ملفات وتقارير

لماذا تشيد مصر خمسة سدود جديدة على النيل في أوغندا؟

 تتخوف مصر من التأثير المحتمل للسد على حصتها التاريخية من مياه النيل البالغة 55.5 مليار متر مكعب سنويا - جيتي
تتخوف مصر من التأثير المحتمل للسد على حصتها التاريخية من مياه النيل البالغة 55.5 مليار متر مكعب سنويا - جيتي

أعلنت مصر الخميس الماضي بدء إنشاء خمسة سدود جديدة في مناطق متفرقة بدولة أوغندا لحمايتها من خطر الفيضانات، ضمن مجموعة من المشروعات الثنائية بين البلدين.


وأثارت هذه الخطوة التي تتزامن مع تصاعد أزمة سد النهضة بين القاهرة وأديس أبابا تساؤلات حول الأسباب التي دفعت مصر لتنفيذ هذه المشروعات، وما إذا كان لها علاقة بأزمة سد النهضة؟

 

وبينما يسيطر الجمود على المفاوضات الثلاثية بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا بشأن سد النهضة منذ عدة سنوات، دون الخروج بنتائج ملموسة، تتخوف مصر من التأثير المحتمل للسد على حصتها التاريخية من مياه النيل البالغة 55.5 مليار متر مكعب سنويا.


لكن إثيوبيا، التي ترفض تأكيد التزامها بالاتفاقات التاريخية لتوزيع حصص مياه النيل باعتبارها "اتفاقيات

ظالمة"، حسب قولها، تؤكد أن السد ليس له أضرار على حصة مصر وأن الطاقة الكهربائية التي

سيولدها السد ستعزز النهضة التنموية في البلاد.

 

خمسة سدود

 

وبعد لقاء وزير الري المصري محمد عبد العاطي مع وزير المياه والبيئة الأوغندي سام شيبتوريس الخميس الماضي بمقاطعة كسيسي غرب أوغندا، أعلنت وزارة الري المصرية، في بيان لها، بدء تنفيذ مشروع إنشاء خمسة سدود خاصة بحصاد مياه الأمطار بمناطق متفرقة بأوغندا بسعة لن تزيد عن 10 آلاف متر مكعب.

 

ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية المصرية عن وزير المياه الأوغندي إشادته بالتعاون مع القاهرة في مجالات الري ودرء مخاطر الفيضانات، موضحا أن مصر ساهمت في دعم منظومة إدارة الموارد المائية والري في أوغندا ورفع وبناء قدرات العاملين فى هذا المجال عبر تبادل الخبرات في مواجهة الفيضانات والسيول ودرء مخاطرها.

 

بدوره، أكد الوزير المصري أن مصر حريصة على استمرار التعاون الفني مع أوغندا، التي تعد واحدة من دول المنبع في حوض النيل، مشيرا إلى أن مشروع إنشاء السدود الخمسة الجديدة يضاف إلى ما تم

تنفيذه بالفعل من مشروعات حفر الآبار الارتوازية التي نفذتها مصر.

 

وأوضح وزير الري المصري محمد عبد العاطي، أن مقاطعة كسيسي تعرضت في السنوات الماضية لموجات من الفيضانات العارمة التي ضربت معظم مناطقها وأدت خسائر بشرية ومادية كبيرة بسبب الانهيارات الأرضية، وقد طلبت أوغندا المساعدة المصرية للحد من مخاطر الفيضانات، وعلى الفور تم البدء في الإعداد لتنفيذ المشروع.

 

وتابع: تم البدء الفعلي للمرحلة الأولى من المشروع في آذار /مارس 2017 بأعمال الرفع المساحي والحفر والتطهيرات بمسار مجرى النهر، وانتهى العمل في هذه المرحلة في شباط/ فبراير 2018.


تحول استراتيجي

 

ويقول مراقبون إن هذه الخطوة تعكس تحول مصر إلى سياسة جديدة تجاه السدود التي تقوم دول المنبع بإنشائها على نهر النيل ومنابعه، حيث أصبحت تشارك في بناء وإدارة هذه السدود لتضمن أنها لن تؤثر على حصتها من المياه، بدلا من معارضة إنشاء السدود بشكل مبدئي.

 

وفي هذا السياق يقول الدكتور أيمن عبد العظيم  خبير الشؤون الإفريقية والمياه، إن مصر تريد أن ترسل ثلاث رسائل مهمة للأطراف المتعلقة بملف مياه نهر النيل كافة.

 

وأوضح عبد العظيم أن الرسالة الأولى هي أن مصر ليست ضد إنشاء السدود على الميل بشكل مطلق، طالما لا تؤثر تلك السدود على حصتها من المياه، مشيرا إلى أن مصر حريصة على التعاون ومساعدة الدول الإفريقية وفي مقدمتها دول حوض النيل في المجالات التنموية، وخاصة الري والزراعة وسبق أن أنشأت من قبل سد "أوين" في أوغندا قبل عدة سنوات، كما قامت بحفر 150 بئرا ارتوازيا في كينيا خلال الشهور الأخيرة توفر مياه شرب نظيفة للمواطنين.

 

وأضاف أن الرسالة الثانية هي أن مصر مستمرة في منهجها واستراتيجيتها التي تتبعها منذ خمسينات القرن الماضي، بنقل الخبرات الفنية والدعم اللازم لتنمية دول حوض النيل، وأنها ستواصل هذا الدعم رغم الخلافات التي تطرأ بين حين وآخر مع بعض الدول، موضحا أنه على الرغم من أن مصر ممتنعة عن التوقيع على اتفاقية حوض النيل، إلا أن هذا لم يمنعها من التعاون مع أوغندا في المجالات التنموية المختلفة.

 

أما الرسالة الثالثة وهي الأهم، بحسب أيمن عبد العظيم، فهي أن مصر تقدم نموذجا عمليا وواضحا لأثيوبيا في كيفية تجاوز الخلافات المحتدم حول سد النهضة، وتؤكد الفاهرة، بالدليل العملي، أنها ليست ضد سد النهضة لكنها في الوقت ذاته لن تسمح بتهديد أمنها المائي، مشيرا إلى أن مصر عرضت بالفعل على أثيوبيا المساهمة في بناء وإدارة سد النهضة، لكن إثيوبيا رفضت هذا العرض.


وشدد على أن المشكلة الحقيقية في ملف حوض النيل ليست في ندرة المياه بل في كيفية الاستفادة منها، موضحا أن ما تستخدمه دول الحوض مجتمعة لا يزيد عن 10% من حجم مياه النهر، بينما يتم إهدار الكمية الباقية دون استفادة حقيقية منها.

التعليقات (0)