صحافة دولية

فورين بوليسي: هذه الفضيحة كادت تودي بديمقراطية ماليزيا

فورين بوليسي: لو فاز نجيب في الانتخابات لجر البلد إلى الديكتاتورية- جيتي
فورين بوليسي: لو فاز نجيب في الانتخابات لجر البلد إلى الديكتاتورية- جيتي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للكاتب أليكس هيلان، يقول فيه إنه في أول عام 2017، قام الممول الماليزي الهارب جهو لو، المشتبه فيه الأول في عملية الاحتيال، التي كلفت بلده 6.5 مليارات دولار، وقسمته إلى قسمين، بنشر رسالة على تطبيق "أب ويب تشات" الصيني، وهي عبارة عن مثال، قال فيها: "في عام 2016 كانت العاصفة المثالية.. وقام القبطان بأقل جهد بتعديل الأشرعة واستمرت الرحلة..". 

 

ويعلق هيلان قائلا: "لقد كانت رسالة تخلو من الاكتراث من رجل يمثل مركزا للتحقيق الجنائي، الذي تقوم به وزارة العدل الأمريكية، والذي أصبحت شخصيته تمثل المجرم الكاريكاتوري بالنسبة للمتظاهرين في شوارع كوالالمبور، لكن جهو لو استمرعلى يخته الكبير (إكوانيميتي)، وكان واثقا جدا من قبطانه رئيس الوزراء الماليزي نجيب رزاق، الذي يعتقد أنه شريك لجهو لو في الاحتيال". 

 

ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه "عندما نشر جهو لو رسالته، فإن نجيب كان يبدو متمكنا، فعندما هدد بالطرد، أثبت نجيب، الذي رئس تحالفا سياسيا حكم ماليزيا على مدى ستة عقود، استعداده لأن يتجاوز حكم القانون والديمقراطية في ماليزيا لينقذ نفسه وحلفاءه".

 

ويقول هيلان: "اليوم لا يستطيع رئيس الوزراء السابق أن يغادر البلد لا هو أو زوجته، وقد نسبت هيئة مكافحة الفساد في ماليزيا بأن يتم توجيه التهمة لنجيب بعد الانتهاء من احتفالات عيد الفطر، أما جهو لو فيتنقل خلسة بين ماكاو وتايوان، ساعيا لعقد صفقة مع الحكومة الجديدة، بحيث يحصل على حصانة، وتم رفض محاولاته كلها تماما".

 

ويلفت الكاتب إلى أن "المؤسسات الماليزية كانت أقوى مما توقعه أي من الرجلين، وتم إيقاف الانحدار نحو الاستبداد، وفي ذلك عبرة، ليس فقط للديكتاتوريين الحالمين، لكن أيضا للسياسيين الأمريكيين، الذين يعتقدون أن دعم الحكام الفاسدين يخدم مصالح أمريكا".

 

وينوه هيلان إلى أن "الحزب وصل إلى نهاية مفاجئة بسبب فضيحة فساد، ضاعت فيها مليارات الدولارات، وتورط فيها نجيب وصندوق تنمية حكومي (1 أم دي بي) من صناعة جهو لو، ودخل الصندوق في عدة صفقات من خلال شراكات استراتيجية مع شركاء في السعودية وأبو ظبي للاستثمار في الطاقة والعقارات".

 

ويستدرك الكاتب بأن "تلك الصفقات لم تكن سوى ستار دخاني لمؤامرة لتحويل مليارات الدولارات إلى عصابات صغيرة من المتآمرين على جانبي تلك الصفقات، وأهمهما نجيب وجهو لو، وبسبب المديونية وعدم وجود عائدات تذكر من الاستثمارات، فإن مديونية صندوق الاستثمار وصلت إلى 17 مليارا، وهي مديونية ستدفع الأجيال القادمة ثمنها".

 

ويذكر هيلان أن وزارة العدل الأمريكية قامت في عام 2016 بالاستيلاء على أصول قيمتها مليارا دولار من جهو لو وشركائه في أمريكا وسويسرا والمملكة المتحدة، حيث تضمنت تلك الأصول طائرة خاصة وقصورا في بيفرلي هيلز ولندن، وشققا فاخرة في أعالي الأبراج في نيويورك، ولوحات لمونيه وفان كوخ، وحقوقا لأفلام مثل "ذي وولف أوف وول ستريت" و"دم أند دمر"، التي تم شراؤها بأموال تم أخذها من صندوق الاستثمار.

