كتاب عربي 21

لماذا مشى قاتلا ثم عاد قتيلا؟

جعفر عباس
1300x600
1300x600
العبارة أعلاه من قصيدة للشاعر السوداني محمود الفيتوري، وهي إعادة تدوير لعبارة "من قتل يُقْتل ولو بعد حين"، التي هناك من يقول إنها حديث نبوي، بينما يقول البعض إنه ليس هناك ما يسند صحته كحديث.

ديكتاتور رومانيا تشاوشيسكو، وديكتاتور إيطاليا موسوليني، وديكتاتور عموم أوروبا هتلر، سفحوا الدماء طلبا للاستمرار في السلطة، وانتهى بهم الأمر كما انتهى بغيرهم من الطغاة؛ قتلى على نحو مهين (ولا عزاء لهتلر بأنه انتحر؛ لأنه يكون بذلك قد نفذ حكم إعدام مستحق على نفسه).

ويتحدث بعض من يسمون أنفسهم محللين سياسيين عن انتصار الحكم السوري على المعارضة، وبما أن المعارضة في الحالة السورية شرائح واسعة من الشعب، فلك أن تتساءل: كيف تنتصر الحكومة على الشعب؟ وحتى إذا كان المقصود بالانتصار بقاء بشار الأسد رئيسا للبلاد، فإنه بقاء يحمل الكثير من بذور الفناء.

سوريا اليوم خرابة كبيرة، ولا يمكن أن يكون القيِّم على الخرابة منتصرا، وقد يبقى قيِّماً على أطلال بلاده وأجداث مواطنيه حينا من الدهر، ولكنه وحتما سيواجه الحِراب مجددا، فلا يعرف التاريخ حاكما بقي على الكرسي وهو عاجز عن ضمان الحد الأدنى من معايش الناس، ولا قاتلا بالجملة نجا بفعلته، وعاش في تبات ونبات وخلف صبيانا وبنات.

وأمل سوريا الأسد في إعادة إعمار البلدات والمدن كأمل إبليس في الجنة؛ فالغرب لم يكن، ولن يحفل بمجريات الأمور في سوريا، والولايات المتحدة التي كانت فيما مضى تخطب ود الشعوب بالعطايا، صارت في قبضة دونالد شايلوك ترامب، التاجر الذي ليس في قاموسه مفردات الأخوة والصداقة والإنسانية وحقوق الجوار، وانقلب بالتالي على حلفاء بلاده التاريخيين، ممزقا الاتفاقيات التجارية التي كانت تربط واشنطن بهم.

وأروبا تعيش في حالة اختلال سياسي واقتصادي بسبب سياسات ترامب، وما فيها يكفيها، وأقصى ما تستطيع تقديمه لسوريا هو إيواء بعض مواطنيها، ولن تدفع مليما أحمر أو أصفر لسوريا الأسد.

وروسيا ما تدخلت في سوريا من أجل سواد عيون الشعب السوري أو بشار الأسد، بل نكاية بالولايات المتحدة، ولاسترداد هيبة الاتحاد السوفييتي. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين نتاج التربية والثقافة السوفييتية، ولهذا، ورغم انقلابه على الإرث السياسي الشيوعي، به حنين شديد وقوي الى أمجاد السوفييت، يوم كانوا يناطحون واشنطن في جميع القارات، وينتصرون عليها في أحيان كثيرة؛ ولهذايرفض نقل جثمان فلاديمير لينين من "ضريحه"، ويريده مزارا يستعيد الناس عنده أمجاد روسيا (لأن روسيا كانت مركز الدائرة السوفييتية).

بوتين يدرك أن من الأسباب التي خربت بيت السوفييت، تقديم العون السخي لكل عسكري يصل الى كرسي الحكم بليل ويقول إنه اشتراكي، ثم إن طريق التطور الرأسمالي الذي قرر بوتين ومن قبله بوريس يلتسين السير فيه، يتطلب إخضاع العلاقات الخارجية لحسابات الربح والخسارة المادية، وعموما، فلا روسيا ولا غيرها تقدم العون المادي لدولة من ذوات الاحتياجات الخاصة إيمانا واحتسابا، وحال الاقتصاد الروسي لا يسمح لبوتين بتقديم غير السلاح للحلفاء المرتقبين.

والسلاح عند روسيا موجود بملايين الأطنان، وبدلا من تركه يصدأ، فلا ضير في استخدامه لإثبات قيصرية روسيا، وليعرف الأمريكان أن القطب الثاني في الساحة الدولية ينهض مجددا لاسترداد أمجاد الأسلاف.

