قضايا وآراء

الإخوان المسلمون.. بين القيادة الثورية والقيادة التقليدية

إسلام زعبل
1300x600
1300x600
مع بداية ثورة 25 يناير، كنا نسمع دائما بأن الثورة المصرية ثورة شعبية وبلا قيادة، وهذا يتنافى مع مفهوم الثورة. فالثورة الناجحة هي التي يصنعها قادة ثوريون يتنقلون بها بين مراحلها وأطوارها المختلفة، ولذلك لم ولن تنجح الثورة المصرية بدون وجود قيادة ثورية توجه الجماهير والصف الثوري إلى عوامل النجاح. ولكي يتم ذلك يجب علينا أن نعد صفا ثوريا قياديا يحرك جماهير الثورة على أسس علمية حديثة، ولن يتم ذلك إلا بأعداد قيادة ثورية حقيقة متطورة، وعلينا أن نفرق بين القيادة الثورية والرمزية الثورية.

فالتحسين والتطوير والتغيير الذي تأمله أي حركة ثورية لا يمكن أن تصل إليه إلا بتضافر المجهودات. فتلك القيادة التقليدية الناتجة عن وضع الـ"لا ثورة"، لا يمكنها الصمود في ظل قيام الثورة، وإذا استمرت القيادة الحالية بمنهج وأساليب القيادة القديم، ينتج لنا حركات ثورية وصف ثوري فاقد الثقة في منهجه وأهدافه وقليل القدرات والمهارات، ويصبح التحدي في هذه الأيام هو كيفية صنع وأعداد قيادات ثورية فعالة تقود صفها إلى المؤسسية الثورية، والتي تستطيع من خلالها أن تفجر الطاقات الكامنة لدى الصف حتى تستطيع أن تحقق النجاح لثورتها.

ولكي تتمكن الحركات الثورية من إنجاح ثورتها، يلزم توافر الجو الملائم داخلها، وهذا الأمر لا يتأتى إلا بالتقرب من المعارف، والمهارات الثورية، ودراسة التجارب الثورية، وإنشاء مؤسسات الإعداد الثوري، واعتبار هذا التطوير المنشود للقيادة الثورية مهمة جميع أفراد الصف الثوري دون استثناء. ويجب أن يشعر الجميع بهذه المهمة الراقية، وهي "تطوير القيادة الثورية".. وأؤكد "(تطوير القيادة الثورية".

ولقد تطرقت في هذا المقال إلى القيادة الثورية الفعالة والمأمولة للصف الإسلامي، ولماذا يجب علينا استخدام الأساليب الحديثة من مهارات ومعارف وقناعات حملتها لنا تجارب الحركات الثورية الناجحة، والتي تنمي الأداء المعرفي والقيادي للقائد الثوري، ولذلك يجب أن نقوم بإدخال تقنيات وأساليب ونظريات قيادية حديثة للمنظمات الثورية، مما يضاعف المردود ويحفز أفراد الصف الثوري ويحسن نتائجهم، لكي يكون قادة الثورة منتجين، كل حسب مستواه، وليصلوا بالثورة إلى الإبداع، ولكي يعدوا رموزا ثورية تستطيع قيادة الثورة بمعارفهم ومهاراتهم الثورية.

يقول الشهيد حسن البنا:

"إنما تنجح الفكرة إذا قوي الإيمان بها، وتوفر الإخلاص في سبيلها، وازدادت الحماسة لها، ووجد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها".

إن ما ملكته القيادات الثورية في مختلف الجماعات والحركات الثورية في جميع البلدان، من الهيبة والجاذبية والزعامة، لم يكن وليد صدفة، ولكن تم إعداده وبناؤه بتراكم زمني نتيجة لتضحيات كثيرة من أناس أكثر بذلا وعطاء ونكرانا للذات، في سبيل قضية سامية وهدف نبيل يحقق الحرية والكرامة والعدالة، ولا يبني زعامة ولا أمجادا شخصية لقيادات بعينها، لذلك ففي الغالب ما تبتلي الكثير من حركات التحرر الوطني والحركات الثورية بالكثير من تلك العوارض المتمثلة في قيادتها غير المؤهلة والتي تم صناعتها بمحض الصدفة أو نتيجة لتراكمات كثير من الأخطاء داخل الحركات الثورية، ولذلك فإن موضوع المقال له أهمية كبيرة، خصوصا في الوقت الراهن، حيث تبتلى معظم الجماعات والحركات الثورية في عصرنا بقيادات غير مؤهلة تقود الجماهير إلى الهلاك، بل وتقود مشاريعها الثورية إلى الفناء نتيجة لتمسكها بمناصبها القيادية التي ترى أن تلك المناصب حق مكتسب لها لأنها كانت من المشاركين في تأسيسها. إنني هنا لا أشكك في قيادات الإخوان المسلمين وتيارات العمل الإسلامي، ولكن أقول لهم ناصحا: يجب التطوير والتجديد وتغيير الدماء بقيادات ثورية جديدة، تحقق المأمول وتواكب العصر وتحيا حياة ثورية حقيقية كما يحياها أفراد صفها.

