أفكَار

كيف توظف الأنظمة "الاعتدال والتطرف" سياسيا؟

عناصر من تنظيم الدولة إبان سيطرتهم على الرقة عام 2014- تنظيم الدولة
عناصر من تنظيم الدولة إبان سيطرتهم على الرقة عام 2014- تنظيم الدولة

قدمت بعض الحركات الإسلامية نفسها على أنها حركات وسطية معتدلة، فرحبت بها أنظمة سياسية في المنطقة باعتبارها كذلك، واستخدمتها لبعض الوقت في ضرب حركات إسلامية أخرى، تصمها تلك الأنظمة بالمنظمات والتنظيمات الإرهابية المتطرفة.


ووفقا لمراقبين فإن تلك الأنظمة سرعان ما غيرت موقفها من تلك الحركات (المعتدلة) التي تعاملت معها فيما مضى على أنها كذلك، لتعود وتصنفها هي الأخرى باعتبارها حركات إرهابية متطرفة، ما يثير تساؤلات قلقة حول الحدود الفاصلة بين الديني والسياسي في إطلاق تلك التوصيفات، وما هي محددات إطلاقها دينيا وسياسيا؟.


من جهته وإجابة عن الأسئلة المطروحة قال الكاتب الصحفي الأردني المهتم بالفكر الديني، حاتم هرش "تقدم الأديان والمنظومات الفكرية والأيدلوجية تعريفاتها لكل من التطرف والاعتدال، راسمة الحدود الفاصلة بين المفهومين، وما ينطوي عليهما من سلوكيات وتصرفات تندرج ضمنهما". 


وأضاف لـ"عربي21": "وبالرغم من أن هذه الأديان والمنظومات الفكرية والفلسفية قد تتباين تباينا كبيرا في تعريفها لكل من التطرف والاعتدال، إلا أنها قد تلتقي أحيانا على  أرضيات مشتركة، لكن الإطار النظري الذي يقدمه كل هؤلاء مجتمعين لا تلتزم القوى السياسية الفاعلة والمؤثرة بالضرورة به". 


وتابع هرش حديثه بالقول "بل وتخرج تصنيفات الفاعل السياسي عن ذلك الإطار النظري لتصبح هذه التعريفات متأرجحة في تعاطيه مع خصومه السياسيين بناء على مراعاة مصالحه، وبالتالي غالبا ما تُنتهب هذه المفاهيم لإضفاء شرعية على أفعال الأنظمة السياسية المختلفة". 


وأشار هرش إلى أن "الأنظمة السياسية في كثير من الأحيان تُصنف بعض التنظيمات على أنها متطرفة حتى تتمكن من تبرير استهدافها، أو تصف أخرى بأنها معتدلة لتستثمر فيها سياسيا، ومن المفارقة أن هذه التصنيفات لا تخضع لمقاس واضح يمكن فهمه لدى تلك الأنظمة" على حد قوله. 


وأردف الكاتب الصحفي الأردني هرش "لا يعدو الأمر أن يكون توظيفا يختلف من زمان إلى زمان، ومن مكان لآخر، لذا فإن هناك اختلافا في تعريف كل من التطرف والاعتدال في الإطار النظري، وكذلك في الإطار العملي الذي تعبر عنه الأنظمة السياسية".


بدوره أوضح الباحث الشرعي المغربي، عبد المجيد البشيري أن "التطرف أو الغلو في الدين منهج قديم، نبت مع الفرق المسيحية، خاصة الطائفة الكاثوليكية، بسبب تعصبها لآرائها ضد الطوائف الأخرى، أو ضد الخارجين عن تعليمات الكنيسة من الهراطقة". 


وتابع "وقد ظهرت نبتة الغلو في الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، في خلافة الصحابي علي بن أبي طالب رضي الله عنه على يد الخوارج الذين أسرفوا في تأويل النص الديني". 


وأشار البشيري في حديثه لـ"عربي21" إلى "توالي ظهور فرق على مر التاريخ الإسلامي تغالي في قراءاتها وتأويلاتها للنص الشرعي نصرة لما تؤمن به وتدعو إليه، إما في الجانب السياسي أو الديني أو كلاهما معا". 
وبيّن البشيري أن تلك الفرق والتيارات اشتركت "في استغلال النص الشرعي لتحقيق مقاصدها، والوصول إلى ما تطمح إليه، إما في إضفاء الشرعية الدينية على الحاكم، وإيجاب طاعته والمغالاة في ذلك،  والتي استغلها الحاكم للمحافظة على حكمه، وإما في توظيف الدين للوصول إلى السلطة والحكم ظنا منهم أنهم يسيرون على المنهج النبوي والراشدي في تولي السلطة". 


من جانبه نبّه الكاتب والأكاديمي الكويتي، الدكتور فهد راشد المطيري إلى ضرورة "ملاحظة أن التطرف لا يعبر عن قيمة سلبية بالضرورة، فنحن – مثلا – لا ندفع إنسانا متطرفا في إنسانيته إلى أن يكون أقل تطرّفا، كما أن الاعتدال لا يمثل قيمة إيجابية بالضرورة، فنحن لا نحثّ المجرمين – مثلا – على الاعتدال في إجرامهم" وفق عبارته. 


واستنادا إلى ذلك فإن السؤال الذي ينبغي طرحه بحسب المطيري هو: ما الذي يجعل تطرفنا في إنسانيتنا أمرا محمودا، وتطرفنا في ديننا أمرا مذموما؟ ذاكرا أن الإجابة عن هذا السؤال لا ترتبط بصفة "التطرف" بقدر ارتباطها بموضوع التطرف، لذا فإن التطرف الديني يشير إلى مشكلة ناتجة عن المصدر الذي يستقي منه المتطرفون مبررات سلوكهم المتطرف".


وتابع المطيري حديثه لـ"عربي21" بالقول "عند الانتقال إلى الشق السياسي من السؤال، نلحظ بين فترة وأخرى تسليط الأضواء على الحاجة إلى ما يسمى "إسلام معتدل"، أي إسلام يتكيف باستمرار مع "ضرورات المرحلة" التي تمليها السلطة السياسية". 

 

وأنهى المطيري حديثه بالقول "ولعل من الواضح في السنوات الأخيرة وجود مستفيدين وراء الترويج لمفهوم "الإسلام المعتدل، منهم من يطمح إلى المحافظة على ملك توارثوه، ومنهم من يتوق إلى استعادة ملك أضاعوه". 


في السياق ذاته رأى الكاتب والباحث السياسي المصري، الدكتور هاني نسيرة أن "التطرف سواء كان دينيا أو سياسيا يختزل العالم في رؤيته، ويرفض أو على الأقل يحذر من المشترك بينه وبين الآخرين، قريبين كانوا أم بعيدين، فضلا عن أنه قد يستخدم القمع والعنف ضد مخالفيه". 


وردا على سؤال "عربي21" عن الحدود الفاصلة بين التطرف والاعتدال دينيا وسياسيا، قال نسيرة "الحد الفاصل الأهم بينهما هو رفض أو قبول المشترك الإنساني، والدعوة إلى العنف أو التبرير له".


وختم حديثه بالإشارة إلى أن ما يعنيه بالمشترك الإنساني هو "كل ما توافقت عليه البشرية من قيم ومرجعيات معيارية للسلوك الإنساني، بما فيها حق الاختلاف، والقبول بالآخر واحترام خصوصيته الثقافية، واحترام جميع الأطر الدستورية والقانونية للدول والمجتمعات، وفي مقدمتها مبادئ المواطنة والمساواة". 

التعليقات (0)