كتاب عربي 21

ما بين باريس وطرابلس

السنوسي بسيكري
1300x600
1300x600

ختمت مقال الأسبوع الماضي المعنون "هل نقض المشري اتفاق باريس؟" بالقول إن لقاء رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري على قناة فرانس 24 كان مشبعا بالمبادئ، وذكرت أنه وكرد فعل محلي وخارجي على كلامه فإن ضغوطا يمكن أن تقع وتدفعه إلى الانتقال إلى الخطاب السياسي، فكان أن جاء لقاء "بلا حدود" من طرابلس سياسيا في مضمونه، وبعض مفرداته المطاطة و المثيرة للجدل.


هناك فروق في طبيعة اللقاءين باريس وطرابلس، من هذه الفروق ما هو فني متعلق بالمساحة المتاحة للحوار زمنيا، ومنها ما هو للاستعراض الإعلامي المرتبط بأسلوب المحاور الذي حرص على دفع ضيفه باتجاه تصريحات بعينها عبر الإجابة المباشرة على أسئلته التي كنت في لقاء باريس ملغومة.


ومن الفروق أيضا ما هو راجع لطبيعة الحراك الجديد بعد اجتماع باريس وردود الفعل المختلفة وحرص باريس على إنجاح مبادرتها بالضغط على الفرقاء.

 

ولا نستبعد أن يكون للطرف السياسي الذي ينتمي له المشري مساهمته في إعادة إنتاج خطابه ما بين باريس وطرابلس.


نتائج الظهور الإعلامي وردود الفعل عليه تكون في العادة موجهة وتظهر آثار التوجيه في اللقاء الإعلامي اللاحق، ويبدو أن هذا ما وقع مع المشري إذ كان لقاء طرابلس صادما لمن رفعوا له القبعة في مقابلة باريس إلى درجة أن البعض وضعه في مصاف الأبطال في لقائه الأول ونزل به إلى درك الخيانة في حواره الثاني، وهذا شطط لا تعود المسؤولية عنه إلى المشري وحده بل إلى المتلقي أيضا.


من المهم الإشارة إلى أن الخطاب السياسي "البراغماتي" في الأزمات يعود على صاحبه بالويل والثبور خاصة بين أنصاره أو من يصنفونه ضمن معسكرهم حتى وإن اختلفوا معه في بعض تفاصيل الخيار السياسي.


وإذا كان وضع القيادي السياسي حرجا لمحدودية وسائل القوة وأسباب النفوذ والحركة في مساحة ضيقة بفعل القيود المفروضة محليا ودوليا، فإن العبء عليه بلا شك مضاعف وسيكون الارتباك وحتى التخبط راجحا وذلك مع غياب الرؤية المتكاملة والموقف السياسي الواضح والمقاربة المتماسكة لأهم الملفات والخبرة في التعامل مع المطبات التي تكثر مع اشتداد الأزمة. 


وقع خليفة حفتر في تصريحات متناقضة مرات، واضطر إلى تبديل مواقفه المتشددة إلى أخرى مرنة، وتحول العدو عنده إلى شريك سياسي، لكن حفتر في وضع سياسي أفضل من ناحية الشعبية والنفوذ والدعم الدولي اللامحدود، لهذا لم يشكل ارتباكه عبأ كبيرا عليه، فسطوته ضمن جبهته تمنع من إحراجه وإضعافه، والظهير الدولي يجد المبررات لتلك الاخطاء ويجد بدائل لتلافي آثارها.


الوضع مختلف بالنسبة للمشري الذي يمثل رأس الجسم السياسي المناظر للبرلمان والجيش التابع له، ويتحمل أعباء لا يملك لها إمكانيات تكافئها.


بمعنى أن وضعه كقيادي سياسي مبرز بحكم منصبه سيكون سيئا اذا تكرر الصدود من الطرف الأخر بعد فشل مبادرته عقب لقائه برئيس البرلمان عقيلة صالح في المغرب الشهر الماضي، والوضع السيئ مصدره تراجع الثقة فيه داخل جبهته مضاف إليه رفض مساعيه في التقارب من قبل جبهة طبرق.


أما إذا نجحت جهود التقارب وخرجت العملية السياسية من شرنقة الجمود، فإن الارتياح الشعبي سيعوض المشري خسارته ضمن معسكره وربما سيكون سببا في مراجعة من انتقدوه لموقفهم منه.


التحدي يكمن في طبيعة الظرف السياسي اليوم، خاصة ما يتعلق بالحرب الدائرة في درنة والتي كانت أحد أسباب ردود الفعل المتضاربة ضد المشري، إذ في حال نجح حفتر في حسم الحرب لصالحه فإن جهود التقارب التي يعول عليها رئيس المجلس الأعلى للدولة لن تنجح إلا اذا تماهت مع شروط جبهة طبرق، وليس أقل من ذلك.


عندها سيكون الوضع بالنسبة للمشري وللمجلس الأغلى للدولة شديد الصعوبة، فالقريب يجفى والبعيد يقلى، ولا ظهير إقليمي أو دولي يوازن كفة الحلفاء الإقليميين والدوليين لجبهة طبرق.

التعليقات (0)