل شرخا أخطر في التحالف الغربي من غزو العراق عام 2003".

 

وتفيد الصحيفة بأنه من المقرر أن تسري العقوبات الأمريكية الجديدة ضد إيران ابتداء من 4 تشرين الثاني/ نوفمبر، وهي التي ستكون الأشد إلى الآن، حيث ستؤثر على صناعة النفط وعلى البنك المركزي، كما ستفرض قيود على بيع النفط والمشتقات البتروكيماوية الإيرانية، وستواجه المؤسسات المالية الأجنبية عقوبات إن هي تعاملت مع البنك المركزي الإيراني، من بين مؤسسات مالية أخرى أدرجت على القائمة، بموجب قانون أجازه الكونغرس عام 2012.

 

وبحسب التقرير، فإن الأوروبيين يأملون، للالتفاف على العقوبات، بأن يشكلوا "وسيلة خاصة" للسماح بالدفع للصادرات الإيرانية، بما فيها النفط والواردات الإيرانية؛ "لمساعدة وطمأنة الشركات التي تسعى لتجارة شرعية مع إيران"، بحسب الاتحاد الأوروبي. 

 

ويجد إرلانغر أنه يمكن لهذه الآلية استخدام شكل من أشكال التبادل، بحيث يتم خصم قيمة الواردات من قيمة الصادرات مسعرة باليورو، مع تجنب المعاملات البنكية، مشيرا إلى أن الفكرة هي السماح لإيران بالاستمرار في بيع النفط، الذي يعتمد عليه اقتصادها بشكل كبير، وهو السبب الذي يجعل واشنطن تريد تقييد تلك التجارة.


وتستدرك الصحيفة بأنه ليس من الواضح إن كان الأوروبيون سينجحون في ذلك أم لا، لافتة إلى أن الشركات الكبيرة، مثل "توتال" و"بيجو" و"رينولت" و"إيني" و"سيمنز" و"ديملر"، بدأت بالانسحاب من إيران؛ بحجة أنها لا تستطيع المغامرة بالاستثناء من النظام المالي الأمريكي.

وينوه التقرير إلى أن صادرات إيران من النفط تراجعت بشكل كبير منذ آب/ أغسطس، ما يضع الضغط على مؤيدي الاتفاقية النووية في طهران، ويقوي المتشددين الذين يريدون كسر الاتفاق والبدء في تخصيب اليورانيوم مرة أخرى بنوعية أفضل وبكميات أكبر.

 

ويورد الكاتب نقلا عن أيلي جيرانمايه من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، قوله: "الهدف الرئيسي للاتحاد الأوروبي هو توفير طريقة تبقي على ماء الوجه لإيران للبقاء في (الصفقة النووية).. ويحاول الأوروبيون مع روسيا والصين لإيجاد حزمة اقتصادية لإيران، بالإضافة أيضا إلى بعض الخطوات السياسية التي تبقي إيران ملتزمة بالصفقة، خاصة بعد 4 تشرين الثاني/ نوفمبر". 

 

وتذكر الصحيفة أن الأوروبيين يحاولون أيضا أن يساعدوا الشركات الصغيرة والمتوسطة غير المعرضة لأمريكا على الاستمرار في التجارة مع إيران.

 

وتقول جيرانمايه إن "السؤال هو إلى أي مدى تستعد إدارة ترامب الذهاب إليه لفرض العقوبات، وإن كانت ستسمح بتنازلات، كما كانت تفعل في الماضي، للسماح للأنشطة المدنية في البرنامج النووي الإيراني بالاستمرار". 

 

وتضيف: "لكن إن انهارت الصفقة كلها، فيمكنك أن تراهن على أن إيران ستوسع برنامجها النووي.. وسيضع ذلك الجميع في ظروف ما قبل عام 2013، وأوروبا بالذات لا تريد أن تكون في ذلك الموقف".

