قضايا وآراء

هل وضعت الدولة بالمغرب احتياطاتها لمواجهة توسع الحركات الاحتجاجية؟

بلال التليدي
1300x600
1300x600
ما بين خطاب العرش، وخطاب ثورة الملك والشعب، بدأ يظهر المسكوت عنه في معادلة السياسة في المغرب. فمنذ القرارات العاصفة التي اتخذها الملك محمد السادس على خلفية التباطؤ في تنفيذ مشروع "الحسيمة منارة المتوسط"، والرأي العام يتابع سلوك الدولة السياسي، ويستشعر هواجسها ودرجة قلقها وحدة مزاجها، دون أن يستوعب البواعث والدواعي، أو يدرك المخاطر التي تستشرفها، والخيارات التي تجهزها لمواجهة التحديات.

في خطاب العرش، بدت الدولة أقرب إلى البوح بحقيقة الوضع، إذ عبرت بشكل غير مسبوق عن قلقها من الوضع الاجتماعي، وتبرمها من عدم فاعلية البرامج الاجتماعية، وتدخلها المباشر لدعم الأجندة الاجتماعية التي طالما عملت اللوبيات المقربة من دواليبها على تعطيلها وعرقلة إخراجها إلى حيز الوجود، كما أبانت عن الأولوية الاستراتيجية للماء باعتباره مادة حيوية يتوقف عليها السلم المجتمعي.
بدت الدولة أقرب إلى البوح بحقيقة الوضع، إذ عبرت بشكل غير مسبوق عن قلقها من الوضع الاجتماعي، وتبرمها من عدم فاعلية البرامج الاجتماعية

قبل خطاب ثورة الملك والشعب، تم الإعلان عن عفو ملكي طال بقية معتقلي السلفية الجهادية، منهيا بذلك هذا الملف، الذي شكل في محطات متعددة نقطة توتر واحتقان حقوقي، ثم جاء خطاب 20 آب/ أغسطس، معلنا بداية المرحلة الأولى من طي ملف معتقلي حراك الريف؛ من خلال الإفراج عن أزيد من 160 من نشطاء الحسيمة المعتقلين في الحراك، ليعقب ذلك قرار العودة لإجبارية الخدمة العسكرية التي تستهدف بالدرجة الأساسية الشباب بين 19 و25 سنة، مع تذييل القرار بتعليلات تربط التجنيد تارة بالتربية على المواطنة، وتارة أخرى، بتمليك مهارات تساهم في إدماج الشباب في سوق الشغل، وتوجيه نقد حاد لمستوى التعليم ومخرجاته.

الثابت في سلوك الدولة بين صيف السنة الماضية، وهذا الصيف، هو استمرار ظاهرة إعفاء الوزراء على خلفية ربط المسؤولية بالمحاسبة، إذ تم خلال سنة واحدة، ما بين الصيفين الماضي والحالي، إعفاء أكثر من ست مسؤولين حكوميين ما بين وزير وكاتب دولة، إذ تم إعفاء وزير التربية الوطنية محمد حصاد، مع حرمان الوزير الأسبق في نفس القطاع رشيد بلمختار من الحق في تقلد أي مسؤولية، وتم إعفاء وزيرين من حزب التقدم والاشتراكية وكاتبة دولة من نفس الحزب، كما تم إعفاء كاتبة الدولة المكلفة بقطاع البيئة من الحركة الشعبية، ثم تم إعفاء السيد محمد بوسعيد، وزير الاقتصاد والمالية من حزب الأحرار.

تحليل هذه الدينامية المتباينة الأبعاد يشير إلى أن القلق المركزي للدولة، ليس ما يرتبط بالحقل الحزبي، الذي تملك خيارات حاسمة في حلحلته والتأثير في مساره ودينامياته، وإنما قلقها المركزي هو من توسع الحركات الاحتجاجية، والدور المحوري الذي يلعبه الشباب فيها، والذي بلغ إلى أقصى مستويات خطورته في حملة المقاطعة الشعبية لبعض المنتجات، والتي استهدفت زواج المال والسلطة في المغرب.
القلق المركزي للدولة، ليس ما يرتبط بالحقل الحزبي، الذي تملك خيارات حاسمة في حلحلته والتأثير في مساره ودينامياته، وإنما قلقها المركزي هو من توسع الحركات الاحتجاجية


في السنتين الماضيتين، أخذت الحركات الاحتجاجية ثلاثة ألوان، أولها سياسي مناطقي حاول استعادة المظلومية التاريخية والسياسية لمنطقة الريف، والثاني حمل مطالب حيوية تخص بالدرجة الأولى مظاهرات العطش، أما الثالث فقد حمل بعدا سياسيا واقتصاديا حادا؛ من خلال إشعال حملة مقاطعة شعبية واسعة استهدفت ثلاثة منتوجات أساسية (ماء سيدي علي، وحليب سنطرال، ومحروقات شركة أفريقيا)، وعرف نجاحا غير متوقع، ولا تزال الشركات المعنية بهذه المنتجات إلى اليوم تتكبد خسائر فادحة من جراء هذه الحملة التي دمرت صورتها في سوق الاستهلال الداخلي.


التقدير أن خطاب العرش وخطاب ثورة الملك والشعب هما متن واحد، تم تصريف مضامينه بتدرج، قسم يرتبط بالسياسات الاجتماعية التي يرجى منها إيقاف دواعي الاحتجاج، وقسم يخص الإعلان عن خطوات تهدئة حقوقية تشرع في تحييد منطقة الريف من دائرة حركات الاحتجاج المرتقبة، ومحاولة تخفيف وطأة الضغط الحقوقي من حلال تحييد الجسم السلفي، وقسم يخص سياسة التجنيد التي يقصد منها احتواء شريحة واسعة من الشباب وتحييدها في حركات الاحتجاج المتوقعة، وقسم يخص ترسيخ سياسة الإعفاء من المسؤوليات لبناء الثقة في الدولة، ولفت انتباه المجتمع إلى جديتها في سياساتها الاجتماعية التي تستهدف الجواب عن ملفاتهم المطلبية.

الدولة تستشرف برؤيتها البعيدة مستقبل الحركات الاحتجاجية، وتدرك بالمعطيات المتوفرة لديها أن الشباب يشكلون وقودا قويا في دينامية هذه الحركات

الدولة تستشرف برؤيتها البعيدة مستقبل الحركات الاحتجاجية، وتدرك بالمعطيات المتوفرة لديها أن الشباب يشكلون وقودا قويا في دينامية هذه الحركات، وتدرك أيضا أن الماء سيشكل التحدي الرئيسي في المرحلة القادمة، خاصة في المناطق التي تندرج ضمن دائرة الخصاص المائي، ولذلك حضرت سياسة الماء في أكثر من خطاب، وتدخلت الدولة بثقلها لرفع المعاكسات التي كانت تبديها لوبيات المصالح للبرامج الاجتماعية، ولم تجد (بعد تأكدها من انسداد أفق إصلاح منظومة التربية والتكوين) بدا من أن تفكر في الدور الوظيفي والحيوي الذي يمكن أن تقوم به الخدمة العسكرية في احتواء القوة الشبابية في الحراكات المرتقبة.

التعليقات (0)