ملفات وتقارير

بالذكرى الخامسة لمجزرة رابعة.. ماذا بقي من المعارضة المصرية؟

خلافات عديدة عصفت بالمعارضة المصرية- جيتي
خلافات عديدة عصفت بالمعارضة المصرية- جيتي

تنوعت التحالفات والجبهات المعارضة للانقلاب العسكري منذ مجزرة رابعة، حيث كان أبرزها تحالف دعم الشرعية، والجبهة الوطنية المصرية، والمجلس الثوري المصري. هذا التنوع ظهر في موقف هذه التحالفات من بعضها البعض، ما بين التوحد والاتفاق على معارضة الانقلاب العسكري تارة، وبين الاختلاف والاستقطاب وأحيانا التراشق الإعلامي تارة أخرى.

ماذا بقي من المعارضة؟

ومع تعدد تحالفات المعارضة المصرية وتنوع أسمائها، وعودة أفراد منهم لمصر وهجومهم القاسي على رفقاء الأمس، يطفو سؤال مهم للسطح، وهو ماذا بقي من المعارضة كلها؟، وهل ما زالت قوية وموحدة مثلما كانت بعد الانقلاب مباشرة؟

يقول زعيم حزب غد الثورة، أيمن نور: "أنا اعتقد أن جبهة المعارضة كلها لم تكن قائمة في كل الأوقات كي نسأل ماذا بقي منها، فهناك أوقات كانت تلتحم بها صفوفها، وأوقات تختلف فيها وتتباعد صفوفها، ويعود كل طرف إلى موقعه أو إلى موقفه المنفصل أو الحزبي أو الأيديولوجي".

وتابع نور مستدركا في حديث لـ"عربي21": "لكن في تصوري ونحن نتحدث عن مرور خمس سنوات على الانقلاب ومجزرة رابعة، أن المعارضة المصرية الآن هي في مرحلة ما قبل الالتحام مرة أخرى".

وعن دوافع هذا الالتحام قال: "إنه سيأتي بعد أن أدرك أطراف المعارضة، والذين كان كل طرف منهم يتمترس خلف موقفه السياسي الأيديولوجي، بأن الجميع مستهدف، وأن الإقصاء من قبل سلطة الانقلاب ليس موجه ضد تيار بعينه، بل ضد الجميع بالتالي هي الآن لديها ما تتفق عليه".

من ناحيته، أكد أستاذ العلوم السياسية والاقتصاد سيف عبد الفتاح "على أن المعارضة موجودة، لكنها ما زالت ضعيفة في عملها، وأيضا هي تعاني من بعض الإشكالات الخطيرة التي يجب أن تتلافاها".

وأكمل عبد الفتاح في حديث لـ "عربي21": "لكن بلا شك أن المعارضة قامت بأدوار مهمة، لكنها لا تكفي، وهي ليست بالكفاءة المطلوبة لمواجهة هذا النظام الانقلابي الفاشي، ولا تتكافأ مع طبيعة الحدث وطبيعة ما يتوجب على المعارضة أن تقوم به لتكسب ثقة الجماهير، فهناك مثلا عدة ملفات لم يحدث فيها تقدم، خاصة ملف المعتقلين والملفات الحقوقية وغيرها".

وأوضح "أنه كان يجب على المعارضة عدم الاكتفاء ببعض البيانات، بل كان يجب عليها أن تنتقل إلى تقديم رؤيا واضحة للخروج من هذا الأمر، والذي يتعلق بالركود في الحالة المصرية وتوجيه وعي الناس بضرورة مواجهة هذا النظام الذي قام بخراب مصر".

بدوره، يرى الكاتب والصحفي أحمد حسن الشرقاوي أن المعارضة موجودة وباقية، بالتوازي مع بقاء روح التحدي لهذا الانقلاب العسكري، وبقاء جذوة الأمل بإسقاطه، حسب قوله.

وأوضح في حديث لـ "عربي21" "بأنه في الوقت ذاته لا يستطيع القول إن المعارضة قوية ومتماسكة، وبنفس الوقت لا يمكنني القول إنها غائبة أو غير موجودة".

وعبر عن قناعته "بأن وجودها بحد ذاته هو إنجاز، خاصة أن مصر لم تعرف منذ انقلاب العسكر الأول في 23 يوليو 1952، طبقة سياسية تعبر عن الشعب وطموحاته وآماله، ما أدى لدخول الحياة السياسية بمصر في حالة موت سريري منذ ذاك الوقت".

ولفت إلى أنه "في ظل هذه الظروف غير الطبيعية القاتلة لكل الحياة السياسية والديمقراطية، لا يمكن أن ترى نشوء طبقة ونخبة سياسية معارضة تعلي مصالح الوطن في المقام الأول، ولكن في تقديري أن مرحلة ما بعد انقلاب السيسي أفرزت شخصيات وربما مجموعات تستطيع أن تنهض بالوطن والتعامل مع همومه بكفاءة".

الاختلاف الأيديولوجي

وحول ما إذا هناك دور للاختلاف الأيديولوجي والخلافات في إضعاف جبهة المعارضة المصرية، قال الشرقاوي: "بكل تأكيد، ساهمت الخلافات الأيديولوجية بين أطراف المعارضة في ذلك".

وأحال سبب وجود هذه الخلافات إلى عدم النضج سياسيا، إضافة إلى أن هناك أطرافا ربما تستحوذ على اتخاذ القرار، وهم في الحقيقة لا يصلحون لأن يكونوا سياسيين، ولا يمكنهم أن يقودوا جماعتهم أو أحزابهم حتى في الأمور العادية، بحسب قوله.

