صحافة دولية

بوليتكو: لهذا السبب ضحك العالم على ترامب

بوليتكو: إن هجوم ترامب الشرس على إيران هو مثال واضح على استراتيجيته العاجزة- جيتي
بوليتكو: إن هجوم ترامب الشرس على إيران هو مثال واضح على استراتيجيته العاجزة- جيتي
نشرت مجلة "بوليتكو" مقالا للزميل في مؤسسة كارنيغي للسلام العالمي والمسؤول البارز في الخارجية الأمريكية في عهد باراك أوباما، جاريت بلانك، يتساءل فيه عن السبب الذي دفع العالم للضحك على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. 

ويقول بلانك في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن هجوم ترامب الشرس على إيران هو مثال واضح على استراتيجيته العاجزة ضد إيران، وسياسته الخارجية المرتبكة.

ويجد الكاتب أن "زيارة الرئيس ترامب لمقر الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك هذا الأسبوع كانت مرتبكة، فقد أعلن وزير الخارجية مايك بومبيو أن الرئيس يرغب في لقاء الرئيس الإيراني حسن روحاني، ثم زعم ترامب أنه رفض طلبا من روحاني للقاء الرجل، الذي وصفه بأنه (رجل لطيف للغاية)، وأشاد بالسيادة، واعدا بأن (الولايات المتحدة لم تمل عليكم كيف تعيشون، أو تعملون، أو تعبدون) في الوقت الذي هدد فيه بفرض العقوبات على الدول التي تتعامل مع إيران". 

ويعلق بلانك قائلا إن "حديث الرئيس يغري بالضحك، وأضحك فعلا قادة العالم، لكن ترامب كان يضع أهدافا دبلوماسية لا يستطيع الوفاء بها، ولهذا فإن عروضه للحوار فارغة، والعالم يعلم هذا الأمر، والأسوأ من هذا أن ترامب، أو المستشارين المتشددين حوله، يحاولون تغيير الطريقة التي نعيد فيها تقييم شرعية الدبلوماسية وأدوات الأمن القومي الأخرى في سياستنا المحلية، ولو لم تتم مواجهة جهودهم فإنهم سيقضون على إمكانية الاتفاق، ويجعلون النزاع أكثر احتمالا حتى بعد انتهاء رئاسته".

ويشير الكاتب إلى أنه مثال على الارتباك هو المسؤول عن ملف إيران في وزارة الخارجية بريان هوك، الذي ألقى خطابا في 19 أيلول/ سبتمبر، أوضح فيه أن إدارة ترامب راغبة في التفاوض مع إيران على اتفاقية، موضحا أنها "لن تكون شخصية بين الحكومتين مثل الأخيرة"، مشيرا إلى الاتفاقية النووية التي وقعتها إدارة باراك أوباما عام 2015، وكان هوك يردد ما قاله بومبيو الذي دعا إلى اتفاقيات مع إيران وكوريا الشمالية تتم المصادقة عليهما كمعاهدات. 

ويعلق بلانك قائلا إنه "بالنظرة الأولى فإن هذا يبدو التزاما مثيرا للإعجاب لاحترام دور مجلس الشيوخ الدستوري في قضايا الأمن القومي، وقد يكون اعترافا رقيقا بأن اتفاقيات الولايات المتحدة تحتاج للعثور على طرق لتجاوز العجز في المصداقية الذي خلقه ترامب، لكن الواقع يقول إن محاولة ترامب تضخيم المعاهدات وعدم احترام الأشكال الأخرى من المعاهدات الدولية هي عملية تقويض للدبلوماسية لا تقوية لها". 

ويبين الكاتب أن "الحديث عن تحويل الاتفاقيات التي تعقد في المستقبل إلى معاهدات يرفع سقف المطالب؛ لأن المصادقة على معاهدة تحتاج إلى مواقفة ثلثي أعضاء الكونغرس، والسياسة الأمريكية لا تسمح بهذا النوع من الإجماع، والمثال المحزن هو العجز الذي أصاب الكونغرس عام 2012 عندما لم يستطع مجلس الشيوخ المصادقة على معاهدة تحول قانون الأمريكيين المصابين بإعاقات إلى التزام دولي، فقد تفاوضت على المعاهدة إدارة جورج دبليو بوش ووقع عليها الرئيس، ولم يصوت عليها حتى بحضور المرشح الرئاسي الجمهوري السابق وزعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ بوب دول، الذي حضر على كرسي متحرك، إلا 61 صوتا، وهي نسبة ليست سيئة، لكنها كانت بحاجة إلى 6 أصوات للتمرير، ولم يصوت عليها إلا ثمانية شيوخ جمهوريين". 

ويقول بلانك: "لا يعتقد أي شخص عقلاني أن الحصول على ثلثي أصوات الشيوخ ممكن في القضايا المعقدة؛ لأن الكونغرس لم يكون قادرا على تمرير معاهدات سهلة، منها واحدة تحتفل بقيادة أمريكا في مجال التعامل مع أصحاب الاحتياجات الخاصة ونقلها للعالم، وحتى لو مرر مجلس الشيوخ إحدى المعاهدات فإن نقاش هوك بأن الرئيس لن يستطيع في المستقبل خرق معاهدات والتزامات هو زعم باطل، فالدستور يطلب موافقة ثلثي أعضاء الكونغرس لتمرير معاهدة، لكنه يصمت حول الطريقة التي يمكن لأمريكا الخروج منها، ففي عام 1978 خرج الرئيس جيمي كارتر من معاهدة التعاون العسكري المشترك مع تايوان ليفسح المجال أمام تطبيع العلاقات مع الصين، وفي عام 2001 خرج الرئيس جورج دبليو بوش من معاهدة الحد من الصواريخ الباليستية، ولم يعد أي منهما للكونغرس، ورفضت المحاكم التدخل، فالرئيس لا يستطيع إلغاء قانون، بل يجب عليه تطبيقه حتى يلغيه الكونغرس، ومن المفارقة أنه يستطيع الخروج من معاهدة مررها الكونغرس بأغلبية الثلثين". 

