قضايا وآراء

في ذكرى مجزرة رابعة.. ليبراليون كاذبون

سلام هنداوي
1300x600
1300x600

كانت الجرافات تجرف جثثهم مع بقايا متاع اعتصامهم وقمامة الشوارع.. وتسير مسرعة هارسة تحت عجلاتها لحم المعتصمين مع حديد وقماش خيامهم.

 

وكان أزيز الرصاص يقارع صوت الجرافة ممتزجا مع تكبيرات وهلع الفارين.. من يستطيع أن ينسى هذا المشهد؟!! أستطيع أن أسرده وأكرره مرارا وكأنني كنت هناك في ميدان رابعة وأنا التي شاهدته عبر التلفاز فقط.. أتذكر كل لقطة دون الحاجة للعودة لمشاهدتها عبر يوتيوب.

 

من يمكنه أن ينسى ذلك المشهد الذي راح ضحيته 1000 قتيل على الأقل؟؟؟ كنت أظنه مشهدا لا ينسى في ضمير أي إنسان لكنّ كثيرين ممن يطلقون على أنفسهم ليبراليين أنكروه وبرروه وباركوه بلا أي وخزة ضمير.. جلهم ليبراليون كاذبون.

في ذكرى مجزرة رابعة ومع كل الأزمات التي تطفو على الوجه من حصار قطر إلى تراجع الليرة التركية وعودة الأسد على أشلاء الشعب السوري وغيرها من مصائب، لا يريد الليبراليون الكاذبون إلا أن يتعروا بكذبهم وبشعاراتهم التي نخروا رؤوسنا بها على اعتبار أنها قادمة من صلب الليبرالية التي ترى في الحرية المبتدأ والمنتهى، والباعث والهدف في حياة الإنسان، أي تعظيم حرية الفرد وضرورة تحرره من كل مظاهر السيطرة والاستبداد.

 

بعبارة أدق (جوهر الليبرالية يكمن في أن حرية الفرد هي الغاية). وليبراليو المقاهي في عالمنا العربي لم يأخذوا من حرية الفرد إلا ما هو سطحي.. لا يتقبلون إلا من يشبههم،وكل من يختلف معهم وجبت محاربته.


وربما خير مثال على ازدواجيتهم ودجلهم مجزرة رابعة وكيف تعاملوا معها. ففي الوقت الذي من المفترض أن تشكل فيه المجزرة انتهاكا لمبادئهم الليبرالية بالمقام الأول قبل أن تكون انتهاكا لحقوق أشخاص يختلفون بتوجهاتهم عنهم.. وجدنا أن شريحة واسعة من الليبراليين قد وقفوا إلى جانب المجرم الذي نفذ انقلابه طمعا في الكرسي.

 

بل رأيناهم على شاشات التلفاز يقدمون الذرائع لقتل المدنيين وهكذا مشهد يتناقض تماما مع مبادئ الديمقراطية التي هي إحدى نظم الليبرالية التي عملت على فصل السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية عن بعضها البعض لضمان أكبر قدر من الحريات الأساسية للأفراد.

 

تخيل أن الليبراليين استطاعوا أن يتجاوزوا مبادئهم ليس في تحقيق حرية الفرد المطلقة فحسب بل أيضا تجاوزوا عما ارتكبته قوات الأمن من مجازر بحق عزل وأن تقوم السلطة التنفيذية بشرعنة انقلاب عسكري دموي عبر المؤسسة القضائية والتشريعية.

 

أي فحش هذا الذي يرتكب بحق مبادئ الليبرالية من قبل غوغائيين مطبلين لأنظمة الحكم .

إذن، بماذا يتهم مدّعو الليبرالية العرب؟ مفهومهم لليبرالية لا يتجاوز أخذها كشماعة من أجل تبرير نزواتهم. المهم بالنسبة لهم مناصرة حقوق المثليين، وماذا ترتدي النساء والصيام والصلاة وبيع الخمر.

 

وأنا هنا لا أعترض على مناقشة هذه الأمور كما أنه لا يعني أنني مع الحرية المطلقة للفرد التي أنجبت (النظرية الانفلاتية). لابد من ضوابط، لكن أن تكون هذه المسائل متقدمة على ما هو أهم فهنا الكارثة.. فماذا تعني لي حقوق المثليين ونحن لا نستطيع انتقاد السلطة وآلاف يزجون في السجون دون محاكمة، وأحكام الإعدام تصدر بالجملة وآخرون يقتلون تحت التعذيب في سوريا بالجملة أيضا ونصف الشعب مهجر.. وآخرون يموتون جوعا ومرضا في اليمن ثم يخرجون عليك ينتفضون على النقاب أو الحجاب أو تعدد الزوجات؟

الليبرالية مع حقوق الإنسان. لكن ليبراليو التنظير لدينا مع حقوق الإنسان للشبيهين بهم. هم مع حرية الفرد لكن الفرد الذي ينتمي لهم فقط. هم مع تعدد الآراء لكن الآراء القريبة منهم.

 

يتهمون الإسلاميين بأنهم إقصائيون ولا يدركون أنهم سبقوا بعض الإسلاميين وتفوقوا عليهم بإقصاء وسحق كل من يختلف معهم. يعزفون دائما على وتر الأقليات ويتسترون به لمهاجمة من يختلفون عنهم في الفكر. أحد أبرز الليبراليين، لم أتابع مقابلة واحدة له إلا وتحدث عن الأقليات وفي مؤسساته يكفي أن تكون منهم ليتم توظيفك.

 

منافقون في سبيل أنفسهم يعيشون في برج عاجي ومستعدون للتحالف مع الشيطان ليقصوا الطرف الأخر. وأنا هنا لا أتنكر لحق الأقليات ولا أنتقص من شأنهم لكنهم ضمن مجتمع بأكمله مكلوم وبأكمله مسلوب الحرية والحقوق. نحن وهم في دوامة قمع وخوف واحدة فلماذا لا تتوحد المعاناة في جسد واحد. أحدهم مثلا برر وحشية الأسد بشعور العلويين بالخوف لأنهم أقلية. لا أعلم كيف اختزل كل العلويين في مجرم وكيف اختزل المأساة السورية بفكر منحرف يسوق مبررات لمجرم سادي.

عندما تقرأ في الليبرالية ستزداد سخطا على جماعتنا من مدعي الليبرالية.. كيف لهم أن يقبلوا مفاهيم واضحة وأن ينسجوها وفق مقاسات ديكتاتور؟ وكيف لهم أن يتحولوا لأبواق تصدح بكل ما يتناقض مع مبادئ الديمقراطية والحرية ويتحولوا لبيادق تنادي لبيك سيدي الحاكم؟

0
التعليقات (0)