كتاب عربي 21

تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى... إيلي بعده!

طارق أوشن
1300x600
1300x600

لا فرق بين من حجّوا زرافات وأفرادا إلى جبل سرغينة بمنطقة بولمان المغربية، قبل أيام، أملا في الحصول على نصيب من كنز جاء أحد أبناء المنطقة في المنام، ومن اشرأبت أعناقهم متطلعين إلى نتائج اجتماع الجمعية العامة للفيفا بروسيا طمعا في احتضان المغرب لفعاليات كأس العالم لكرة القدم، باعتباره الكنز الموعود والرافعة المرتقبة للتنمية بالبلاد، اعتمادا على دجل "أخوة" مفترضة تبين أنها مجرد سراب وأضغاث أحلام. راعي البقر الأمريكي استخسر على "محمياته" حفظ ماء الوجه أمام العالمين بالرغم من تأكده التام من فوزه بتكليف التنظيم.

 

لا عيب إطلاقا في أن تبحث أي دولة في العالم عن مصلحتها، لكن العيب في أن تتحول الدولة الإسلامية والعربية "الأكبر" إلى مجرد "خاطبة" للراعي الأمريكي تجلب له الأصوات ترغيبا وتهديدا. ولا عيب إطلاقا في أن يبحث أي بلد عربي عن شرف تنظيم التظاهرات العالمية، لكن العيب في أن يكون ذلك مبنيا على استعطاف الدعم والمساندة لمجرد انتماء "عرقي" أو جغرافي. لكن الأهم من كل هذا وذاك يبقى مراجعة الذات وإعادة ترتيب الأولويات والمحاور والاصطفافات. وإن كان من حسنة يمكن الخروج بها من تجربة الفشل الخامس في السعي لتنظيم المونديال، فهي إمكانية تعويل المغرب على عمقه الإفريقي والمغاربي اللذان نال دعمهما برغم كل الخصاص الذي تعيشه في مواجهة التهديدات الأمريكية، مقابل الحاجة إلى إعادة النظر فيما كان تحالفات "استراتيجية" مع دول وفرة تبين أنها لا تملك من قرارها وسيادتها إلا القبول بإملاءات الراعي الأمريكي.

 

قبل سنوات قليلة، وفي عز ما يسمى بالربيع العربي، لم تجد دول الخليج غير المغرب، ومعه المملكة الأردنية الهاشمية، لتعرض عليهما شراكة "استراتيجية" وصلت حد الدعوة للدخول في المنظومة الخليجية توجسا من تداعيات "الربيع". اليوم وبعد أن انفرط عقد التحالف الخليجي، وصار للسعودية والإمارات مجلس تنسيق ثنائي يرعاه سيد البيت الأبيض، وبعد أن انحسرت التخوفات من امتداد "الثورات" إلى العروش، لم يعد للدولتان ما يدفعها للحفاظ على علاقات كان يقال إنها متينة مع المغرب الأقصى. من يضع مستقبل الأمن الخليجي على حافة الانهيار ومعه توازنات الأمن القومي العربي، حيث ينشر الحرائق من ليبيا إلى اليمن مرورا بمصر وغيرها، لن يجد غضاضة في طعن بلد "شقيق" بخسة وشماتة فضحت المستور. العلاقات المغربية السعودية تمر على ما يبدو من مرحلة انحسار لن يزيدها اتصال العاهل المغربي بأمير دولة قطر ليلة الإعلان عن نتائج تصويت الفيفا إلا تأجيجا.

 

قبل أيام فقط لم تتورع القنوات السعودية من بث حلقتين من مسلسل "شير شات" حيث قدم القائمون على العمل مدينة مراكش قبلة للباحثين عن المتعة الجنسية وسوقا للجواري. ليس الأمر غريبا عمّن سعى، رغبة في تكريس رؤية ولي العهد السعودي لسعودية ما قبل نهاية السبعينات وما قبل ما سمي وقتها "الصحوة الإسلامية"، فقدم الأمهات والجدات بمنزلة السافرات الزانيات الغانيات، فيما اعتبره كثيرون تحريفا للواقع التاريخي إرضاء للحكام. من لا يخاف على عرض وشرف أهله، لا ينتظر منه أن يصون عرض الآخرين. مسلسلا (العاصوف)، الذي عرض في رمضان، و(صيف بارد)، المعروض قبله يمثلان علامة فارقة في البحث عن سعودية "متخيلة" في ذهن ولي الأمر تبرءا من "عار" التشدد والتمسك بتعاليم الإسلام. 

 

"الطعنات" السعودية الغادرة التي تكررت في استهداف "شرف" المغربيات ووجهت كثيرا بالسخط العارم الذي يبدأ على مواقع التواصل الاجتماعي وعليها ينتهي. لكن الأكيد أن حفظ شرف المغربيات وتأمين حظوظ النجاح تقتضي مواقف أقوى لعل أهمها البدء بالذات. كثير من الأفلام والإنتاجات الإبداعية المغربية تمتهن كرامة نفس المغربيات في علاقتهن مع نفس الخليجي/السعودي، بل إن المرأة المغربية كثيرا ما كانت حطبا لتصفية الحسابات السياسية بين الفرقاء. ولعل في الإصرار على وصم المغربيات المشتغلات بحقول الفراولة الإسبانية بالخضوع للانتهاكات الجنسية للمشغلين، دونما تأكد قبلي من المعطيات ومن حجم الظاهرة إن وجدت، لمجرد الرغبة بالمساس بتجربة حكومية أو بوزير مشرف على قطاع الفلاحة ما يدفع لطرح السؤال. الدفاع عن الشرف في مواجهة الافتراءات دليل نخوة وعزة نفس، لكن ضمان شروط العيش الكريم للمواطنات تحصين لهن من السقوط في شرك استرخاص الذات. أما الاعتماد على الآخر في تحقيق النهوض الاقتصادي أو الدفع بعجلة التنمية مساعدات أو قروضا، فرهن لاستقلالية القرار وفتح للأبواب المشرعة على الابتزاز. تحصين الجبهة الداخلية وتخليق الحياة العامة وجعل النموذج التنموي سبيلا لتحقيق المواطنة والعيش الكريم شروط كفيلة بتحويل ما يبدو اليوم حلما إلى حقيقة تنفع البلاد والعباد بعيدا عن الأوهام.


أما من يعتقد من الماسكين بزمام الحكم بأرض الحرمين أن الارتماء في أحضان "انفتاح" مغشوش هو السبيل لقبول أوراق الاعتماد الأمريكي، وأن التخلي عن نصرة قضايا الأمة عربون لنيل الرضى الصهيوني فواهم سيستيقظ يوما على خراب مما جنت يداه. ترمب مصر على أن يفقد السعودية أقصى ما أمكنه من الرصيد الشعبي يسهل معه التهامها لقمة سائغة للمتربصين بعد أن يتخلى الراعي عن "البقر" بضرع جف لبنها وبدن سقيم.

 

ايلي بعده... كما قال آل الشيخ.

0
التعليقات (0)