قضايا وآراء

ما وراء خطاب العرش وإعفاء وزير الاقتصاد والمالية في المغرب

بلال التليدي
1300x600
1300x600

تفاجأ الوسط السياسي كثيرا بمضمون خطاب العرش الذي خصص برمته للموضوع الاجتماعي، كما تفاجأ أيضا للقرار الملكي بإعفاء وزير الاقتصاد والمالية محمد بوسعيد، يومين بعد الخطاب وبعد حضوره الاجتماع الملكي الذي ضم الوزراء المعنيين بتنزيل الإجراءات الاجتماعية العاجلة التي تضمنها نص الخطاب.


تكهنات كثيرة سيقت لتفسير إعفاء وزير الاقتصاد والمالية، لكن أقربها إلى المنطق أن يكون الإعفاء مرتبطا بما تضمنه تقرير بنك المغرب حول المالية العمومية، ومسؤولية وزارة الاقتصاد والمالية في بروز مؤشرات مقلقة تتعلق بتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر وارتفاع  نسبة البطالة، وتفاقم المديونية.


لحد الآن، المؤشرات المالية في المغرب غير مطمئنة، إلا أنها لم تصل درجة كبيرة من السوء، والأرقام المقلقة التي تضمنها تقرير مكتب الصرف عن تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر في المغرب  بـ 18.6 في المائة في الأشهر الأربعة الأولى من السنة الجارية مقارنة مع الأشهر الأربعة الأولى من السنة الماضية، ثمة ما يفيد بأنها ستعود إلى وضعها المستقر في الأشهر الموالية، بسبب إبرام جملة عقود لم تدخل حيز التنفيذ  في الفترة المشمولة بتقرير مكتب الصرف، كما أن وضعية الدرهم بعد اعتماد الصرف المرن، لا تزال محافظة على قدر من التوازن مع الدولار واليورو، مما يعني  في الجملة، بأن الإعفاء يتجاوز المعطيات الخاصة بالموازنة العامة ووضعية الاستثمارات إلى ما هو أكبر من ذلك.


نص خطاب العرش يقدم جزءا من الجواب، فالملك الذي قدم السنة الماضية نقدا قاسيا للنخبة السياسية ولأنظمة الوساطة على خلفية حراك الريف، وما ترتب عنه من إحراج الملك، وتعريضه للاحتكاك المباشر مع الحركات الاحتجاجية، عاد هذه السنة ليخفف النقد، ويثمن دورها في التأطير، وفي إقناع المجتمع بالتشبت بالوطن في حالة السراء والضراء، والمكاسب الاجتماعية التي ناضلت حكومة بنكيران قبل حكومة العثماني من أجل تحقيقها، وتعرضت لمقاومة عنيدة من قبل جماعات الضغط والنخب السياسية بما في ذلك الأحزاب الحليفة، فضلا عن ممانعة المؤسسات، جاء خطاب العرش لهذه السنة ليجعلها أهدافا ملكية واجبة التحقيق بآليات موقوتة في الزمن، ومسؤوليات موجبة للمحاسبة.


خطاب العرش في الجملة، أظهر حاجة الدولة لأدوار أنظمة الوساطة السياسية والمدنية، وأيضا حاجتها لتقوية التماسك المجتمعي، في شروط سياسية محلية لا تجعل من ذلك رهانا وجوديا، ذلك أن المغرب تجاوز نسبيا لحظة تمدد الحراك الاحتجاجي، وخفت فيه نسبيا روح المقاطعة الشعبية، وتم على المستوى السياسي والحزبي تجاوز تداعيات الزلزال السياسي الذي ضرب حكومة  سعد الدين العثماني السنة الماضية على خلفية عدم تنفيذ المشروع الملكي الموسوم بـ" الحسيمة منارة المتوسط" كما تراجع وضع قوى الإصلاح في موازين القوى بالمقارنة مع ما كانت عليه ما قبل تشكيل حكومة سعد الدين العثماني.


