كتاب عربي 21

العوامل المزمنة لمشكلة الليرة التركية

ممدوح الولي
1300x600
1300x600
تتعدد مصادر النقد الأجنبي في أي دولة، ما بين الصادرات السلعية والصادرات الخدمية، مثل السياحة وخدمات النقل والتشييد، واستثمارات الأجانب فيها، سواء بإقامة مشروعات أو بشراء الأوراق المالية في بورصتها، أو من تحويلات أبنائها العاملين في الخارج أو من الاقتراض الخارجي، أو إيداع أجانب أموالا في نوكها المحلية.

وبالتطبيق على الاقتصاد التركي، نجد أن موارد العملات الأجنبية في العام الماضي قد بلغت 269 مليار دولار، حسب بيانات صندوق النقد الدولى، وتوزعت مصادر تلك الموارد ما بين 166 مليار من الصادرات السلعية المتنوعة، و44 مليار دولار من الصادرات الخدمية المتنوعة؛ ما بين السياحة والنقل والتشييد والخدمات المالية والصحية والتعلمية وغيرها، و24 مليار لمشتريات الأجانب في بورصة إسطنبول، و14 مليارا كقروض وودائع لأجانب في البنوك التركية، و11 مليارا كاستثمارات مباشرة للأجانب، بعضها في شكل إقامة مشروعات محلية، و9 مليارات دولار كدخل من عوائد الاستثمارات التركية في الخارج وتحويلات العمالة التركية في الخارج والمعونات معا.

8 مليارات دولار عجز بالموارد

ولأن علاقة أية دولة بالدول الأخرى تسير في اتجاهين، أحدهما تحصيل موارد والآخر دفع مدفوعات، فبالتطبيق على الاقتصاد التركي نجد أن مجمل المدفوعات للخارج بلغت 277 مليارا ونصف المليار دولار.

وتوزعت ما بين 225 مليارا للواردات السلعية المتنوعة، من نفط ومشتقات ومواد خام وسلع وسيطة ومصنوعات ووسائل نقل وغيرها، و24 مليارا للخدمات المتنوعة من سياحة للأتراك خارج بلدهم، وخدمات نقل وتأمين وغيرها جرت خارج البلاد، و18 مليارا دولار قيمة فوائد استثمارات الأجانب في تركيا والتي حولوها لبلدانهم الأصلية، والتحويلات التي أرسلتها العمالة الأجنبية الموجودة في تركيا لبلدانها الأصلية، إضافة إلى المعونات التي تقدمها تركيا لبعض البلدان. وهناك ثمانية مليارات دولار تمثل قروض تم منحها لجهات خارج البلاد أو ودائع قام الأتراك بإيداعها خارج البلاد، وحوالي ثلاثة مليارات دولار تمثل استثمارات مباشرة في شكل مشروعات قامت بها جهات تركية خارج البلاد.

ويطلق الاقتصاديون على العلاقة ما بين قيمة الموارد الإجمالية القادمة نتيجة العلاقة مع دول العالم، وبين المدفوعات لها مسمى ميزان المدفوعات؛ والذي عادة ما يتخذ ثلاثة أوضاع، إما التساوي أو زيادة الموارد عن المدفوعات مما يعني وجود فائض بالميزان، أو زيادة المدفوعات عن الموارد مما يعني وجود عجز بميزان المدفوعات.

وعندما يكون هناك فائض يتم إيداعه في البنك المركزى للدولة، في صورة احتياطيات من العملات الأجنبية؛ يتم اللجوء إليه في حالة الاحتياج، مثلما يحدث في حالة العجز بميزان المدفوعات بالقيام باقتطاع قيمة ذلك العجز، من الاحتياطيات الموجودة في البنك المركزى.

ومن خلال ما سبق يتبين أن قيمة المدفوعات التركية للخارج، والبالغة 277 مليار و479 مليون دولار، كانت أكبر من قيمة الموارد البالغة 269 مليارا و272 مليون دولار (أي بنحو ثمانية مليارات و207 مليون دولار)، تم أخذها من الاحتياطيات مما أدى لنقصها بنهاية العام الماضي عن العام الأسبق بنفس القيمة.

