قضايا وآراء

صفقة القرن السياق وفرص التحقق

عبد الرحمن حامد
1300x600
1300x600
الحديث عن خطة ترامب لتسوية القضية الفلسطينية وإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، التي تعرف باسم صفقة القرن. ويبدو أنّ الظروف الموضوعية شكلت فرصة سانحة للتوصِّل إلى صيغة شاملة، يُحقِّق فيها الطرف الإسرائيلي ما يرجوه من مصالح وأهداف استراتيجية، على حساب الحقوق الفلسطينية، ومن ذلك:

1- وجود حليف أمريكي يتبنى بصورة غير متوازنة دعم الكيان الصهيوني، فقد أعلن دونالد ترامب أن إدارته ستسعى، مستغلة نفوذها وقوتها، إلى فرض صيغة الحل النهائي على أرض الواقع، وظهر ذلك في الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها إليها، علاوة على حجب التمويل الأمريكي عن الأونروا وإضعاف دورها، وهي التي تعد رمزا للقضية الفلسطينية في الذاكرة الجمعية.

2- التغيُّر الواضح في طبيعة المواقف ولغة الخطاب لدى عواصم عربية بشأن مستقبل القضية الفلسطينية، وأنّها لم تعد القضية المركزية، وأنّ الخطر الحقيقي يتمثل في المشروع الإيراني، ترافق ذلك مع بروز توجهات تطبيعية من بلدان خليجية وعربية عبّرت عن نفسها علانيّة في صورة تصريحات إعلامية أو زيارات للكيان الصّهيوني، أو الحديث عن مبادرات ومشاريع اقتصادية ضخمة، بما ينسجم مع توجهات صفقة القرن المحتملة. ومثّلت الكويت "دولة الخليج العربية المحافظة،" ممّا يضعها في تحديات: فإما أن تقبل ببرنامج ترامب أو أن تكون مستعدة لمواجهة غضبه

3- حالة الانقسام الفلسطيني وتعطيل المصالحة الفلسطينية، وتشديد الخناق على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وتعاظم إجراءات الحصار، بما يدفع بعض الأطراف إلى الاستفادة من ذلك بفرض خيارات محددة على قيادة حركة حماس. وليس هذا فحسب، بل العمل على إضعاف السلطة الفلسطينية، وتهميشها، وتجاهلها في المشاركة في التفاوض والاطلاع على بنود الصفقة، فضلا عن ضعف الموقف الفلسطيني عموما، وافتقاده الظهير الإقليمي والدولي المساند، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية المزمنة لدى السلطة الفلسطينية.

كل ذلك يشكل فرصة لتحقيق تسوية غير عادلة، لكن ماذا عن جوهر هذه الصفقة وأهم معالمها؟

لم تعلن تفاصيل صفقة القرن بصورة رسمية بعد، وما زال الغموض يكتنف جوانبها، وما يجرى تداوله تسريبات من أطراف اطَّلعت عليها. وبمعزل عن تلك التفاصيل، فإن الملامح العامة التي برزت حتى اللحظة تظهر انحيازاً كبيراً من الإدارة الأمريكية للموقف "الإسرائيلي". وفي حال نجحت إدارة ترامب بفرض الصفقة على الجانب الفلسطيني، فإن التداعيات ستكون جدّ خطيرة؛ فالصفقة تظهر تجاهلاً كاملاً لحقوق الشعب الفلسطيني، وتشرِّع الأبواب أمام "إسرائيل" لاختراق المنطقة العربية بذريعة حل الصراع مع الجانب الفلسطيني، والتصدي لأخطار مشتركة.

وإدارة ترامب واضحة في تأكيد تجاوزها لمشروع حل الدولتين وعدّه شيئا من الماضي، وأنّ ما هو مطروح على أجندتها الآن يعدّ الصيغة الأسوأ والأكثر انحيازا لتسوية الصراع سياسياً عبر العقود الماضية.

ويظهر أن من أهم معالمه الخطة استبعاد مدينة القدس من أجندة البحث، وعدّها ملفاً محسوماً ومنتهياً، مع إبراز "قدس بديلة" خارج المدينة، مثل أبو ديس وغيرها. ولا توفّر الصيغة المقترحة أي فرصة لبناء دولة فلسطينية حقيقية، والوصول إلى صيغة للقيام بتبادل الأراضي بين الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية مبني على ضمِّ الكتل الاستيطانية إلى دولة الاحتلال، بوقف التوسع الاستيطاني في مناطق السلطة، إضافة إلى تجاهل حق عودة اللاجئين إلى ديارهم، والسعي لتوطينهم في أماكن وجودهم.

فرص تحقق الصفقة

من الواضح أنّ هذه الصفقة تشهد دعما عربيا منقطع النظير، فهي تشهد دعما من دول محور الاعتدال العربي. وبالرغم من ظهور الأردن بموقف المعارض للصفقة، فإن زيارة الملك عبد الله الثاني للولايات المتحدة وما تلا ذلك من تصريحات؛ تشير إلى طمأنة الملك إلى استمرار دوره، واستمرار الوصاية الأردنية الهاشمية على المقدسات.

ومع ذلك، فليست الطريق مذللة أمام صفقة القرن، وإدارة ترامب باتت تدرك الآن حجم التحديات التي تعترض طريقها، في ضوء معارضة الأطراف الفلسطينية للصفقة. وما هو مؤكد أنّ تمسك الفلسطينيين برفضهم للصفقة سيجعل تمريرها ونجاحها أمراً بالغ الصعوبة، حتى لو تبنّتها بعض الأطراف العربية، فموافقة الفلسطينيين شرط أساس لنجاح أي حلّ سياسي. ومن جهة أخرى، فثمة شكوك بشأن توافر التوافق من مختلف الأطراف الدولية على صفقة بهذا الحجم، مثل الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، بالإضافة إلى بعض القوى الإقليمية، مثل إيران وتركيا.

إنّ الرئيس الفلسطيني محمود عباس يجد نفسه اليوم بين خيارين أحلاهما مر، فهو إن رفض القبول بالصفقة سيواجه استحقاقات ذلك إقليميا ودوليا ونزع الشرعية عنه، وفي حال توقيعه فإنّه يتنازل عن الثوابت الفلسطينية، مما يعني في الحالتين نهايته السياسية.

ولكن إذا خرجنا من ثنائية قبول السلطة من عدمه، فإننا نرجح أن الإدارة الأمريكية لن تسعى إلى إخراج الصفقة ضمن حفل توقيع على نمط ما جرى في اتفاق مدريد، بل إن الأمر سيتوجه نحو التطبيق والتنفيذ.

ولعلّ أكثر ما يمكن أن يمكن العمل عليه في مواجهة الصفقة تطوير حالة غضب شعبي فلسطيني في مواجهة الاحتلال؛ يستند على المخزون الفصائلي وحالة المقاومة الشعبية المستمرة، عبر الانتفاضات المتتالية، ورفع الغطاء عن أي موقف فلسطيني داعم للصفقة.
التعليقات (0)