كتاب عربي 21

الاستثمار في إنتاج التكنولوجيا واستقطاب العقول

إسماعيل ياشا
1300x600
1300x600
شهدت تركيا منذ تأسيس الجمهورية الحديثة محاولات عديدة لإنتاج الأسلحة والماكينات بقدرات محلية، إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل، بسبب العوائق البيروقراطية، أو عدم وجود دعم حكومي للمشاريع، أو عرقلة متعمدة تقف وراءها القوى التي تريد أن يبقى الاقتصاد التركي يعتمد بالدرجة الأولى على الزراعة؛ كي تستمر حاجة البلاد إلى الخارج في مجالات التكنولوجيا والصناعات الدفاعية.

يذكر أن رئيس وزراء تركيا الأسبق، نجم الدين أربكان، رحمه الله، حين واجه عوائق عديدة في إنتاج أول محرك وطني باسم "غوموش موتور"، قرر أن يتولى رئاسة اتحاد الغرف التجارية والبورصات ليتجاوز تلك العوائق، وانتخب رئيسا له، إلا أن الحكومة تدخلت، وألغت نتائج انتخابات الاتحاد، وحين ذلك أدرك أن عليه أن يدخل المعترك السياسي، ودخل البرلمان التركي كنائب مستقل عن محافظة قونيا، ليدرك فيما بعد أن هذا لا يكفي لتجاوز العوائق، الأمر الذي دفعه إلى تأسيس حزب النظام الوطني عام 1970. ومن المؤكد أنه أدرك أيضا بعد إسقاط حكومته من قبل العسكر والقوى المتواطئة مع الانقلابيين أن تولي رئاسة حكومة ائتلافية لا يكفي لإزالة العوائق التي تقف أمام أحلامه الوطنية، بل البلاد بحاجة إلى ثورة تحرر الإرادة الشعبية من تدخلات كافة القوى غير الديمقراطية ووصايتها.

تلك الثورة التي كانت البلاد تحتاج إليها، قام بها الشعب التركي عبر صناديق الاقتراع من خلال انتخاب حزب العدالة والتنمية ليحكم تركيا منذ أواخر 2002. وهي التي مهَّدت الطرق أمام مشاريع إنتاج الأسلحة والتكنولوجيا؛ لأن القيادة التركية المنتخبة ترى أن الحفاظ على سيادة البلاد واستقلال قرارها يعتمد على الاكتفاء الذاتي إلى حد كبير، كما أن تركيا يجب أن ترتقي من الدول المستهلكة للتكنولوجيا والأسلحة إلى صفوف الدول المنتجة لها؛ لتحقيق أهدافها في المستقبل.

مطار إسطنبول الجديد المقرر افتتاحه في الذكرى الــ95 لإعلان الجمهورية التركية، في 29 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، استضاف ما بين 20 و23 أيلول/ سبتمبر مهرجان "تكنوفيست إسطنبول"، وهو أول مهرجان لتكنولوجيا الطيران والفضاء في تركيا. وساهمت في تنظيمه شركات وطنية متخصصة في الصناعة الدفاعية والجوية والفضائية، بالإضافة إلى المراكز والمؤسسات للبحوث العلمية والتكنولوجية. وشارك في المهرجان حوالي 750 فريقا من المطورين ومكتشفي الفضاء وخبراء التكنولوجيا والطيران، إلى جانب أكثر من ألفي متسابق من أنحاء العالم. وأعلن رئيس بلدية إسطنبول، مولود أويصال، أن عدد الزائرين للمهرجان خلال أربعة أيام بلغ 550 ألف نسمة.

رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان كان على رأس الزائرين لمهرجان "تكنوفيست إسطنبول" لتكنولوجيا الطيران والفضاء، حيث وصل السبت إلى المطار الجديد على متن طائرة رئاسية صغيرة، مرتديا لباس طيار، ليلقي كلمة أعلن فيها حملة "العودة إلى الوطن" الموجهة للعلماء الأتراك المغتربين، ودعا جميع العلماء الأتراك المقيمين في الخارج للمشاركة في حملة العلم والتكنولوجيا، مشيرا إلى أن تركيا تصنع حاليا بإمكاناتها الخاصة 65 في المئة من احتياجاتها في مجال الصناعات الدفاعية.

ظاهرة هجرة العقول إلى الدول المتقدمة التي تقدر العلم والعلماء وأصحاب الكفاءات، وتوفر لهم البيئة المناسبة للعمل والاختراع، تنتشر بين مواطني الدول المتخلفة التي تحكمها الأنظمة الدكتاتورية القمعية؛ لأن تلك الدول تفتقر إلى أجواء الحرية التي تحتاج إليها العقول، كما أن الأنظمة القمعية تفضل المطبلين والمغفلين على العلماء والمثقفين لحاجتها إلى الطاعة العمياء. وقد يكون مصير العالم فيها السجن لسنين طويلة أو المحاكمة بالإعدام، بسبب رأيه أو عدم تأييده لأخطاء الحكام.

تركيا اليوم ليست من تلك الدول التي تشعر العقول بالحاجة للهروب إلى خارج البلاد، بل هي دولة ديمقراطية حققت في السنوات الأخيرة قفزة نوعية في معظم المجالات، كما قامت بإصلاحات عززت الحريات، ووفرت بيئة مناسبة لجلب الاستثمارات والمشاريع. وبالتالي، حان الوقت لعودة العلماء الأتراك المغتربين إلى بلادهم للمساهمة في وصولها إلى أهدافها التنموية.

أردوغان في كلمته بمهرجان "تكنوفيست إسطنبول"، وجَّه دعوته إلى العلماء الأتراك المغتربين. وكان من الأولى أن يضيف إليهم هؤلاء العلماء المسلمين الذين ضاقت بهم الأرض بما رحبت، ويبحثون عن بلد يستضيفهم ويقدرهم؛ لأن تركيا المسلمة التي يرفع فيها الأذان أفضل لهم ولأبنائهم من الدول الغربية، كما أنهم يمكن أن يساهموا في نهضة تركيا وتنميتها، جنبا إلى جنب مع أشقائهم العلماء الأتراك.
التعليقات (1)
ابو العبد الحلبي
الخميس، 27-09-2018 05:44 م
توجد لدى تركيا فرصة ذهبية لاستقطاب العلماء الأفذاذ الذين يعملون في جامعات عربية بينما تسير هذه الجامعات نحو الانتكاس و التدهور نتيجة التدخلات الأمنية و الحزبية الضيقة في إدارة الجامعات و تكميم الأفواه و منع الانتقاد و محاولات تحويلها إلى مراكز قوى لمنظومات مستبدة. إذا لعبت تركيا الأوراق جيداً ، فستجذب لها علماء عرب متميزون في عقل و تخطيط كل واحد منهم عشرات الأبحاث و الأفكار المتعلقة بالتطوير.