قضايا وآراء

مبادرات "الشو الإعلامي"

قطب العربي
1300x600
1300x600
موجة جديدة من مبادرات التسوية السياسية للأزمة المصرية الداخلية الناشئة عن انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013 وما أعقبته من مجازر.. ست مبادرات خلال أربعة شهور ستلحقها مبادرة جديدة يجري الاستعداد لإعلانها، لتكتمل سباعية المبادرات التي تفتقد في معظمها عنصر القدرة على التنفيذ لأصحابها الذين لا يعدون كونهم مجرد شخصيات عامة ليست في وضع صناعة القرار.

بين المبادرات السبع مبادرتان من داخل النظام، وواحدة من أحد منتسبي الشرعية، أما الأربعة الأخرى فهي لشخصيات ممن يوصفون بـ"لا عسكر ولا إخوان".. الجامع بين المبادرات هو إدراك حدة الأزمة في مصر، والتي يدفع الشعب ثمنها، بسبب الانقلاب العسكري وسياسات السلطة الناشئة عنه في المجالات السسياسية والاقتصادية والأمنية.. الخ. هذا الشعور بالأزمة أصبح عاملا مشتركا بين غالبية المصريين الآن، بعدما تبددت الأوهام التي روجها قائد الانقلاب عن تحسن الأوضاع خلال سنتين زادها ستة أشهر، ولكنها ازدادت سوادا.
الجامع بين المبادرات هو إدراك حدة الأزمة في مصر، والتي يدفع الشعب ثمنها، بسبب الانقلاب العسكري وسياسات السلطة الناشئة عنه في المجالات السسياسية والاقتصادية والأمنية

تزداد قناعة الكثيرين من النخب السياسية والثقافية والإعلامية بأن النظام العسكري القائم لا يستطيع الاستمرار دون مزيد من القمع، وخنق المجال العام، وهذا بدوره يزيد من تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية، فيخلق بيئة حاضنة للإرهاب، وهو ما ينعكس تعثرا  على الحملة الشاملة في سيناء التي كان مقررا لها ثلاثة أشهر للقضاء التام على الجماعات المسلحة في سيناء، فإذا بها تستمر لما يزيد عن الخمسة أشهر، ولما تصل بعد لتحقيق هدفها. كما أن ذلك المناخ يحرم مصر من تدفق الاستثمارات الأجنبية الحقيقية التي تسهم في تحسين النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل الجديدة التي تحاصر مشكلات البطالة، ويحرم مصر أيضا من تدفق السياحة التي كانت تمثل رقما مهما في إيرادات الدولة المصرية.. تراجعت السياحة الآن إلى أدنى مستوى لها منذ 2013، وحتى تحويلات المصريين بالخارج التي كانت تمثل رقما مهما آخر تراجعت بفعل المخاوف التي انتابت المغتربين من تعرض أموالهم للمصادرات والتجميد تحت أي حجج حتى لو كانوا من مؤيدي النظام.

تزاد الأوضاع المعيشية للمواطنين تدهورا في ظل انبطاح حكومي تام أمام مطالب صندوق النقد ووصفاته، فرتفع الأسعار إلى درجات لم تعد محتملة، ومع ذلك يدعو السيسي وزراءه لفرض المزيد من الزيادات اعتمادا على وجود بعض مظاهر البذخ لدى فئات محدودة "ترقص كيكي"، وتسكن الشاليهات الصيفية، وتسهر في الكازينوهات والفنادق.

يدرك الكثيرون أن الإنقاذ الحقيقي للوطن هو بالخلاص من هذا الحكم العسكري؛ عبر حراك ثوري، واستعادة المسار الديمقراطي الذي يقوم على الرضى الشعبي العام، والذي يستطيع تحسين الوضع الاقتصادي، ومواجهة الفساد الذي يستنزف ثروات الوطن، ناهيك عن مواجهة الخيانة بحق الوطن وسيادته، بينما ترى بعض النخب أن الحل يكون عبر تسوية سياسية عادلة تعطي الحقوق لأصحابها، وتستعيد اللحمة الوطنية، وتفتح الباب لتداول سلمي للسلطة.
الإنقاذ الحقيقي للوطن هو بالخلاص من هذا الحكم العسكري؛ عبر حراك ثوري، واستعادة المسار الديمقراطي الذي يقوم على الرضى الشعبي العام، والذي يستطيع تحسين الوضع الاقتصادي