 

ويجد التقرير أنه "إذا ما أخذنا في عين الاعتبار التوترات بين إيران والدول العربية السنية، مثل السعودية ومصر، مع إسرائيل، فإن قيام حرب ليس بالأمر المستبعد".

 

ويرى إرلانغر أن "صراعا حول سوريا، خاصة مع الإيرانيين والقوات المدعومة من إيران، بالقرب من هضبة الجولان المحتلة، قد يمنح إسرائيل الحجة لضرب المنشآت النووية الإيرانية، كما كانت تريد أن تفعل قبل التوصل إلى الاتفاقية النووية، وفي الوقت الذي منع فيه أوباما إسرائيل من فعل ذلك، قد لا يفعل ترامب ذلك".

 

وتقول جيرانمايه إن الأوروبيين يقولون لطهران بأن الاتفاق النووي ليس مجرد صفقة اقتصادية، "لكنه ينطوي على أبعاد سياسية وأمنية مهمة لإيران، وإلى الآن تستمع إيران لما يقولون"، فيما لا تزال أوروبا تركز على تخفيف التوتر، حيث كانت هناك ثلاثة لقاءات كجزء من الحوار الأمني مع إيران.

 

وتورد الصحيفة نقلا عن واشنطن، قولها إن الصفقة النووية كانت معيبة، وذلك جزئيا لأنها لم توقف أنشطة إيران الإقليمية، مثل دعمها لدول ومجموعات تعدها أمريكا مشاغبة، مثل الحكومة السورية وحزب الله وحركة حماس.

 

ويستدرك التقرير بأن الحكومات الأوروبية تقول بأن الأمريكيين لم يفعلوا سوى القليل لمنع التمدد الإيراني، مشيرا إلى أن الأوروبيين يحاولون خلق منصات للحوار مع إيران وغيرها من الفاعلين الإقليميين، ويدفعون إيران لمناقشة أنشطتها في العراق وسوريا ولبنان.

 

وينقل الكاتب عن جيرانمايه، قولها إن هناك فرقا مهما آخر، ففي الوقت الذي لا ترى فيه واشنطن حاليا "درجات من اللون الرمادي في القيادة الإيرانية.. فإن دول الاتحاد الأوروبي، على الأرض في إيران ترى فصائل متنافسة داخل النظام".

 

وتفيد الصحيفة بأن الأوروبيين يحاولون دعم أشخاص في إيران، مثل وزير الخارجية محمد جواد ظريف، والرئيس حسن روحاني، اللذين يعتبرونهما أكثر اعتدالا، واللذين أضعفا سياسيا من خلال أفعال ترامب.

 

وينقل التقرير عن الخبير النووي ورئيس صندوق "بلاوشيرز"، الذي يدعم المبادرات التي تحد من انتشار واستخدام الأسلحة النووية، جوزيف سيرنسيون، قوله إن إدارة ترامب تبدو أنها تتجه نحو الحرب في الشرق الأوسط. 

 

ويذكر إرلانغر أن سيرنسيون اتهم بولتون ووزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو "بتخير المعلومات الاستخباراتية وتضخيم التهديد.. إنهما يخلقان روابط مزيفة بين إيران والإرهابيين مثل تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة. ويصعدان من هجومهما اللفظي"، وأضاف أن هذه التوترات ستتزايد مع تصعيد العقوبات، بالإضافة إلى أن هناك احتمالا بأن يؤدي هذا الضغط إلى تفجير صراع عسكري.

 

وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالقول إن "هذه الرؤية المظلمة هي بالضبط ما يخشاه المسؤولون الأوروبيون، وهي بالضبط السبب الذي يجعلهم يحاولون إقناع إيران بالالتزام بالصفقة النووية، وتعديل تصرفاتها في المنطقة، وانتظار انتهاء رئاسة ترامب". 

لقراءة النص الأصلي اضغط هنا

التعليقات (0)