 

ويفيد الكاتب بأنه في الوقت الذي ذكرت فيه وزارة العدل جهو لو بالاسم بأنه المتآمر رقم 1، إلا أنه أشير إلى رئيس الوزراء الماليزي السابق فقط بـ"المسؤول رقم1"، وأكدت وزارة العدل بأن أكثر من مليار دولار دخلت حسابه الشخصي في كوالالمبور، مستدركا بأنه مع ذلك، فإن جهو لو كان يشعر بأنه في مأمن ما دام نجيب في السلطة.

 

ويبين هيلان أنه عندما تسلم نجيب السلطة في 2009، فإنه حاول أن يعكس صورة الزعيم النشيط الذي يسعى لتحديث بلاده، مشيرا إلى أن فترة صعوده للسلطة تزامنت مع صعود مصلح شاب آخر، وهو الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي وعد بتقوية التحالفات مع آسيا لموازنة النفوذ الصيني، حيث أن فريق نجيب صور رئيسه بأنه زعيم براغماتي لبلد ذات أغلبية مسلمة، أسس الحركة العالمية للمعتدلين لمكافحة التطرف، وتمتع الزعيمان بعلاقة حميمة، ولعبا الغولف في هاواي عام 2014، خلال اجتماع رتبه الممول السابق لأوباما، "الذي يتم التحقيق في ملفه لأخذه ملايين الدولارات المسروقة من صندوق الاستثمار الماليزي".

 

ويجد الكاتب أن "هذه الصداقة كانت سببا في صدمة نجيب، عندما قامت وزارة العدل بالاستيلاء على أصول تابعة لأفراد عائلته وشركائه، وقلبت السياسة الخارجية تجاه ماليزيا مؤقتا، واتهم نجيب أمريكا بممارسة الإمبريالية والتدخل السياسي في شؤون ماليزيا الداخلية، وبدأ نجيب بدعوة مؤيديه للتصويت له، ويخوفهم من نفوذ الإثنية الصينية، حتى أنه قال لمؤيديه إن عليهم أن يكونوا شجعانا مثل مقاتلي تنظيم الدولة".

 

ويشير هيلان إلى أن نجيب حاول البحث عن حل لمديونية صندوق الاستثمار، وذهب إلى الصين من أجل ذلك، حيث كانت قصص التهم التي وجهتها وزارة العدل الأمريكية، والقصص التي تداولت عن صندوق الاستثمار، تسببت بفرار رؤوس الأموال من ماليزيا، ورأت الصين في ذلك فرصة لملء الفراغ. 

 

ويلفت الكاتب إلى أن نجيب وقع عددا من الاتفاقيات مع الشركات التي تملكها الحكومة الصينية، بما في ذلك بناء سكة حديد سريعة بتكلفة 13 مليار دولار، وشراء بعض أسهم صندوق الاستثمار، حيث كان ثمن بادرة حسن النية هذه تحولا في السياسة الخارجية الماليزية نحو الصين، وتزامن ذلك مع مستويات غير مسبوقة من تجاوز السفن الصينية المياه الإقليمية الماليزية في بحر الصين الجنوبي.

 

وتنقل المجلة عن سفير ماليزيا السابق دينيس إغناطيوس، قوله: "قامت الصين بأخذ الفوائد كلها، وتركت لنا التبعات كلها"، وأضاف أنه لو فاز نجيب في الانتخابات "كنا سنصبح مدينين للصين، معرضين بذلك استقلالنا وسلامة أراضينا للخطر الشديد".

 

ويكشف هيلان عن أن وثائق مسربة ظهرت في 2015، تكشف عن دفع أموال في حسابات تابعة لنجيب، وكانت السلطات الماليزية في هذه المرحلة تجمع الأدلة، وتحضر لاعتقاله، لكنه علم بذلك، فقام بإطلاق حملة تطهير، فأقال المدعي العام عبد الغني باطائل وكبار المسؤولين في هيئة مكافحة الفساد الماليزية، وتم توظيف أشخاص غير أكفاء في أماكنهم، قاموا بتبرئة نجيب من التهم كلها.

ويورد الكاتب أنه بعد عملية التطهير بفترة قصيرة، عثر على جثة مدعي عام الدولة كيفين موريس، في برميل إسمنت خارج كوالالمبور، ولم يعرف الدور الذي أداه، مستدركا بأن مقتله بعث هزات عنيفة في سلك العمل الحكومي. 