وانطلاقا من الدور المأمول للإخوان المسلمين في أحداث تنمية شاملة داخل الجماعة، يجب أن تكون القيادة الثورية في تنمية مستمرة، وتسهم في تطوير الصف الثوري تكون على قدر المسؤولية لتتحمل نجاح ثورتها ولكي تستطيع أداء مهامها بكفاءة عالية. وأصبح من الضروري أن تتبني خططا وتضع برامج وتطبق استراتيجيات وفق رؤية ديناميكية متطورة تأتي وفقا لمتطلبات المرحلة الثورية بما يسهم في خدمة الثورة.

ففي الخمسة عشر عاما الأولى من القرن الحالي، تنامي الوعي بقيمة القيادة الثورية لبناء منظومة ثورية فعالة، وبناء على ذلك كثرت الدراسات والبحوث التي طرحت لتحديد مفهوم القيادة الثورية وتحليل مكوناتها وصفاتها وأبعادها.

إن مصطلح القيادة الثورية يؤكد على أنها تعتبر من أهم أهداف الأنشطة الإنسانية في المجتمعات البشرية على اختلاف مراحل تطورها؛ لأنها تؤثر تأثيرا مباشرا على حياة الشعوب والأمم. ومن خلال الاستقراء التاريخي لحركة الإنسان على مر العصور، نجد أن القيادة عموما والقيادة الثورية خصوصا حاضرة ومتجذرة فيه من خلال الإرث التاريخي والحضاري الذي وصل إلينا، فأصبحت القيادة الثورية اليوم علما متطورا له نظرياته ومبادئه، ولا يكاد يمر يوم إلا ويضاف لهذا العلم فكرة جديدة، أو نظرية متطورة، أو أسلوب متقدم، وهذا التطور ينسجم تماما مع التحولات، والتغيرات المتسارعة التي تحدث في عالمنا.

إن ما يمكن تفعيله من أساليب القيادة الثورية الفعالة يصنع التجديد والتطوير والنجاح المستمر بمبتكراتها وإبداعاتها، حين تتوافق الرؤى وتتحد الاستراتيجيات والتكتيكات للخروج إلى حيز التنفيذ.

فكلنا يعلم ويدرك أن نجاحات التجارب الثورية في عالمنا المعاصر أبدأ ليس وليد الصدفة أو ضربا من ضروب العفوية، ولكن تحركه عقول ثورية بارعة في إدارة الثورات، وبالتالي فإن جماعة الإخوان المسلمين وتيارات العمل الإسلامي بحاجة إلى حركة نهضوية وتوعوية وفكرية ينصب اهتمامها على العنصر البشري كعامل رئيسي من عوامل الإنتاج الثوري، ومحاولة التخلي عن الأساليب التقليدية القديمة، والاعتماد على القيادة الثورية الفعالة الواعية التي تنتج نموذج ثوري ناجح يهدف إلى ممازجة عوامل النجاح بما يخدم على أنجاح الثورة.

وهنا تساؤل يجب طرحه وهو:

هل يمتلك الإخوان المسلمون وتيارات العمل الإسلامي قيادات ثورية؟

إن الكثير من المجهودات المبذولة من قيادات الإخوان المسلمين لقيادة الثورة كبيرة وكثيرة جدا في معظم الأحيان، ولكنها لا تتوافق مع النتائج المرجوة والمأمولة لإنجاح الثورة، كما أن كمية الجهد المبذولة إن كانت بأساليب ووسائل تقليدية فإنها لا تتوافق مع استراتيجيات وتكتيكات تكوين الصف الثوري.

وبالتالي، فإن جماعة الإخوان المسلمين وتيارات العمل الإسلامي تعاني من قصور كبير جدا لقيادتها المرحلية، حيث أن الواقع الذي تعيشه أن قيادتها لها شخصية تعتقد أنها ثورية، ولكنها بعيدة كل البعد عن واقع القيادة الثورية والعقبة الأكبر التي تواجه تلك الشخصيات أنه قد تعلم أسباب إخفاقها الثوري، ولا تحاول التخلص من تلك الإخفاقات أو أنه قد لا يعلم ولا يشعر بأي قصور، ويعتقد أن أمور جماعته على ما يرام، ولذلك وجب التنبيه في هذا المقال لأسباب الواقع المخفق للقيادة الثورية الحالية، وما هو مأمول منها للوصول إلى الناجح الذي يحقق أهدافها. ووجب أن أوضح أيضا أن الفشل شيء نسبي إذا كان يعتمد على تكهنات أو توقعات، ولكن إذا كان الموضوع يخص القائد والقيادة، فإننا هنا نتكلم عن الجماعة والحركة الثورية بكل مفاصلها وتنظيماتها، بل وحتى قواعدها الثورية.

