قضايا وآراء

التّحديات والصّعاب التي تواجهها تركيا لإنجاح اتّفاق إدلب

جلال زين الدين
1300x600
1300x600
جرى الحديث كثيرا عن إيجابيات الاتّفاق التّركي الرّوسي حول إدلب، إذ جنّب الاتّفاق - حقيقة - إدلب وأهلها مأساة إنسانيّة كبيرة، وتنفّس أهل إدلب الصّعداء بعد أن حَبَسوا الأنفُس وضاقت بهم السّبل. ورغم النّجاح في إبعاد شبح الحرب عن إدلب، إلا أنّها ما زالت تلوح في الأفق بانتظار اللعبة السّياسيّة الدّوليّة، ناهيك عن التّحديات الدّاخليّة، فإنجاز الدبلوماسيّة التّركيّة مهدد.

وهذا ما أشرنا إليه في مقالنا عندما استبعدنا حدوث معركة في إدلب وقت كانت الاستعدادات العسكريّة على أشدّها، وقلنا حينها لا حرب في إدلب على المدى المنظور على الأقل، وذكرنا الأسباب المانعة لنشوب الحرب، وفي مقدمتها السّياسة الانتهازيّة للرّوس، وفعلا نجحت الدّبلوماسيّة التّركيّة في تأجيل هذه الحرب.
الأتراك يعرفون قواعد اللعبة المتعلقة بسورية داخليّا وخارجيّا وتعلّموا جيّدا من دروسهم مع الأمريكان والرّوس


لكنّ ما يواجه تركيا ما بعد اتّفاق إدلب أصعب من الجهود التي بذلتها في سبيل الوصول لهذا الاتّفاق، وربما هذا ما يبشّر بنجاح الاتّفاق. فالأتراك يعرفون قواعد اللعبة المتعلقة بسورية داخليّا وخارجيّا وتعلّموا جيّدا من دروسهم مع الأمريكان والرّوس، حيث الثّقة شبه غائبة بعد تعثّر اتفاق منبج أكثر من مرّة، وتهاوي اتّفاقات خفض التّصعيد السّابقة مع روسيا. وهذا ما يفسّر إصرار تركيا على الحصول على دعم دولي لاتّفاق إدلب، قاطعة بذلك الطّريق على روسيا التي تريد من خلال ملف إدلب ابتزاز الحليف التّركي قبل الأوروبيين. فقد صرّح وزير الخارجيّة الفرنسي جان إيف لودريان بأنَّ تركيا طلبت من بلاده دعم الاتّفاق الرّوسي التّركي حول إدلب في مجلس الأمن، وأكّد ذلك مندوب فرنسا في مجلس الأمن.

وتتلاقى هنا المصالح التّركية الأوروبية، فقضيّة إدلب لا تتعلق عند الأوروبيين بالجانب الإنساني، إذ تأخذ عندهم بعدا أمنيّا واقتصاديّا.

وعودة للداخل السّوري فثمّة فصائل صغيرة تصنّف على أنّها متطرفة (حرّاس الدّين، جبهة أنصار الدّين) أعلنت رفضها لاتّفاق إدلب. ويستطيع الأتراك هنا تحييد هذه الفصائل بسهولة، ولا سيما أنّ الشّارع الإدلبي والفصائل الثّوريّة يؤيّدون الاتّفاق، كما لا يخشى الأتراك من المعارضة الإعلاميّة لـ"جبهة تحرير الشّام" للاتّفاق، إنّما الخشية من قيام أجنحة داخل الهيئة بخروقات عسكريّة للاتّفاق. فالأتراك مسؤولون وفق الاتّفاق عن مناطق المعارضة، بل مسؤولون عن تقليم أظافر الفصائل المصنّفة على قوائم الإرهاب، ولا يستطيعون بالتّالي غضّ الطّرف عن هذه الخروقات إن حصلت، ممّا يدخلهم في صراعٍ سعوا كثيرا لتجنبه وتأجيله. ولا شكّ في أنّ هذا الصّراع سيطحن كلّ قوى الدّاخل، وهذا ربما أحد الأهداف الرّوسيّة الخفيّة لاتّفاق إدلب. فالرّوس يدركون مقدار وهن وضعف جيش النّظام الذي تكبّد أكثر من 500 قتيل شرق السويداء دون تمكنه من حسم المعركة، فكيف يستطيع مثل هذا الجيش المهلهل حسم معركة إدلب وفيها عشرات الآلاف من الثوّار المدعومين تركيّا؟

