مقالات مختارة

الضربة الاستباقية

حسن البراري
1300x600
1300x600

"في صباح يونيو" هو عنوان الفيلم الوثائقي الذي عرضته القناة العاشرة من التلفزيون الإسرائيلي، وفيه يتناول الفيلم نكسة حزيران التي قلبت موازين القوة بين إسرائيل وجيشها "الذي لا يقهر" والجيوش العربية التي نالت نصيبها من الهزيمة. الحرب كما ورد في الفيلم الوثائقي حُسمت بفعل المفاجأة الإستراتيجية التي قام بها سلاح الجو الإسرائيلي، وفي الفيلم يتحدث عدد ممن شارك بالحرب بشكل استعلائي عن الجيوش العربية التي شاركت بالحرب.

الهوس الإسرائيلي بسلاح الجو ليس له حد، وبالفعل وضع موشيه دايان الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع آنذاك نظرية مفادها أن مصر لن تهاجم إسرائيل مجددا حتى تمتلك سلاح جو قويا، وأن سوريا لن تهاجم إسرائيل إلا بالتوافق والتنسيق مع مصر، وبما أن مصر لن يكون لديها سلاح جو قوي فإنها لن تدخل حربا جديدة ما يعني أن سوريا لن تشن حربا على إسرائيل.

هذه النظرية المستندة إلى غطرسة القوة سقطت في وحل هزيمة حرب أكتوبر.

الأهم من الحرب ذاتها هو السردية حول الحرب، فالجانب الإسرائيلي الرسمي يتبنى رواية وكأن الجانب العربي كان على وشك تدمير إسرائيل وأن الأخيرة بادرت بالحرب في سياق الحرب الاستباقية المشروعة، وعليه فإن الجانب العربي هو الذي يتحمل المسؤولية الكاملة عن الحرب، واللافت أن إسرائيل وظفت نفس السردية أو الرواية في الحديث عن نكبة فلسطين، فلا علاقة لإسرائيل بميلاد مشكلة اللاجئين وفقا للموقف الصهيوني الرسمي، وفي كلتا الحالتين تسعى إسرائيل لتكريس صورة تظهر فيها كضحية أمام الجلاد العربي الذي لا يألو جهدا للنيل من إسرائيل.

اسحق رابين في مذكراته يتحدث كيف كان يحضر الجيش لحرب عام 1967 منذ أن استلم قيادة أركان الجيش قبل الحرب بأربع سنوات، وكانت هناك خطط جاهزة لتوسع إسرائيل على حساب العرب والفلسطينيين حال توافر الذريعة للقيام بذلك، بمعنى آخر، التوسع الإسرائيلي كان نتاج تخطيط مسبق. وما علينا إلا العودة إلى مقابلة قديمة مع موشيه دايان لصحيفة معاريف يقول فيها كيف أن إسرائيل قامت بتغيير حالة المناطق منزوعة السلاح مع الجانب السوري وكيف قامت إسرائيل باستفزاز سوريا المرة تلو الأخرى لخلق أزمات وذرائع للتوسع على حساب السوريين.

وعودة على بدء، لا يمكن قبول رواية تفوق سلاح الجوي بلغة العنصرية والاستعلاء، فالعرب قدموا أداءً مذهلا في حرب أكتوبر، ويذكر محمد حسنين هيكل في كتابه أن رئيس سلاح الجو المصري حسني مبارك كان قد سأل أحد الأسرى الطيارين عن تراجع مستوى الطيارين الإسرائيليين ليجيب الأخير بأنه مستواهم لم يتراجع أبدا وإنما مستوى الطيارين المصريين فاجأهم. وهذا مؤشر واضح على أن الاستعداد والتسلح هما طريقا التفوق الجوي وليس الجينات.

لكن علينا الاعتراف بأن إسرائيل تفتح وثائقها أمام الباحثين حتى لو كان ذلك انتقائياً، في حين أن الجيوش العربية المشاركة في الحروب لا تسمح لأي باحث من الاقتراب من أرشيفها، وللأسف نعاني كباحثين عرب عندما نكتب في الصراع العربي - الإسرائيلي من شح المعلومات والوثائق. نتفهم حساسية المسألة بالنسبة لهذه الأنظمة التي كانت مسؤولة عن نكسة حزيران وقبلها نكبة فلسطين لكن في ظل غياب الوثائق العربية ستبقى الرواية الإسرائيلية هي الأقوى في الغرب على سبيل المثال، قضيتنا الفلسطينية هي عادلة، ولا يوجد عربي واحد يشكك في ذلك، وهذا أمر مفهوم، غير أن الأمر يزداد تعقيدا عندما يتحدث الجانب الإسرائيلي على مواقف متباينة لأنظمة عربية مختلفة، ولم يعد يجدي إنكار ما تقوله إسرائيل؛ لأن سلوك بعض الأنظمة ربما يمنح بعض مقولات صدقية. باختصار، الكرة في مرمانا!

الشرق القطرية

0
التعليقات (0)