هناك تساؤل يجب علينا طرحه، وهو:

هل الاهتمام بالقيادة الثورية يرفع مردود العملية الثورية للصف الثوري وجماهير الثورة؟ وللإجابة على هذا التساؤل، فإنه يجب الاهتمام بعملية صناعة القيادات الثورية لأنها أصل عوامل نجاح الثورات الشعبية والوصول بها لمخرجات جيدة ونتائج متميزة، ويكون ذلك بالتطوير والتجديد واستنتاج نظريات ثورية جديدة تتكيف مع الحالة الثورية القائمة في زمانها ومكانها.

وعندما نتحدث عن عوامل نجاح الثورات، لا يمكننا أن نتجاهل ذكر الفواعل الرئيسية للثورات والتي لا يمكن استثناء أي منه لإنجاحها وهي:

1- الرموز الثورية.

2- القيادة الثورية.

3- الوسيط الثوري.

4- أفراد الصف الثوري.

5- جماهير الثورة.

وسوف نتناول في مقال آخر تفاصيلها، كلا على حدة. ولكني أردت من هذا المقال توضيح أهم فاعل، وهو القيادة الثورية وأهميتها للإخوان المسلمين وتيارات العمل الإسلامي.
التعليقات (2)
المصري الأصيل
السبت، 08-09-2018 01:18 م
الإخوان والتجلي الثوري الممتنع ـ في ظل الأوضاع العصيبة التي تمر بالناس في مصر لن يكون مجديا أن نبحث عن الثورة في أروقة الإخوان أو لدى أي قوى أخرى ضمن خارطة قوى الممانعة ، فالثورة يجب أن يكون خيار الشعب بكل فئاته وعناصره حتى يمكن توقع نتائج حقيقية على الأرض ، أما تقسيم الأدوار إلى قوى تقليدية وقوى ثورية فلن يفيدنا في شيء . العائق الرئيس أمام سلوك النهج الثوري أوالحراك التقليدي في االفصائل التي تعمل من أجل التغيير ليس نابعا من موقف فكري أو خيار مبدئي ، ولكنه عائق مرتبط بمدى توفرالإمكانات والقدرات والمقومات ، فاذا لم يكن هناك مقومات حقيقية صلبة يمكن الاعتماد عليها كمرتكز للعمل الثوري ، ما الجدوي هذا الخيار؟ !!! ، يجب أن نعي بأن مجرد تبني نهج معين وخيار محدد ليس له جدوى أو معنى و لن يضيف شيئا ولن يؤسس بشكل صحيح للبعد الغائب في المعادلة ولا للهدف المطلوب . يجب التركيز والتفكيربجدية في توفير الإمكانات والمدخلات اللازمة للحراك الثوري قبل التفكير في طبيعة ومستوى العمل المطلوب وحتى يتحقق ذلك ليس أمامنا إلا الترقب والانتظار. أنا لا أعتقد في حتمية أن تولد حركات التغيير أبتداءا كحركات ثورية حتي تلتزم الأسلوب الثوري إلى نهاية الشوط ، وفي الأخيرفإن الظرف الواقعي سوف يضغط وسوف يفرض نفسه على خارطة العمل بحيث يتكافئ مع التحدي القائم ، من هنا يمكن تصور إمكانية التحول من أسلوب العمل التقليدي إلى أسلوب العمل الثوري بفعل الضغط الخارجي بشرط توفر الإمكانات والمقومات التي يحتاج إليها العمل الثوري . طبيعة ومكونات الواقع الموضوعي هو الذي يؤدي إلى إدخال التعديلات اللازمة المطلوبة في المسار من أجل التكيف مع الأوضاع القائمة للتعامل معها باقتدارونجاح . التصنيف السكوني الجامد لحركة الأخوان أو غيرها من الأطياف في هذا السياق أو غيره من السياقات غير مجدي وغير صحيح وغير مفيد ، فمن الطبيعي أن يتغير السلوك الإنساني بفعل المؤثرات والضغوط الخارجية ، فالعنصر البشري لديه قدرات هائلة على التكيف ومن ثم التحول من مسار لآخر إذا اقتضى الأمر ذلك حسب طبيعة الظرف الخارجي بشرط إمتلاك الإرادة والقدرة والتصور الصحيح للإقدام على هذه الخطوة الثورية . من هنا أنا لا أفهم الإصرار