سياسة دولية

نصف عام على انطلاق مسيرات العودة.. أين أخفقت وأين نجحت؟

تقوم فكرة مسيرات العودة على احتشاد المتظاهرين الفلسطينيين أمام الشريط الحدودي شرق القطاع- جيتي
تقوم فكرة مسيرات العودة على احتشاد المتظاهرين الفلسطينيين أمام الشريط الحدودي شرق القطاع- جيتي

يطوي الفلسطينيون في غزة نصف عامهم الأول في مسيرات العودة، وسط تحديات سياسية واقتصادية تعصف بالقضية الفلسطينية، كان لها بالغ الأثر في وصول الحالة الراهنة لمفترق طرق خطير، في ظل تقديرات متزايدة تشير إلى إمكانية اندلاع مواجهة عسكرية مع الجيش الإسرائيلي في حال استمر تردي الأوضاع الاقتصادية جراء العقوبات التي تفرضها السلطة على سكان القطاع.


وانطلقت مسيرات العودة في 30 آذار/ مارس الماضي، الذي يصادف يوم الأرض لدى الفلسطينيين، ضمن مبادرة تبناها عدد من الكتاب والمفكرين، وما لبثت أن تبنتها الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، كأسلوب نضالي يستخدم الطابع السلمي في مقاومة الجيش الإسرائيلي لم تعتد عليه الحركة منذ انطلاقها قبل 30 عاما.


وتشير إحصائيات وزارة الصحة في غزة إلى استشهاد 193 مواطنا، وإصابة 21150، من بينهم 5300 إصابة بالرصاص الحي، منذ انطلاق المسيرات وحتى بداية الشهر الجاري، وكانت حادثة نقل السفارة الأمريكية في 14 من مايو/ أيار الماضي هي الأعنف في هذه المواجهات، حينما ارتقى 60 شهيدا وأكثر من 3 آلاف إصابة بين المتظاهرين.


محطات

 

ومرت مسيرات العودة بالعديد من المحطات السياسية والميدانية، التي نجحت وفق تقديرات عدد من المراقبين في فرض نفسها على الأطراف الإقليمية بضرورة إيجاد مخرج للحل الإنساني في غزة، من خلال استخدام المسيرات كأسلوب ضغط على المجتمع الدولي.


تقوم فكرة مسيرات العودة على احتشاد المتظاهرين الفلسطينيين أمام الشريط الحدودي شرق القطاع، وإقامة فعاليات تتسم بالطابع السلمي، كإقامة الندوات واللقاءات السياسية، لتذكير المجتمع الدولي بحقوق الشعب الفلسطيني وعلى رأسها قضية اللاجئين، وأعقب ذلك تبني المتظاهرين أساليب جديدة لزيادة فعالية هذه المسيرات، كاستخدام الطائرات الورقية، وإشعال إطارات السيارات لحجب الرؤية عن قناصة الجيش، كما شهدت الأسابيع الأخيرة توسيع رقعة هذه المسيرات، عبر توجيه المتظاهرين لنقاط جديدة، كمعبر بيت حانون/ إيرز شمال القطاع، وموقع زيكيم البحري في أقصى شمال غرب القطاع، بالإضافة لاستحداث وحدات الإرباك الليلي التي تقوم بنشاطات في ساعات متأخرة من الليل باتت تشكل مصدر قلق لدى مستوطني الغلاف.

 

مكاسب وإنجازات

 

وفي السياق ذاته، أشار عضو الهيئة الوطنية لمسيرات العودة، طلال أبو ظريفة، إلى أن "مسيرات العودة استطاعت رغم كل الظروف الصعبة التي يشهدها القطاع أن تحقق إنجازات سياسية وميدانية مع الجانب الإسرائيلي، أبرزها توحيد طاقات الشارع الفلسطيني بكل أطيافه وألوانه؛ لرفع التكلفة أمام الاحتلال الإسرائيلي، واستنزافه بشكل متواصل، وإظهار الحقيقية أمام المجتمع الدولي بأن إسرائيل دولة لا تحترم القانون، وتمارس القتل ضد متظاهرين سلميين يطالبون بحقوقهم التي تبنتها الأمم المتحدة".

 

وأضاف: "استطاعت مسيرات العودة أن تقف في وجهة الإدارة الأمريكية، عبر ممارسة مزيد من الضغط الجماهيري والشعبي لإعادة النظر فيما تسمى صفقة القرن، وتغيير قناعات شعوب المنطقة التي تهرول للتطبيع مع دولة الاحتلال بأن تعيد حساباتها احتراما لتضحيات الشعب الفلسطيني".


وكشف أبو ظريفة في حديث لـ"عربي21" أن "القائمين على هذه المسيرات وضعوا خطة استراتيجية لإطالة ديمومة هذه المسيرات لعدة أشهر قادمة، كما يجري العمل على نقل تجربة مسيرات العودة إلى الضفة الغربية وداخل الخط الأخضر ودول الشتات؛ لتحقيق الهدف العام التي انطلقت منها، وهي عودة الفلسطينيين إلى أرضهم التي هجروا منها قبل 30 عاما".


استغلال إسرائيلي

 

من جانب آخر، أقر الكاتب المختص في الشؤون الإسرائيلية، محمد مصلح، بوجود ملاحظات كان لها بالغ الأثر في تأجيل الحصول على المكاسب التي انطلقت منها هذه المسيرات، من بينها "تبني الفصائل الفلسطينية لهذه المسيرات، وإظهار الدعم السياسي واللوجستي لهذا الحراك الشعبي، وهو ما استغلته إسرائيل أمام المجتمع الدولي بالقول إن حماس تتستر خلف هذه المسيرات، وتستخدم المتظاهرين كأدرع بشرية لإيقاع الأذى في جنود الجيش على الحدود".


وأضاف مصلح في حديث لـ"عربي21": "الخطأ الآخر الذي وقع به المنظمون لهذه المسيرات هو

رفع تكلفة التضحيات من خلال زيادة الاحتكاك المباشر بين المتظاهرين وقوات الجيش، كما أن رفع سقف التوقعات عبر تصريحات القائمين على هذه المسيرات بتحقيق إنجازات ومكاسب سياسية وميدانية خلال فترة قصيرة، وهو ما لم يتحقق حتى اللحظة، تسبب في إحباط لدى الشارع الغزي".


فيما اعتبر الكاتب والمحلل السياسي، إبراهيم المدهون، أن "مسيرات العودة انطلقت في ظروف سياسية لم تشهدها القضية الفلسطينية من قبل، كاشتداد الحصار الإسرائيلي على غزة، وفرض السلطة لعقوباتها الاقتصادية، وتعثر العملية السياسية، وتبني الإدارة الأمريكية للموقف الإسرائيلي بصورة كبيرة، لذلك جاءت المسيرات وأعادت من جديد إحياء القضية الفلسطينية، وما يجري من مفاوضات ترعاها القاهرة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل في حال كتب لها النجاح ستكون مسيرات العودة بمثابة الطريق الذي مهد لهذا الاتفاق".

 

وأضاف المدهون في حديث لـ"عربي21": "كان من المفترض أن تكتمل حلقات المواجهة السلمية ضمن مسيرات العودة؛ من خلال تقديم قادة الاحتلال الإسرائيلي للمحاكمة؛ بتهمة ارتكابهم جرائم حرب عبر قنصهم للأطفال بشكل متعمد، ولكن موقف السلطة الفلسطينية وحركة فتح الرافض لهذه المسيرات أعطى إسرائيل فرصة لتمارس سياسية القتل بدم بارد".

التعليقات (0)