 

الرّوس يدركون مقدار وهن وضعف جيش النّظام الذي تكبّد أكثر من 500 قتيل شرق السويداء دون تمكنه من حسم المعركة، فكيف يستطيع مثل هذا الجيش المهلهل حسم معركة إدلب

ويبدو أنّ تركيا مطمئنة لموقف "هيئة تحرير الشام" من الاتّفاق رغم الخلافات داخل الهيئة حوله، والتّجارب السّابقة (تسهيل نشر القوّات التّركيّة) كفيلة بتبديد المخاوف التّركيّة تجاه هيئة تحرير الشّام.

ولعلّ أخطر عقبة تواجه الأتراك تتمثّل بنزع السّلاح الثّقيل من فصائل المعارضة. ويكتنف الغموض هذا البند، إذ لا يحدّد صراحة المنطقة التي يتوجب سحب السّلاح الثّقيل منها، وما إذا كان يشمل كل مناطق المعارضة أم يشمل المنطقة الفاصلة دون سواها. فمعظم الفصائل، رغم ثقتها بالأتراك، ترفض تماما فكرة تسليم السّلاح الثّقيل، ولا سيما أنّ اتّفاق إدلب يحمل صفة "مؤقت".

وقد يتّخذ الرّوس ذلك ذريعة لنقض الاتّفاق، كما قد يستفيدون من المتطرفين (ولا يستبعد وجود عملاء وضفادع) في إفشال الاتّفاق الذي يهدف الأتراك أن يكون بداية حقيقية لحوار سياسي بعيدا عن طبول الحرب.
قد يبدو غريبا حرص إيران على إنجاح الاتّفاق. فالإيرانيون، ولا سيما في هذه الظّروف، حريصون على إرضاء الأتراك أو تجنّب الدّخول في مواجهة

أمّا خارجيّا، فإنّه قد يبدو غريبا حرص إيران على إنجاح الاتّفاق. فالإيرانيون، ولا سيما في هذه الظّروف، حريصون على إرضاء الأتراك أو تجنّب الدّخول في مواجهة، ويدركون أنّ دورهم ينتهي بانتهاء معركة إدلب، حيث سينفرد الرّوس تماما بالسّاحة السّوريّة، ويدعم الأوروبيون - كما أسلفنا - بقوّة نجاح الاتّفاق.

وربما تكون الولايات المتّحدة إضافة لبعض دول الإقليم الوحيدة الرّاغبة في إفشال الاتّفاق، وذلك لسببين رئيسيين؛ أولهما إضعاف الرّئيس التّركي وإحراجه، ودفع تركيا للجانب الأمريكي من خلال إفساد العلاقة مع الرّوس. أمّا السبب الثّاني، فالهدف منه توريط روسيا في المستنقع السّوري، وطلب روسيا لاحقا النجدة للخروج من المستنقع، ليكون الثّمن الأوّل لإخراجها إخراج إيران من سوريا.
الدبلوماسيّة الرّوسيّة تدرك دوافع الدّول ومصالحها، ولكن رغم ذلك لا يمكن التنبّؤ بتصرفات الرّوس، ولا سيما إذا لم يستجب الأوروبيون لمطالبهم

يبدو أنّ الدبلوماسيّة الرّوسيّة تدرك دوافع الدّول ومصالحها، ولكن رغم ذلك لا يمكن التنبّؤ بتصرفات الرّوس، ولا سيما إذا لم يستجب الأوروبيون لمطالبهم، لكنّهم لن يمضوا في عمليّة عسكريّة كبيرة لأنّ مصيرها إمّا الفشل وإمّا فاتورة باهظة.

ونعتقد أنّ الأتراك سينجحون في إنجاح الاتّفاق، بل سينجحون في تنظيم مناطق المعارضة، وربما سيكونون آخر الخارجين من الجغرافيا السّوريّة، فالقضيّة بالنسبة لهم قضيّة أمن قومي.
التعليقات (0)

خبر عاجل