من قبل البعض على حبس حركة الإخوان في مربع القوى التقليدية التي لاتحسن إلا تلقي الضربات، والتي دائما على استعداد لتدير خدها الإيمن للمعتدي حتى لايغضب خدها الأيسر ، الأمر كما أفهم وأعي ليس على هذا النحو ، فمعادلة العمل تخضع لطبيعة ومستوى الإمكانات المتاحة ، فإذا لم يكن هناك ما يساعد في الواقع على العمل الثوري فلا خيار إلا القيام بما تتيحه الإمكانات المتاحة ، مع التأكيد على العمل والسعى لاكتساب ما يساعد على تطوير قدرات وخيارات الحركة على المدى البعيد . الثورات التي قامت فجأة في بلادنا لم تكن وليدة تخطيط وترتيب وسابق عمل قبل أي طرف ، فالقابلية للثورة في مجتمعاتنا حالة طبيعية دائمة بسبب الأوضاع القائمة ويمكن أن تنفجر في اى لحظة ، ولذلك قيام الثورات هو الفعل الطبيعي المتوقع دائما ، بينما الموقف الغريب هو عدم قيام الثورات في ظل هذه الأضاع الضاغطة الحارقة ، هذا هو قانون الواقع الملتهب الذي يجعل المجتمع معتقل كبير يعاني فيه الناس كل صور التهميش والتجني والإلغاء والاعتداء ، فلا أحد يمكن أن يجادل في حتمية الثورة وفي إمكانية واشتعالها في أي وقت ، ولكن الكلام والجدل حول إمكانية تحمل استحقاقات الثورة في ظل الفرقة والتشرذم وعدم القدرة على التوحد بين قوى وفصائل المعارضة والممانعة فلا يمكن التفكير الجدي والضلوع في عمل ثوري حقيقي دون وجود غطاء كثيف ومشاركة واسعة وفعالة من قطاعات وأعداد كبيرة من أفراد الشعب المستفيد الأول من التغيير ، فالقوى المختلفة التي تصنف كقوى معارضة ماذا تملك من إمكانات وشروط نجاح الثورة حتى يتوقع منها إتخاذ هذه الخطوة الخطيرة . فلا إمكانية لقيام ثورة حقيقية ناجحة وقادرة على تحدي وتخطي النظام دون أن يكون أساس وقوام هذه الثورة جماهير الشعب .
مصري جدا
الجمعة، 31-08-2018 11:03 م
منهج الاخوان في التغيير لا يعتمد الثورات ولا الانقلابات العسكرية لاعتبارات واقغية وشرعية ،،منهج الاخوان يعتمد التدرج التربوي بداية من الفرد المسلم فالاسرة المسلمة فالجمتمع المسلم فاصلاح الحكومة حتى تكون اسلامية بحق وهكذا ،، الجماعة ترى ان الثورات مدعاة للفوضى ومهددة للارواح والاعراض والممتلكات لان عالبية مراحلها الفوضى ،،، وترى ان الانقلاب العسكري فيه اغتصاب للسلطة ،،، لكن الجماعة لم تجد بد من المشاركة الفاعلة في ثورة يناير والتي لم تبدأ ثورة بل بدأت باحتجاجات ضد التعذيب ثم تحولت لاعتصامات التحرير وهكذا ،،، الخلط بين النهج الثوري الذي تبناه شباب الجماعة والنهج التربوي التقليدي الذي تبناه قادة الجماعة والتنظيم احدث ارتباكا في غالبية تقدير المواقف وادارة المشاهد ،، وكان هذا واضحا في سلوك الرئيس مرسي والجماعة اللذان راهنا على الوقت والصبر على النخبة المتربصة والمطالب الشعبية العجولة ،،، الذي يطالب الاخوان بالثورة يخاطب كيانا اخر غيرهم ،، حتى قادة وكتاب الجماعة الذين يستخدمون لغة الثورة هم يتكلمون بلسان ولغة ليست لسان ولا لغة الاخوان ،،، هذا الخلط حتى اليوم سببا رئيسا في حالة الارتباك والانقسام داخل الجماعة بين تياريين تيار رئيسي وتقليدي وتيار فرعي وثوري ،،، الجماعة حسمت نهجها في البيان الاخير بالسلمية واحترام مؤسسات الدولة ووصفت المؤسسة العسكرية بالوطنية ،،