ويلفت الكاتب إلى أن "هناك بدائل قانونية وعملية للمعاهدات التي يستخدمها رؤساء الحزبين، وفي الحقيقة فإن هوك يقوم بإساءة تفسير وضع الاتفاقية النووية مع إيران؛ باعتبارها (اتفاقا شخصيا بين حكومتين) ومهما كان يعني بقوله، فإن الاتفاق تم بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مع إيران، وجسده قرار من مجلس الأمن، ومن هنا فإن موقف إدارة ترامب الرافض للمعاهدة يقوض سلطة أمريكا الأخلاقية والطلب من الآخرين، وبينهم إيران، الالتزام بقرارات مررها مجلس الأمن".

ويتساءل بلانك عن سبب تركيز الإدارة على الاتفاقية النووية مع إيران، مجيبا أنها "تريد تحقيق أمرين كلاهما شائن، فالأول هو محاولة لإخفاء ازدراء الإدارة لمراقبة الكونغرس للاتفاق الذي قدم له ليس كمعاهدة لتمريرها، بل وقع أوباما قانون اتفاقية مراجعة البرنامج النووي الإيراني، الذي أعطى الكونغرس مراقبة رسمية، ولدى الكونغرس القدرة على عرقلة الاتفاقية ومنع سريان مفعولها، وحصل نواب الكونغرس على تقارير مفصلة ومنتظمة، وكان بإمكانهم إجبار الحكومة الأمريكية على الانسحاب لو لم تصادق على التزام إيران بها، وخارج المطالب الرسمية قام المسؤولون في إدارة أوباما بتقديم شهادات للجان الكونغرس، ونظموا جلسات على قاعدة منتظمة، قدموا فيها تقارير لأعضاء الكونغرس وموظفيه". 

ويفيد الكاتب بأن "إدارة ترامب لم تعمل ما فيه الكفاية لتعلم الكونغرس، وقدم بومبيو زعما غير صحيح ومهزلة للكونغرس، عندما قال: (إن حلفاءنا يقومون بتخفيف مخاطر التسبب بأذى للمدنيين في اليمن)، وهذا كله رغم تحذير محاميه، ولم تقم الإدارة بتنظيم جلسات أو تقديم تقارير قبل الخروج من الاتفاقية النووية مع إيران، ولم تقدم الإدارة تقارير سرية قبل لقاء ترامب في سنغافورة مع الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ- أون، ولا حتى قبل قمة هلسنكي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين".

ويقول بلانك: "حتى لو كان ترامب راغبا في إعلام الكونغرس فليس لديه الفريق الكافي للمهمة، فلا تزال المهام البارزة شاغرة في وزارة الخارجية، ما يعني عدم وجود مسؤولين كبار لتقديم تقارير للكونغرس، ويظل ترامب شخصية متقلبة، حيث لا يعلم المستشارون المقربون منه ما يدور بينه وبين المسؤولين في الدول الأخرى عندما يهاتفهم، وبدلا من حل المشكلات العالقة بين الإدارة والكونغرس، تواصل إدارة ترامب مفاقمتها".

وينوه الكاتب إلى أن "الأمر الثاني متعلق بنسبة الثلثين لتمرير المعاهدة؛ لأن هذا يعني أن (لا صفقة)، ويستخدم الرئيس هذا المعيار المستحيل في القضايا الدبلوماسية، فيما يستخدم سلطته التنفيذية لفرض عقوبات، ويأمر بضرب سوريا بناء على سلطة تنفيذية مشكوك فيها، ويعلن مستشار الأمن القومي جون بولتون، أن أمريكا لن تخرج من سوريا طالما بقيت فيها إيران، دون الاستناد إلى سلطة قانونية، وعليه فإن سياسة الإكراه والتصعيد خياران متوفران وحاضران للاستخدام، أما التنازل والتفاوض فلا". 

ويرى بلانك أن "الإدارة تستخدم الدبلوماسية وسيلة خطابية، فهي تقول إنها تريد اتفاقا مع إيران يعالج القضايا كلها، فهم كمن يقول إنهم يريدون اللقاء على البارجة الحربية ميسوري دون ربح الحرب أولا، ولا يتم التعامل مع الأساليب غير الدبلوماسية بالطريقة التامة ذاتها، فالصقور حول الرئيس يحاولون تغيير أسس النقاش، بشكل يؤدي إلى زيادة النزاعات لا التفاوض، وعادة ما يخفون لغتهم الداعية للحرب بغلاف من الدبلوماسية التي تحمل معالم الفشل منذ البداية".

ويقول الكاتب: "أود رؤية سياستنا الأمريكية تعمل بطريقة أفضل من الطريقة الحزبية غير الشريفة في واشنطن اليوم، إن العالم لا يتوقف، وستواصل أمريكا مواجهة تحديات لأمنها القومي، ويجب في هذه الحالة البحث عن حلول دبلوماسية لهذه التحديات".

ويختم بلانك مقاله بالقول: "من الخطورة والفساد الاستمرار في القول، كما يقول ترامب، إن الاتفاقيات الدولية يجب أن تتميز بمعيار عال من الإجماع المحلي أكثر من إعلان الحرب".

لقراءة النص الأصلي اضغط هنا
التعليقات (0)