عجز مزمن بالميزان التجاري

لكن الملاحظ على الموارد والمدفوعات التركية في العام الماضي؛ أن المكون الأكبر بكل منهما، تمثل بالصادرات السلعية بالموارد والبالغة 166 مليارا، والتي بلغت نسبتها 62 في المئة من مجمل الموارد، وكذلك الواردات السلعية بالمدفوعات والبالغة 225 مليار دولار، والتي بلغت نسبتها 81 في المئة من مجمل المدفوعات.

وهكذا يتضح أن قيمة الواردات السلعية كانت أكبر من الصادرات السلعية بنحو 59 مليار دولار، ويطلق الاقتصاديون على العلاقة ما بين الصادرات السلعية والواردات السلعية مصلح الميزان التجاري، والذي يتخذ بدوره ثلاثة أوضاع؛ إما التساوي ما بين الجانبين، أو تحقيق فائض بزيادة قيمة الصادرات السلعية عن الواردات السلعية، أو تحقيق عجز بزيادة الواردات عن الصادرات.

ومن الواضح أن الميزان التجاري التركي قد حقق عجزا بلغ 59 مليارا في العام الماضي، وتلك هي للمشكلة الأكبر بميزان المدفوعات التركي، والتي تتسبب بشكل كبير في مشاكل لاستقرار الليرة التركية، حيث أن هذا العجز مستمر منذ عام 1947 وحتى العالم الماضي بلا انقطاع طوال سبعين عاما.

ومن الأسباب الرئيسية لذلك استيراد القدر الأكبر من موارد الطاقة من نفط وغاز طبيعي وفحم، حيث بلغت نسبة الاكتفاء الذاتي في العام الماضي من إنتاج النفط 5 في  المئة، ومن إنتاج الغاز الطبيعي 1 في المئة، ومن الفحم 47 في المئة.

واردات الطاقة والعجز التجاري

ومن هنا، تمثل واردات الطاقة نسبة معتبرة من الواردات التركية السنوية، وتزيد النسبة بارتفاع أسعار النفط وتنخفض بانخفاض سعره، لتبلغ النسبة أكثر من 25 في المئة عام 2012، عندما كان سعر البرميل 112 دولار، بينما انخفضت الى 16 في المئة العام الماضي ببلوغ سعر البرميل 54 دولارا.

ومن الطبيعي أن يتساءل البعض: إذا كان العجز في الميزان التجاري قد بلغ 59 مليار دولار، فكيف بلغ العجز ما بين جملة الموارد من النقد الأجنبي ومدفوعاته ثمانية مليارا فقط في العام الماضي؟

وهنا نشير الى أنه بخلاف التجارة السلعية هناك تجارة في الخدمات، مثل السياحة والنقل والتشييد وغيرها، وفي العام الماضي بلغت الصادرات الخدمية 44 مليارا، بينما بلغت الواردات الخدمية 24 مليارا، بفائض 20 مليار دولار.

وبفضل السياحة التركية التي بلغت إيراداتها وحدها العام الماضي 22 مليارا ونصف المليار، وفوائض النقل والتشييد، يحقق ميزان التجارة الخدمية فائضا مستمرا منذ عام 1984 وحتى العام الماضي، أي طوال 33 عاما.

لكن العجز في الميزان التجارى السلعي عادة يكون أكبر من الفائض في الميزان الخدمي، ومن هنا ساهمت الفوائض في الاستثمار الأجنبي في البورصة وفي الاستثمار الأجنبي المباشر في تقليل العجز الإجمالي بميزان المدفوعات، بينما ساهمت عوامل أخرى في الحد من ذلك، أبرزها زيادة مدفوعات فوائد الاستثمارات الأجنبية في تركيا، عن الفوائد المحصلة من الخارج عن الاستثمارات التركية في الخارج، كما أن تحويلات العمالة التركية في الخارج والبالغة مليار دولار، كانت أقل من تحويلات العمالة الأجنبية الموجودة في تركيا لبلادها الأصلية، والبالغة حوالي خمسة مليارات دولار، وهو أمر متكرر.
التعليقات (1)
ايمن عصمان ليبيا
الإثنين، 20-08-2018 04:03 م
مقال قيم وراءع