معنى ذلك أن هذه الرزنامة  الاجتماعية التي نزلت بثقلها في نص الخطاب الملكي، والتي تضمر وجود مخاطر حقيقية على الوضعية الاقتصادية والمالية للمغرب وأيضا على السلم الاجتماعي، ترتبط بشيء آخر غير ديناميات السياسة الداخلية.


رئيس الحكومة الدكتور سعد الدين العثماني، ما فتئ يصرح هذه  الأيام بوجود ظرفية إقليمية ودولية مقلقة، لكن المراقبين الذين عنوا بتحليل الخطاب الملكي وقرارا إعفائه لوزير الاقتصاد والمالية والرسائل الثاوية وراء ذلك، لم يحاولوا الربط بين ذلك وبين السياق الدولي والإقليمي المضطرب.


عباس الجراري، المستشار الملكي، أياما قليلة قبل خطاب العرش، أشار في حواره المطول مع "أخبار اليوم" التي يحاكم مديرها، إشارة معمقة لما تشهده الساحة الخليجية، وانعكاساتها المحتملة على المغرب، لكن المراقبين أيضا لم ينتبهوا لهذه الإشارة، ولم يحاولوا الربط بينها وبين مضمون الخطاب الملكي، كما أن عدم قضاء الملك سلمان لعطلته السنوية في مدينة طنجة - كما هي عادته- تؤشر على وجود أزمة في العلاقات، وربما توقف الهبات الخليجية، باستثناء ما تعرفه العلاقات المغربية القطرية من انتعاش وقوة.


التقدير أن القراءة الاستشرافية للدولة المغربية، وتقديرها للموقف على الساحة الخليجية وانعكاساته على المغرب دخل الدائرة الحمراء، وأثمر مخاوف مقلقة على الوضع الاقتصادي والمالي في المغرب،  خاصة الشق المرتبط بمناعة المجتمع في مواجهة التحديات المقبلة، وكذا البيئة المستقبلة للاستثمار الأجنبي.


تفسير ذلك أن سيناريو التصعيد الأمريكي المدعوم سعوديا وإماراتيا لحصار إيران ومنعها من تصدير النفط في أفق فاتح نوفمبر المقبل، يمكن أن يفتح باب المجهول على العالم، ويمس بشكل أكبر البنيات الاقتصادية والاجتماعية الهشة، التي لا تزال في طور إصلاح نموذجها التنموي أو في طريق تحرير موازنتها العامة من الارتهان لعوامل الطبيعة (الجفاف) ولتقلبات أسعار النفط، ووضعية الشركاء في أوربا ودول الخليج. كما أن رفض المغرب الانحياز للمحور السعودي الإماراتي، يمكن أن يعرضها في الأفق القريب إلى عقاب اقتصادي ومالي تظهر بعض تجلياته في سحب بعض الاستثمارات أو توقيف بعض الهبات.


ولذلك، ثمة في المغرب توقع أكبر من مجرد إعفاء وزير الاقتصاد والمالية، وترقب لحصول إعفاءات أخرى في الطريق، يندرج بعضها في تقوية بناء الحكم وإعادة ترتيب نخبه، ويندرج بعضها الآخر ضمن مستلزمات الرؤية الاستباقية لمواجهة المخاطر الاقتصادية والاجتماعية المقبلة.


فهل من الصدفة أن يبتدئ الخطاب الملكي بالإشارة العميقة "للوحدة والتلاحم في كل الظروف والأحوال"، وهل من نافلة القول في الخطاب الملكي التأكيد على أن "الوطنية الحقة تعزز الوحدة والتضامن، وخاصة في المراحل الصعبة، وأن المغاربة الأحرار لا تؤثر فيهم تقلبات الظروف"، وأن "المغاربة الأحرار هم الذين يقفون مع وطنهم في السراء والضراء"؟

0
التعليقات (0)

خبر عاجل