مقالات مختارة

هل باعت النهضة دين التونسيين؟!

حسين لقرع
1300x600
1300x600

بينما كانت آمالُ ملايين التونسيين موجّهة إلى حركة النهضة للتصدي لمشروع قانون المناصفة في الإرث بين الجنسين وإفشاله، لأنها صاحبة الأغلبية في البرلمان، صدمتهم الحركة بمقالٍ نشره زعيمُها راشد الغنوشي على صفحته الرسمية بـ”فايسبوك” بدا فيه شديدَ الحرص على إرضاء العلمانيين بأيّ وسيلة بشأن هذا المشروع القانوني؛ فقد وعد بـ”التفاعل” مع مبادرة الرئيس السبسي عندما تُقدَّم إلى البرلمان “بما تقتضيه من الحوار والنقاش للوصول إلى الصياغة التي تحقق المقصَد من الاجتهاد…”؟!


ويُفهم من هذه العبارة أن النهضة لن ترفض مشروع قانون المناصفة في الإرث لمخالفته الصريحة لنصّ الآية القرآنية “للذكر مثل حظّ الأنثيين”، وستوعز إلى نوابها بـ”الاجتهاد” في المسألة والبحث عن “صيغةٍ مُناسِبة” تُرضي الأقلية العلمانية التونسية، كأنْ تربط مثلاً حصولَ الأخت على مثل حظ أخيها بشرط الإنفاقِ على العائلة، بدل أن يكون الإنفاقُ بيد الرجل وحده.


وما يؤكّد هذا الاتجاه هو تشديد الغنوشي على “التوافق مع رئيس الجمهورية” في هذه المسألة وغيرها، فضلا عن التهجّم على أحد أعضائها وهو المحامي فتحي العيّوني بعد أن دعا إلى عزل السبسي من الحكم، وكذا تهجّمه على كل الغيورين على دينهم الذين انتقدوا الرئيسَ على تجاوزه الشريعةَ الإسلامية في مسائل الإرث؛ إذ وصفهم الغنوشي بـ”العابثين” ودعا أجهزة الدولة إلى التحرّك لضربهم في إطار القانون… وكل هذه المؤشرات تؤكّد أن النهضة ماضية في قبول قانون المناصفة في الإرث مع إضافة بعض العبارات إليه باسم “الاجتهاد؟”، ولسنا ندري هنا كيف يمكن “الاجتهاد” في مسألةٍ حسمها الخالقُ منذ 14 قرنا من فوق سبع سماوات، بآياتٍ قطعية الدلالة والثبوت ولا تحتمل أي اجتهاد أو تأويل، وقد فصّل الله تعالى في سورة النساء كيفية تقاسم الإرث بين الأقارب وحظ كل واحد منهم، تفصيلا دقيقا، ولم يترك الأمر لعباده، وكل الفقهاء أجمعوا عليها عبر التاريخ الإسلامي، ومختلف قوانين الدول الإسلامية حول الإرث مستمدّة منها، فكيف يمكن الآن أن تكون محلّ “اجتهادٍ” من النهضة أو غيرها؟!


إما أن يكون “للذكر مثل حظ الأنثيين” كما قال الخالق، أو يكون “للذكر مثل حظ الأنثى” مثلما قال هؤلاء التغريبيون في إحدى مسيراتهم، والعياذ بالله، وليس هناك حلٌّ وسط بين الاثنين، ولا ينفع في هذه المسألة مسكُ العصا من الوسط. تُرى هل فقدت النهضة قدرتها على التفكير السليم؟! هل انتخبها الشعبُ التونسي للدفاع عن دينه الذي حملت لواءه طويلا، أم لبيعه بثمنٍ بخس للعلمانيين المتطرِّفين؟


يبدو أن النهضة سترتكب خطأ فادحا تخسر به دينَها وشعبيتها معا، وتوجِّه في الوقت نفسه ضربة موجعة للإسلام المعتدل الوسطي؛ إذ ستقدّمه للناس على أنه أصبح يعني الميوعة في المواقف والتنازلات المهينة والصارخة عن ثوابت الدين وأحكامه القطعية لإرضاء غلاة العلمانيين باسم “التوافق” المزعوم، ونأمل بصدق أن نكون مخطئين في هذه النقطة، وأن تقرر النهضة في آخر المطاف الوقوفَ مع غالبية التونسيين وليس مع أقليةٍ من الكارهين لأحكام الشريعة.

