مقالات مختارة

مملكة الخوف!

حسن البراري
1300x600
1300x600

حتى كتابة سطور هذه المقالة، تشير أغلب التحليلات والتسريبات بأن الكاتب السعودي جمال خاشقجي قد تم اغتياله بتركيا على أيدي عناصر سعودية جاءت إلى تركيا لتنفيذ هذه المهمة، وإن صحت هذه التحليلات، فإن الرياض تبعث برسالة واضحة تفيد بأنها لا تتسامح مع أي مثقف سعودي يعبر عن رأي مخالف لتيار الحزم في الرياض، وأنها على استعداد لملاحقتهم واستدراجهم واغتيالهم إن لزم الأمر.


ربما تنجح الرياض في هذه الحالة بدفع منتقديها من السعوديين إلى التروي قبل التعبير عن رأيهم، لكنها في الوقت ذاته جعلت من نفسها لقمة سائغة لكبار الكتّاب في العالم ولكبريات الصحف الأمريكية والبريطانية، التي بدأت بشن حملة تعرية لهذا السلوك غير الإنساني في التعامل مع المعارضين.


 ويبدو أن صنّاع القرار في الرياض يتصرفون وكأن العالم بهذه السذاجة حتى يصدّق التصريحات الرسمية السعودية بخصوص اختفاء أو ربما قتل جمال خاشقجي. ولا نستبعد بأن تفتح هذه الحادثة ملفات أخرى تورطت فيها الرياض، الأمر الذي ينطوي على مخاطر كثيرة.


بواعث التصرف المتهور له سياقه المتمثل بالرغبة غير المسبوقة لولي العهد السعودي بتنصيب نفسه ملكا وبأي ثمن على ما يبدو، ومن ثم بات لا يطيق أي انتقاد، ولنا في الموقف السعودي المتسرع من كندا خير مثال على مستوى التوتر الذي وصلت إليه القيادة السعودية. 


فالرياض بهذا المعنى أقامت الدنيا ولم تقعدها لمجرد تغريدة كندية.


وعلى نحو لافت، باتت الدول ترصد تطورات المشهد السعودي وبخاصة بعد أن تلقت الرياض سلسلة من الهزائم في الإقليم لصالح إيران، وهناك قراءة رسمية في أمريكا تفيد بأن وليّ العهد السعودي يحتاج إلى الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى، وعليه بدأ مسلسل الابتزاز الأمريكي للسعودية التي تحولت لبقرة حلوب.


 وحتى أصدقاء ولي العهد السعودي في الولايات المتحدة لم يخفوا رغبتهم في تجريد السعودية من قدراتها المالية، فالرئيس ترامب في خطاب أخير له قال بأنه طلب من السعودية دفع مليارات من الدولارات لقاء الحماية الأمريكية، على اعتبار أن النظام السعودي ما كان بإمكانه البقاء والصمود في الحكم أكثر من أسبوعين من دون الدعم الأمريكي.


محزن جدا لنا كعرب أن نشاهد الابتزاز الأمريكي الممزوج بلغة استعلائية تخلو من الاحترام، ولا يحرك ذلك في تيار الحزم شيئا سوى الاستسلام للمنطق الأمريكي! فالسعودية ليست دولة ضعيفة، بل هي في مصاف الدول القوية اقتصاديا وحتى عسكريا، وبإمكانها الدفاع عن سيادتها وأمنها بمفردها لكن هذا يتطلب عزما وتصميما ورغبة حقيقية في الاستقلال، وهي أمور لا تتحقق إلا بقيادة حقيقية تعمل لصالح الوطن والشعب. بصراحة، لم ترتق بعد تصريحات ولي العهد السعودي بخصوص خطاب ترامب إلى المستوى المأمول من واحدة من أكبر الدول العربية وأقواها.


لم يتضح بعد إن كان بإمكان الإدارة الأمريكية غض الطرف عن حادثة جمال خاشقجي، فالحاجة إلى المال السعودي قد لا تكفي لتجاهل حجم الجريمة بخصوص مواطن سعودي لا ذنب له، سوى أن يكتب في الواشنطن بوست وينتقد سياسات بلده ومن منطلق وطني. 


وقد لا يمنح الإعلام الأمريكي الفرصة للإدارة التي عليها أن تعلن موقفا مما جرى. وحتى لو اختار ترامب ألا يصب الزيت على النار، فإن الضرر وقع ولم يعد بإمكان العالم السكوت عما آلت إليه الأحوال في السعودية.


بكلمة، ربما نجحت السعودية في إسكات صوت سعودي حر، لكن ما قامت به هو أمر محفوف بالمخاطر إذ ألحقت ضررا كبيرا بصورة ولي العهد الذي بدأ – ربما من دون وعي – بتحويل بلده إلى مملكة الخوف!

 

عن صحيفة الشرق القطرية

1
التعليقات (1)
لعنه الله علي السافلين و اهل الفتن
الأحد، 23-12-2018 05:19 ص
لعنة الله علي المجوس