قضايا وآراء

هل يقود العبادي عملية انقلاب على خصومه؟

نظير الكندوري
1300x600
1300x600

بعد رفض وتمنُّع من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي للجهود التي يبذلها كثير من السياسيين البرلمانيين لاتخاذ إجراءات حاسمة ضد عمليات التزوير واسعة النطاق التي حدثت في الانتخابات النيابية الأخيرة، قام باتخاذ خطوة جريئة بالمصادقة على مقررات اللجنة الوزارية العليا بشأن خروقات الانتخابات، والتي شكلها لتقصي الحقائق بما يخص الدعاوي المشككة بالعملية الانتخابية وشبهات التزوير والخروقات التي ارتكبت فيها.

 

وقام العبادي بتبني توصيات اللجنة جميعًا وإحالتها للبرلمان لتشريع قانون فيها، والبرلمان الذي برئاسة سليم الجبوري كان بحاجة شديدة لهذه الدفعة من السلطة التنفيذية، للمضي بالجهود التي بدأها مبكرًا، كخطوة متقدمة لإلغاء تلك الانتخابات والاعداد لانتخابات جديدة.

 

تضمنت توصيات اللجنة بنودا جريئة، كان أبرزها، عدّ وفرز يدوي بما لا يقل عن 5% في جميع المراكز، وإلغاء نتائج انتخابات الخارج والنازحين.

 

ووجه مجلس الوزراء كافة الأجهزة الامنية بملاحقة المتلاعبين، واتخاذ الاجراءات القانونية بحقهم وفقا للقانون، كما وطلب مجلس الوزراء من المدعي العام تحريك دعاوى جزائية بناء على ما ورد بالتقرير ضد أمناء المفوضية، كما وقرر مجلس الوزراء منع سفر كافة الموظفين في المفوضية من درجة معاون مدير فما فوق، الى خارج العراق إلا بموافقة من رئيس الوزراء شخصياً. 


زاد البرلمان على توصيات اللجنة، بالدعوة بإعادة العد والفرز لجميع الصناديق الانتخابية في العراق وليس 5% فقط، جاء ذلك من خلال التعديل الثالث على قانون الانتخابات الذي أقره البرلمان العراقي في 8 حزيران / يونيو، وأمر بانتداب تسعة قضاة لإدارة مجلس المفوضية يتولون صلاحيات مجلس المفوضين بدلا من مجلس المفوضية الحالي، وإيقاف أعضاء مجلس المفوضين الحاليين ومدراء مكاتب المحافظات عن العمل لحين انتهاء التحقيق في جرائم التزوير.


من هذا كله نرى ان هناك خطوات مدروسة قد قام بها العبادي وبالاتفاق مع سليم الجبوري، لقلب الطاولة على الكتل الفائزة بالانتخابات النيابية المشبوهة، بما يشبه انقلابا أبيضا دون ان تراق فيه الدماء.

 

لكن هذا الانقلاب هل يبقى ابيضًا كما يريده العبادي والجبوري، أم يتحول لانقلاب أحمر إذا ما أصرَّ المتأثرون سلبًا بالقرار التنفيذي والتشريعي على رفضه وعدم التعامل معه؟ ويبدو ان العبادي قد استقر في ذهنه ان الاستمرار بالتحالفات الحالية سوف لا تضمن له ولاية ثانية، كما وان من الواضح انه قد اعطي ضوء أخضر من الطرف الأمريكي بحمايته والوقوف معه في انقلابه هذا.


جاءت ردود الأفعال الرافضة لتلك القرارات فوراً من الفائزين بالانتخابات، بدأها الصدريون الذي اعتبروا قرار البرلمان غير دستوري، أما الحزب الديمقراطي الكردستاني، فقد قال القيادي بالحزب هوشيار زيباري "ليس من صلاحية مجلس الوزراء تشكيل لجنة للتدخل في شؤون المفوضية، لأنها هيئة مستقلة، وحكومة العبادي تعتبر حكومة تصريف اعمال".

 

فيما أعلنت في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وقيادات في تحالف الفتح المنبثقة من فصائل الحشد الشعبي، موقفاً مشابه في رفضها لقرارات البرلمان. في الوقت الذي أيَّد تحالف أياد علاوي وتحالف الحكيم وباقي القوى السنيَّة تلك القرارات فيما عدا تحالف الكرابلة. 