 

عن صحيفة الشروق الجزائرية

5
التعليقات (5)
محمد الطاهر
الأربعاء، 22-08-2018 10:31 ص
ليس صحيحا ما ذهب اليه الكاتب فالنهضة هي الحزب الوحيد الذي عبر كتابيا عن رفضه لكل ما يخالف تعاليم واحكام الاسلام لرئيس الجمهورية وصرح بذلك كل من رئيس مجلس الشوري ورئيس الكتلة النيابية و كل من القياداة مثل عبد اللطيف المكي و محمد بن سالم وما لا يعلمه الكاتب ان رئيس الحركة لا يمكنه اتخاذ قرارا مهما كان بدون موافقة مجلس الشوري الذي يتكون من 150 قياديا وما يجب التذكير به ان النهضة (الاتجاه الاسلامي سابقا)كانت من اشد المدافعين عن الهوية العربية الاسلامية منذ تاسيسها الشي الذي جعل قيادتها و انصارها عرضة للاعتقال والتعذيب والسجن والقتل ولن تفرط في ما هو معلوم بالضرورة من الدين و اعلنت في مؤتمرها العاشر ان خلفيتها اسلامية وفي معارضتها للمساوات في الارث ليست الوحيدة بل اغلبية الشعب التونسي وما المساوات الا محاولة لصرف الشعب عن مشاكله الاساسية و محاولة لارجاع المليون امراة التي قيل انها انتخبت النداء والباجي بعد زهور نتائج الانتخابات البلدية التي كشفت عدم ثقة الشعب بحزب النداء و قياداته و عدم ايفائهم بوعودهم في انتخابات 2014
اينشتاين
الإثنين، 20-08-2018 01:00 م
الوضع الاجتماعي التونسي رهيب ، ليس الخبر كالمعاينة ، مثل هذا الوضع الذي قفز فوقه الأخ حسين لقرع تستغله دوائر طفيلية مجهرية فعالة ، المسالة ليست بالبساطة التي نتصور ، وجب علينا أن لا نزايد على التونسيين .
ناجي
الإثنين، 20-08-2018 01:43 ص
النهضة أداؤها أداء المخانيث- لا هي علمانية ولا هي إسلامية - نخشى على النهضة أن تسقط في الامتحان. هم يريدون أن يحفظوا رؤوسهم.. يا أيتها النهضة.. إحفظ الله يحفظك، ولا تتنازلوا عن هويتكم الدينية باسم التوافق والاعتدال والمقاصدية. يا علماء تونس العظام، كونوا فخورين وأقوياء بدينكم.. واعملوا مع النهضة للحفاظ على عقيدة الشعب. النهضة التي تنازلت عن الدعوي لصالح السياسي... أبكي على نهضة كانت نهضة.. أعاد الله النهضة إلى جانب الصواب.. لا فصل بين الدعوي والسياسي.. لا فصل بين الديني والأخلاقي.. لا فصل بين المجتمعي والديني والسياسي.
مصري جدا
الأحد، 19-08-2018 08:33 م
النهضة في اختبار صعب ادعو الله ان يوفقهم في تجاوزه والنجاح فيه ،،،
اينشتاين
الأحد، 19-08-2018 07:05 م
بكل تأكيد حسين لقرع مخطئ ، النهضة ليست هيئة قضائية ، ولا هي موجودة لتكره الناس في الدين أو في السياسة أو في الفكر ، ولا النهضة هي البرلمان ، السيد الغنوشي استحسن موقف الرئيس السبسي حين حول الملف إلى البرلمان ، فلماذا لا ننتظر انعقاده للبت في المسألة ، حينها يمكننا توجيه السؤال للسيد راشد والسيد عبد الفتاح مورو للوقوف على خبايا الوضع التونسي من دون مزايدة ولا ارتجال .