قضايا وآراء

المونديال الروسي والربيع العربي

محمود عبد الله عاكف
1300x600
1300x600

لقد أوشك المونديال الروسي على نهايته، وتمت التصفيات وخرج منها من خرج، وبلغت التصفيات إلي دور الثمانية، ولم يتبق إلا أفضل ثمانية فرق تمثل دولها. وما هي إلا عشرة أيام تقريبا ويسدل الستار على البطولة العالمية، بل أكبر بطوله رياضيه ينتظرها العالم كل أربع سنوات.

وقد حفلت البطولة حتى الآن بالعديد من المفاجآت، مثلها مثل كل البطولات الرياضية بشكل عام وبطولات كرة القدم بشكل خاص. فبطل العالم وهو الحائز على الكأس في البطولة السابقة يخرج منها في التصفيات الأولى، وغير ذلك من مفاجئات مثل خروج فرق افضل اللاعبين في العالم لم تستطيع أن تستمر في البطولة لما بعد الدور الأول، ولكنها الرياضة وهذا ما تعود عليه الناس.

وقد شارك عدد من المنتخبات العربية لكرة القدم في هذه البطولة، بلغت أربعة منتخبات، للمرة الأولى في بطولة كاس العالم لكرة القدم منذ أول بطوله في عام 1930. ومع المشاركة الكبيرة للمنتخبات العربية، تعالت درجة الأحلام والأمنيات بين العرب، حتى وصلت إلى درجة توقع البعض من المعلقين والمهتمين أن أحد المنتخبات العربية قد يصل إلي دور الثمانية أو ما يليه، وخصوصا أن بعض هذه المنتخبات يشمل بين لاعبيه من هو من اللاعبين ذوي المستوى الأول عالميا، وحسب التصنيفات الدولية. ولكن للأسف لم تحقق أي من المنتخبات العربية أي من هذه الأمنيات أو التوقعات، بل على العكس، فإن أحدها حقق رقما قياسيا في الهزيمة من الدولة المستضيفة في المباراة الافتتاحية.

والمتأمل للأحوال العربية قد يجد بعض الشبه بين ما حدث في المونديال الروسي لكرة القدم وبين ما حدث في ما أطلق عليه بالربيع العربي. ففي بدايات عام 2011، ومع هروب زين العابدين بن علي من تونس ومغادرة حسني مبارك للسلطة في مصر، تصاعدت الأمنيات في العالم العربي بأن التغيير قادم لا محاله، وأنه قد جاء الوقت الذي سوف تنعم فيه المنطقة العربية بالحرية والعدل، كما حدث مع الجانب الشرقي من أوروبا في نهايات القرن الماضي. وتعالت الشعارات مثل: "هرمنا من أجل هذه اللحظة" و"زين العابدين هرب" و"ارفع راسك فوق انت مصري"، وغيرها من الشعارات التي أنعشت القلوب العربية. ولعلي استدرك هنا بالشعار المصري، والذي كان يردده جمال عبد الناصر للمصريين والعرب في الخمسينيات من القرن الماضي: "ارفع راسك يا أخي فقد ولى عهد الاستعباد والاستعمار".. وما لبثت الرؤوس المصرية والعربية أن عادت مرة أخرى للذل والاستعباد، ليس تحت عهد الاستعمار الأجنبي بل في ظل الحكومات الوطنية، سواء في ليبيا أو مصر أو العراق أو الخليج أو الجزائر وباقي البلدان العربية. ثم أخذت ما يقرب من أكثر من خمسين عاما حتى تستطيع أن تقول "ارفع راسك" مرة أخرى، وتقول: "على التوانسة يفرحوا أو شعب تونس العظيم" في عام 2011 بعد هروب ابن علي. وهذه المرة لم تستمر الرأس مرفوعة كثيرا، فلم تظل مرفوعة لأكثر من عام أو عامين على الأكثر في أحسن التقديرات، ثم عادت مرة أخرى.

والسؤال الأول الذي يطرح نفسه في هذا المجال هو: لماذا تسبق آمالنا وطموحاتنا دائما - نحن العرب - أفعالنا وأعمالنا؟ لقد عايشت وتعايشت مع العديد من الشعوب، سواء في الغرب أو في الشرق، فلم ألحظ أو أشاهد هذا التسرع وإطلاق العنان للأمنيات والأحلام مع أي بادرة حسة تمر بالفرد مثلما يحدث مع الإنسان العربي. فغالب هذه الشعوب أو تلك تكون أكثر حذرا وتروي في تعاملها مع الأحداث. وحتى على المستوى الفردي قلما أجد التوقعات الإيجابية تأخذ الشخص ليعيش في آمال غير واقعية قد تأتي بعكس ما هو متوقع، بما يؤدي إلى انهيار البيوت الرملية التي بناها من خلال أحلامه وأمنياته الوردية.

ولا أستطيع الإجابة على هذا السؤال، وأعتقد أنه يحتاج إلى دراسات اجتماعية وسيكولوجية متخصصة. ولا أتصور أن الإجابة مرتبطة بتاريخ وأعمار الشعوب؛ لأن بعض شعوب المنطقة تجاوز الآف السنين. أما السؤال الثاني فهو: ماذا فعلنا نحن العرب للمحافظة على الرأس المرفوعة، سواء في مصر أو ليبيا أو تونس أو اليمن وغيرها؟ والإجابة المباشرة لهذا السؤال هي أننا لم نفعل شيئا، بل على العكس، ساعدنا في الأغلب وساهمنا بإعادة الانتكاسة للرأس مرة أخرى، من خلال ترسيخ مفهوم الانقسام وعدم الوحدة. وكانت في مصر ممثله في "إحنا شعب وانتم شعب"، وانتقلت في ليبيا إلى حوار بالسلاح، وكذلك في اليمن وسوريا طائفية، وحتى تونس عاد النظام القديم وفلوله.. وغيرها من الدول العربية.