أما القاضي عبد الستار البيرقدار المتحدث الرسمي باسم مجلس القضاء الأعلى فقد أعلن أن مجلس ‏القضاء سيقوم بتسمية قضاة للقيام بأعمال مجلس مفوضي ‏الانتخابات العراقية للإشراف على عملية اعادة العد والفرز اليدوي، وسيتم تنفيذ المهمة الموكلة لهم بموجب قانون التعديل الثالث لقانون الانتخابات الصادر عن مجلس النواب فورًا. وهذا يعني موافقة مجلس القضاء على كل مقررات مجلس النواب.


لكن حسب المقررات التي أصدرها البرلمان العراقي، فأنه قد تم إلغاء نتائج التصويت المشروط في مخيمات النازحين، والحركة السكانية لمحافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى وديالى، وأصوات النزلاء في السجون، وانتخابات التصويت الخاص في إقليم كردستان.

 

وهذه الأصوات تقدر بمئات الالاف من الأصوات إذا لم تصل إلى الملايين، فكيف ستكون العملية الانتخابية برمتها إذا ما اضفنا إليها الملاين التي عزفت عن المشاركة بالانتخابات؟ ستظهر لنا مشكلة جديدة تتمثل بأن ما تبقى من الأصوات المشاركة بالعملية الانتخابية، سوف لن تبلغ في أحسن أحوالها، النسبة ما بين 10% الى 20% من الذين يحق لهم التصويت، فهل تمرر عملية انتخابية بهذا المستوى المتدني من المشاركة؟ 


ان السيناريو المرجح إذا ما مضت الأمور على هذا المنوال، هو الطعن بكل العملية الانتخابية، والتوجه لإعادة إجرائها بعد بضعة شهور قادمة. لكن هل سيسمح الفائزون بالانتخابات، أن تتطور الأمور للدرجة التي يتم فيها إلغاء انتصاراتهم بهذه السهولة؟

 

من المؤكد انها لن تقبل بذلك، وهي تحاول الان ان تتخذ كل الإجراءات للطعن بقرار البرلمان، وقد أبدت مواقفها الرافضة لإلغاء العملية الانتخابية حتى قبل صدور تلك القرارات، وذلك من خلال تحذيراتها المعلنة بأن إلغاء الانتخابات سوف يدخل العراق بحرب أهلية، دون الإشارة إلى الأطراف التي ستخوض تلك الحرب الاهلية.

 

ولكن من الواضح ان هذه التحذيرات هي في حقيقة أمرها تهديدًا للأطراف الساعية لإلغاء الانتخابات، وإذا ما فشلت في الطعن بتلك القرارات فأن الباب ستكون مفتوحة لسيناريوهات دموية.


والانفجار الأخير الذي حدث في حسينية في منطقة الصدر في بغداد قبل أيام، يعطينا صورة واضحة إلى حجم وقوة الجماعات المسلحة من حيث كم ونوع تسليحها، وان اندلاع أي صراع عسكري بين تلك الأطراف السياسية، يعني إنها ستستخدم كل تلك الإمكانيات التسليحية، وجعل المناطق الاهلة بالسكان ساحة معركة ومكان لتصفيات الحسابات بين تلك الأحزاب السياسية.

 

ومن المرجح ان تكون مناطق واسعة من بغداد بالإضافة لمناطق جنوب ووسط العراق ذات الأغلبية الشيعية ساحة لتلك المعارك، أما في ما يخص مناطق الكرد ومناطق العرب السنَّة، من المرجح ان لا تشهد صدامًا عسكريًا مثل الذي سيحدث في المناطق الشيعية. 


وليس مستغرباً اذا ما اندلعت تلك المعارك وأصبحت على نطاق واسع واستغرقت وقتاً طويلًا، ان تنهار العملية السياسية برمتها، ذلك لان الأطراف المتصارعة هي من تمسك حقيقة بأعمدة تلك العملية.

 

إلا إذا طلبت حكومة العبادي تدخلاً دولياً بقيادة الأمم المتحدة وبمشاركة القوات الامريكية ومن يتحالف معها من دول عربية وغير عربية، للقيام بمبادرة لفرض خارطة طريق جديدة، يتم فيها بناء عملية سياسية جديدة، تتجاوز الأخطاء التي ارتكبت منذ عام 2003، وفيها ضمانات للولايات المتحدة، ان لا يكون لإيران ولا لأتباعها دوراً رئيسياً فيها. في هذه الحالة فقط يمكن انقاذ العراق من السقوط في مستنقع حرب أهلية ستكون اشرس وأقوى من كل المعارك الداخلية التي حدثت في العراق من بعد الاحتلال والى الان .

 

0
التعليقات (0)