وإيران أيضا متخمة بالسلاح وتعاني من شح الأصدقاء، بل ليس لها من صديق في الساحة الدولية سوى بشار (لم أقل سوريا لأن هناك سوريا الشعب)، وأعتى المظاهرات التي اهتزت لها كراسي الحكم في طهران قبل عام، كانت تندد بالتورط في سوريا، في وقت يعاني فيه الشعب الإيراني من ضيق العيش والبطالة.

والدمار سهل، ولكن الإعمار عسير وباهظ، وروسيا وإيران قد تعيدا بشارا إلى كرسي مخلخل الأرجل، ولكن، وعندما يناشدهما بأن يكملا جمائلهما بمد يد العون المدني، سيقولان له: إن العين بصيرة واليد قصيرة.

وقد تخفت الحرب الأهلية في سوريا من حيث المواجهات بالأسلحة الثقيلة، ولكن بشار لن يربح من وراء ذلك نصرا حقيقيا، ولن تعرف سوريا استقرارا وحقنا للدماء ما لم يرحل بشار، وسيرحل، ليس فقط لأنه لو دامت لغيره لما آلت إليه، ولكن لأن في رقبته دماء عشرات الآلاف من السوريين، ولأن عشرات الآلاف من السوريين الأحياء تعسكروا، ورغم أن معظمهم قبل الآن "وضع" السلاح، إلا أن ذلك لا يعني التسليم الكامل، بل هي استراحة محارب، وستكون هناك جولات أخرى بأساليب أخرى، يصبح فيها القاتل قتيلا.
التعليقات (3)
الروداني
الإثنين، 19-11-2018 03:05 ص
لا فض فوك يا أستاذ
ابو العبد الحلبي
الخميس، 04-10-2018 04:33 م
لا تجيز الرؤوس الساخنة التي تتحكم بالسياسة الدولية "بطريقة صبيانية" لأي شعب عربي مسلم أن يستنشق النزر اليسير من عبق الحرية و الكرامة و العدالة ، فالعالم في نظر هؤلاء المتحكمين العنصريين ينقسم إلى سادة قليلين و عبيد كثيرين و وضعونا من ضمن العبيد الذين لا تعطى لهم الإرادة و السيادة ليسيروا كما يريدون . نحن منذ الاستعمار القديم في عالم التسيير و ليس في عالم التخيير و لقد زاد الطين بلَة في عهد الاستعمار الحديث المتغطرس "الذي ورث الاستعمار القديم" فأتى إلينا بنواطير طراطير " يسمون حكاماً من باب ذر الرماد في العيون" و توجَب على كل طرطور ناطور أن يقمع الشعب بمنتهى القسوة مهما كان حجم القتل و التدمير و التهجير. من سذاجة قطاع واسع من الجماهير أنها تتلقى ضربات يومية و هجوماً مستمراً بينما تتوهم أن لديها حياة طبيعية تسير نحو الازدهار مع أن وقائع الحياة تسير بشكل معاكس تماماً للوهم . لقد اتسع الخرق على الراتق و ازدادت الفجوة بين البلدان المتقدمة و بيننا حتى صار لزاماً علينا أن نسارع إلى اللحاق بالركب و إلاَ فالعدمية و النسيان و التهميش ستكون من نصيبنا و نصيب ذريَتنا. إن أجهزة حراسة السيطرة الاستعمارية الحالية مليئة بمن نعتبرهم أبناء جلدتنا ، و هم في سبيل راتب تافه و قوة فارغة و نفخة "فاضية" يساعدون على ديمومة القهر و العذاب الذي سيطاولهم و يطاول أبناءهم و أحفادهم و سيصدق فيهم أنهم "يخربون بيوتهم بأيديهم" . لا أرى في الأفق إمكانية إصلاح جمهورية الخراب السورية بل بالعكس يبدو أن الأصفهاني لن يترك سلطته الواهية حتى يكمل تخريبها بما يعيدها إلى العصر الحجري فتكون للنصيريين سلطة و تشبيح على الأطلال و الآثار .
أمينة الإدريسي
الإثنين، 01-10-2018 06:52 م
وهل من إمكانية للتمييز بين القاتل في صفوف النظام المتهالك ، والقاتل في صفوف المعارضة بشرائحها الواسعة وفصائلها المتعددة ؟