وعبر الشرقاوي عن تصوره بأن ظرف الخلافات والضعف مؤقت؛ لأنه إذا عادت الأمور إلى طبيعتها وانكسر الانقلاب، وتم تطبيق نظام ديمقراطي مدني حقيقي، فسيتم الفرز الطبيعي للقيادات من واقع ممارسة سياسية حقيقية، وستنشأ لحمة جديدة بين الفرقاء تمكنهم من التعايش وخدمة الوطن".

وعبر سيف عبد الفتاح "عن أسفه لتمكن الاستقطاب من صفوف المعارضة وتحوله لمرض مزمن يعانون منه جميعا، ما أدى إلى حالة من الفرقة وتبادل التراشق بدلا من البحث عن التوافقات فيما بينهم للخروج من هذا النفق المظلم الذي يحيط بالبلاد، سواء فيما يتعلق بسياسة النظام الفاشي داخليا أو سياسته خارجيا، والمتمثلة بموالاته للكيان الصهيوني، وبيعه لأرض الوطن".

وعلق أيمن نور من ناحيته على القول بأن تصدر الإخوان للمعارضة هو سبب في الفرقة والخلاف بالقول: "المعارضة المصرية الآن متنوعة ومتعددة، بل إن القوى التي تناهض هذا النظام العسكري ممثلة لكل أطياف الحياة السياسية المصرية".

"وبالتالي الحديث عن فكرة أن الإخوان هم المعارضة والمعارضة هي الإخوان هو اختزال مخل، يستهدف منه النظام إعطاء انطباع للخارج أنه هو الذي يواجه هذا الطرف على وجه التحديد، بينما الحقيقة أنه يواجه الجميع، طبعا جماعة الإخوان لها دور كبير يتفق مع حجمها، ولكن لا نستطيع اختزال المعارضة بهم فقط".

وأضاف نور: "الخلافات والتي لها علاقة بمواقف أيديولوجية وتكتيكية يتحمل الجميع مسؤوليتها، وكل طرف على حسب حجمه، فمن كان حجمه كبيرا يتحمل مسؤولية أكبر، ومن حجمه صغير يتحمل مسؤولية أصغر".

ويرى نور "أن المعارضة مقبلة في الأيام القادمة على مرحلة يتم فيها تنحية الخلافات الأيديولوجية، والتوحد على أمر واحد وهو معارضة الانقلاب، وذلك لأن الجميع بدا يستشعر الخطر، ليس فقط على مصر وهو قائم أصلا، ولكن الخطر أيضا على وجود كل طرف من المعارضة؛ لأن هذا النظام لا يبقي على أحد".

المبادرات

وأجمع المحللون على أن المبادرات المطروحة لحل أزمة مصر هي مؤشر إيجابي، وإن كانت فردية فذلك لا يعني أن الأحزاب انتهى دورها، ولكن هذه المبادرات ليست كلها على شاكلة واحدة، بحسب أستاذ العلوم السياسية سيف عبد الفتاح.

ووفق عبد الفتاح أيضا، "هناك مبادرات تهدف لتحريك الراكد، وأخرى تبدو أنها في أطار تصفية الحسابات، أو تكون مدفوعة من قبل النظام، في محاولة منه لإبراء ذمته بأنه يقوم بعمل محاولات للصلح والمصالحة، بالتالي تتفاوت هذه المبادرات من حيث أهميتها".

وأما زعيم حزب غد الثورة أيمن نور، فـ"يرى بأن المبادرات حينما تكون من داخل مصر وفي ظل هذه الأوضاع الاستبدادية والقمعية، فعلينا أن نعرف أنها عمل شجاع، بغض النظر عن الاتفاق أو الخلاف حولها".

وقال الصحفي أحمد حسن الشرقاوي: "إن الايجابية في مبادرات الداخل المصري أنها أتت من أناس أدركوا أنهم أخطأوا بتأييد (الفاشية العسكرية)، وبالتالي من الواجب على المعارضة التي عارضت الانقلاب منذ بدايته تطمين هؤلاء، والقول لهم بأننا لن نكون فاشية دينية كبديل للفاشية العسكرية".

العائدون لحضن النظام

وعاد بعض معارضي النظام لمصر، وانتقلوا لتأييده بشدة إلى حد أنهم هاجموا رفقاء الأمس بشراسة، فهل كان ضعف المعارضة هو سبب عودتهم، أم لأسباب شخصية؟

واتفق المحللون على أنه لا يمكن الحكم بشكل كلي على جميع الحالات، فكل حالة لها خصوصيتها، "وإن هناك تباينا بين قدرات هؤلاء على التحمل، فبعضهم يتحمل شهرا والبعض أسبوعا وآخرون سنة، إضافة لضعف بعض قادة المعارضة وضيق أفقهم، وتغليب مصالحهم الشخصية، وفقا للشرقاوي".

ويرى سيف عبد الفتاح أن البيئة المنقسمة من المعارضة تشكل مناخا خصبا لمثل هؤلاء الشخوص، إضافة لعدم إنكار دور النظام في تفريق صفوف المعارضة.

بدوره، أكد أيمن نور على أنه لم يكن إطلاق وصف (الظاهرة) على عودة بعض المعارضين لمصر وانضمامهم لمعسكر الانقلاب، فهم مجرد حالة أو حالتين أو بضع حالات فردية، ومن الطبيعي حدوث بعض الثغرات في أي تحالف أو جسد سياسي.

التعليقات (0)