ورغم أن رأس النظام عبد الفتاح السيسي كرر أكثر من مرة أنه لا مجال للمصالحة مع مناهضي الانقلاب، إلا أن الصوت الأول ضمن الموجة الجديدة للمبادرات جاء من داخل النظام نفسه، عبر مبادرة طرحها الكاتب الصحفي عماد الدين أديب، أحد أكبر الإعلاميين الداعمين للنظام، يوم 4 نيسان/ أبريل الماضي، عبر قناة صدى البلد، ومع أكثر الإعلاميين تطرفا في دعم السيسي، وهو أحمد موسى، وكانت مبادرته تنصب على ضرورة الحوار مع المتعاطفين مع الإخوان، إذ ليس من المعقول - من وجهة نظره - أن تيتم تصفية كل هؤلاء المتعاطفين، وهم بمئات الآلاف. ورغم أن أديب تعرض لهجوم حاد من أبواق إعلامية وثقافية أخرى، إلا أنه لم يسحب مبادرته.

بعدها بثلاثة أسابيع، وفي الخامس والعشرين من نيسان/ أبريل، طرح كمال الهلباوي، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان وعضو لجنة دستور السيسي وأحد أكبر الداعمين للانقلاب، مبادرة جديدة للحوار بين النظام ومناهضيه، عبر لجنة حكماء تضم شخصيات عربية مؤثرة، وكان من المقرر أن تعقد هذه اللجنة أول اجتماع لها في بيروت الأسبوع الماضي، لكنه لم ينعقد. وردا على مبادرة الهلباوي، أكد نائب المرشد العام للإخوان المسلمين إبراهيم منير أن أي حديث في الوقت الحالي عن مصالحات هو هزل، ومضيعة للوقت. فلو كان النظام جادا في ذلك فلديه الرئيس مرسي محتجز بسجونه، ويمكنه الحديث معه مباشرة. ورأى منير أن الشعب بحاجة لإجراءات بناء ثقة كتمهيد واجب لأي مصالحة، على رأسها "الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، ووقف الضربات الأمنية الباطشة بالشعب، ووقف الهجوم الإعلامي، ثم تبدأ الأحاديث الجادة لبلورة رؤى متكاملة وشاملة للعدالة الانتقالية والخروج من الأزمة".

وفي 3 أيار/ مايو، طرح يوسف ندا مبادرة شخصية تقوم على تخلي الرئيس مرسي عن شرعيته مقابل الإفراج عن السجناء والقصاص للشهداء وجبر الأضرار وعودة الحياة السياسية الطبيعية، وفي 22 تموز/ يوليو طرح الدكتور محمد محيي القيادي بحزب غد الثورة وعضو "تأسيسية" دستور 2012 مبادرة للحوار الوطني برعاية الأزهر وبمشاركة كل القوى والفصائل السياسية دون إقصاء، على أن تعرض نتائج الحوار على استفتاء عام ليصبح ملزما للجمييع.
إن بدت "شو إعلامي" لغالبية أصحابها الذين حرصوا على أخذ اللقطة عبر وسائل الإعلام (وخاصة المحسوبة على أنصار الشرعية) دون أن يسلكوا المسالك السياسية الصحيحة، إلا أنها تكشف شعور أصحابها بالأزمة وعمقها

وفي 23 تموز/ يوليو طرح الدكتور عبد الله الأشعل، وكيل وزارة الخارجية الأسبق، مبادرة تحت عنوان "مبادرة الوفاق الوطني"؛ تقوم على تشكيل لجنة للحوار الوطني من بعض الشخصيات المصرية، بينما يترقب الوسط السياسي المصري إعلان مبادرة جديدة من السفير معصوم مرزوق رئيس حزب الناس "تحت التأسيس".

رصد تلك المبادرات لا يعني موافقة عليها، وتلك المبادرات وإن بدت "شو إعلامي" لغالبية أصحابها الذين حرصوا على أخذ اللقطة عبر وسائل الإعلام (وخاصة المحسوبة على أنصار الشرعية) دون أن يسلكوا المسالك السياسية الصحيحة، إلا أنها تكشف شعور أصحابها بالأزمة وعمقها، وضرورة البحث عن حل، كما أنها تسهم بدرجة ما في صناعة مناخ حواري في مواجهة المناخ الاستئصالي الذي ساد عقب انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013.
التعليقات (0)