الجانب الثاني، وهو في تقديري الأهم، هو الإعداد والاستعداد لمرحلة رفع الرأس أو الوصول للمونديال، سواء في روسيا أو البرازيل أو غيرهما (قطر مثلا)، وأن التوقف عند الأمنيات غير كاف، بل يكون في غالب الأحوال بداية خطوات التراجع والانتكاسة. وهذا ما حدث في كأس العالم، فغالب الفرق العربية لم تستعد بالشكل اللازم والكافي لخوض مباريات هذا الصرح العالمي، فكانت النتيجة كما هو المتوقع الفشل الذريع لمعظم، بل لكل المنتخبات العربية وخرجت من الدور الأول بعضها كانت بهزائم قاسية لم تحدث من قبل.

الشيء نفسه حدث مع الربيع العربي.. كانت نتائجه محبطة للآمال والهزائم القاسية.. كانت قتل وتشريد الملايين من العرب، وتحالف العرب ضد بعضهم البعض.. وقد تكون الهزيمة الكبرى هي ضياع فلسطين لا قدر الله. وللأسف لم نستعد أو نعد أنفسنا ونهيئها لتكون الرأس مرفوعة دائما وأبدا. وهذا في الحقيقة العمل الذي يستحق منا بذل الجهد من أجله؛ لأن هذا الهدف، وهو ديمومة رفع الرأس هو عمل تغييري لمن تعود أن تكون راسه منخفضه على الأقل خلال ما يزيد عن مئة عام؛ انقضت بين عهود استعمار وحكومات وطنية مستبدة. وكما في قوله تعالى في سورة الرعد: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" (الآية 11)، فعلينا أن نغير أنفسنا حتى نتمكن من تغيير ما حولنا وأن نعيش حياة كريمة.

وآخر علامات التشابه بين المونديال الروسي الذي أوشك على الانتهاء ومرحلة الربيع العربي؛ هو ما خرج به علينا المسؤول الأول عن كرة القدم في مصر، في تصريحاته الأخيرة لتبرير المظهر المؤسف للفريق القومي المصري، بأن السبب وراء خروج مصر غير المشرف والهزائم المتكررة التي حدثت في مباريات الفريق في روسيا؛ يرجع إلى الإخوان المسلمين، وهم وراء هذا السقوط المدوي في مجال كرة القدم العالمية، تماما كما قال محمد بين سلمان أن سبب الانهيار الذي حدث في المنطقة العربية في السنوات السبع الماضية يرجع سببه إلى وجود جماعة الإخوان المسلمين ونشاطها في المنطقة العربية. ولا تعليق!!!

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

1
التعليقات (1)
مصري جدا
الجمعة، 06-07-2018 11:58 م
استاذ عاكف طالت غيبتك وقلت مقالاتك ،، لعل السبب خير ،،، واسمح لي المشاركة معك ،، هناك اشكالية كبرى في العقل العربي والمسلم عموما ،، هذه الاشكالية نتاج مؤسسات التربية والتكوين البعيدة عن النهج العلمي والتي تعتمد على العشوائية او الفهلوة كما يقول الشعب المصري ،،، نمط الادارة في الدولة ومؤسساتها ،، وفي الاحزاب والجماعات حتى الفرد الانسان المصري ،،، لا يعتمد الادارة العلمية ،، ادارة المحترفين بل احيانا تكون ادارة المنحرفين ،، او الهواة بل احيانا انصاف الهواة ،،، ازمة الربيع العربي كانت في قياداته ونمط ادارتهم للمشهد ،، قيادة الحركة الاسلامية وفي القلب الاخوان ،،، قيادة الحركة المدنية ،،، قيادة العسكر ،،، كان الجميع دون مستوى الحدث ،،، دون مستوى التضحيات ،،، دون مستوى الطموحات ،،، لذا خسر الجميع وبنسب مختلفة لكن الاكثر خسارة على الاطلاق هي الدولة المصرية حاضرا ومستقبلا ،،، والعجيب وهي نقطة تشابه تعبر عن وحدة الثقافة والتفكير ،،، هو نمط التبرير والتعليق على شماعة الغير والاصرار على البقاء في واجهة المشهد ،،، هكذا كانت قيادات الاحزاب والجماعات وهكذا كان اتحاد الكرة ،، من الطبيعي عندما تخفق ان تغادر وهذا سلوك محمود لدى الغرب على مستوى الوزراء والحكومات والاحزاب ،،، اما اصحابنا فلسان حالهم فلا ،، فالاخفاق مبرر ،،، الاخفاق له اسباب كثيرة وشماعات متعددة سوانا ،،، واننا باقون من اجل الوطن وربما من اجل الله ،،، نخبة الحاضر الاسلامية والمدنية والعسكرية تحاوزها الزمن ولم تعد مناسبة ولا حل بوجودها بل الحل ان ترحل جميعا ،،، وان يتركوا المجال والفرصة للاجيال التالية وهي موجودة وكثيرة ،، لكنها ممنوعة ومحجوبة مثل المواقع والصحف والكلمات ،،،