 

وينوه هيلان إلى أنه عندما أعلنت الجهات الأمنية في أمريكا وسنغافورة وسويسرا ولوكسمبيرغ عن تحقيقات في مليارات الدولارات المنهوبة من صندوق الاستثمار، فإن المدعي العام الجديد الذي عينه نجيب، أباندي علي، قال إن هناك خطأ، ولم يجب على رسائلهم، حيث لم ترد ماليزيا استعادة تلك الأموال؛ لأن طلب استعادتها يعني أن هناك جريمة ارتكبت. 

 

وتذكر المجلة أنه بعد مهاجمة القضاء، قام نجيب بسن قانون استوحاه من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يمنع فيه نشر الأخبار الكاذبة، ثم منح نفسه السلطة بإعلان الطوارئ إن حصلت هناك أي "أزمة أمنية"، وأخيرا قام بإعادة رسم خارطة الدوائر الانتخابية، "التي هي أصلا خارطة مشوهة". 

 

وبحسب الكاتب، فإن معظم المعلقين كان يتوقعون فوز حزب نجيب لدى اقتراب البلد من الانتخابات في 9 أيار/ مايو، مشيرا إلى أنه "لو فاز نجيب في الانتخابات لجر البلد إلى الديكتاتورية، فقد كان متورطا إلى درجة لم يكن أمامه سوى خيار الديكتاتورية أو المنفى أو المحاكمة، ولكن في مساء ذلك اليوم عادت الديمقراطية للحياة كعودة لازاروس". 

 

ويقول هيلان إن "نجيب حاول في يوم الانتخابات استخدام الوسائل كلها لكسب الانتخابات، التي عقدت في يوم عمل عادي، ولم تصل أوراق التصويت بالبريد، وأغلقت مراكز التصويت في الساعة الخامسة، وكان هناك المئات لا يزالون في الطوابير لم يدلوا بأصواتهم، ومنع بعض الناس في بعض المناطق من التصويت لأسباب سخيفة تم اختراعها وقتها، مثل (اللباس الذي يجب ارتداؤه)".

 

ويعلق الكاتب قائلا إن "ذلك كله لم يكن كافيا لإنقاذ نجيب مقابل السياسي المخضرم مهاتير محمد، الذي بسط للناس أسباب معارضته لنجيب، بالقول إن (نجيب ليس ثريا، إنه يسرق)، وأشار إلى أنصار نجيب بأنهم عبارة عن دواجن تتلقى العلف من سيدها".

 

ويذكر هيلان أنه بعد فشل نجيب فإنه حاول وزوجته الفرار على متن طائرة خاصة، لكن تم إيقافهما، وأصبحا كأنهما تحت الإقامة الجبرية، وعندما داهمت الشرطة المنازل التي يمتلكها الزوجان، فإنها وجدت ما قيمته 28 مليون دولار من ست وعشرين عملة مختلفة، وما قيمته 50 مليون دولار من المقتنيات الثمينة، بما في ذلك 284 حقيبة سيدات مصممة، "حيث عرف عن زوجة نجيب أنها اشترت حقيبة سيدات بـ 200 ألف دولار من تصميم هيرميس بيركين".

 

ويبين الكاتب أنه ساعد في ذلك برنامج وزارة العدل الأمريكية في التحقيق في قضية الفساد، الذي حاولت وزارة الخارجية الأمريكية وقفه، لكنها لم تستطع، مستدركا بأنه مع أن ترامب تحدث بشكل سلبي عن تحقيق وزارة العدل، "وهناك تقارير بأن الممول إليوت برويدي كان تفاوض مع جهو لو على 75 مليون دولار رسوما لإيقاف تحقيق وزارة العدل في صندوق الاستثمار الماليزي"، إلا أن قصة التحقيق هذه تثبت أن هناك فوائد معنوية، بل وسياسية له. 

 

ويختم هيلان مقاله بالقول إنه "مع وجود حكومة شرعية في ماليزيا، فإنه يمكن لوزارة العدل إعادة ملياري دولار إلى صندوق الاستثمار، لتسد شيئا من الثغرة التي أحدثها الفساد فيه".

التعليقات (1)
سلمى سلام
الثلاثاء، 19-06-2018 12:40 م
قي بلادي لايحتاج المحتال للرموز فالكل يفهم عالطاير احتال بوضوح ولاداعي للهرب فالكل حراسك وكل الرؤس فداء لراسك