سياسة دولية

ما حقيقة بيع مناطق أثرية وترفيهية وعسكرية بالقاهرة؟‎

حجة بيع تلك المناطق هو نقلها للعاصمة الإدارية الجديدة- أرشيفية
حجة بيع تلك المناطق هو نقلها للعاصمة الإدارية الجديدة- أرشيفية

تردد الحديث مؤخرا عن بيع مبان أثرية ومنشآت حيوية وعسكرية وحدائق ترفيهية على مساحات كبيرة بالقاهرة؛ بحجة نقلها للعاصمة الإدارية الجديدة.

وتزايدت التكهنات عن بيع مقر "الكلية الحربية" بمصر الجديدة، ومنطقة "أرض المعارض" و"قاعة المؤتمرات" بمدينة نصر، ومستشفى "العباسية للأمراض العقلية" بوسط القاهرة، وأرض "مسرح البالون" و"مطار إمبابة" وحديقتي "الحيوان" و"الأورمان" بالجيزة.

وزارة الزراعة كانت قد فتحت الباب للجدل بخبر عبر موقع "الدستور" السبت، قالت فيه إنها تدرس نقل الحيوانات آكلة اللحوم بحديقة الحيوانات بالجيزة لصحراء العاصمة الإدارية، وبعد ضجة أحدثها الخبر، نفي دكتور محمد رجائي رئيس حدائق الحيوان صحته.

وحديقة الحيوان مسجلة كأثر تاريخي، وتقع على مساحة 80 فدانا، وأنشئت عام 1891، وهي الثانية بالعالم بعد برلين، والأولى في النباتات والأشجار النادرة، وكانت تسمى جوهرة التاج لحدائق الحيوان بأفريقيا، وتعدّ من أعرق 4 حدائق من حيث تاريخ الإنشاء مع حدائق فيينا وباريس ولندن.

وما أثار تلك الضجة أيضا تصريحات سابقة لرئيس العاصمة الإدارية الجديدة، اللواء أحمد زكي عابدين، عن نقل المقرات والهيئات الحكومية والوزارات والبرلمان والكليات والمعاهد العسكرية ووزارة الدفاع للعاصمة الجديدة منتصف 2019.


وفي 25 أيلول/ سبتمبر 2017، قررت لجنة القاهرة التراثية برئاسة مساعد رئيس الجمهورية للمشروعات القومية، إبراهيم محلب، تشكيل لجنة لوضع تصور للتعامل مع مباني الوزارات والجهات الحكومية التي ستنتقل للعاصمة الإدارية.

وتناثرت أخبار بيع المواقع الهامة بالقاهرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبينها تدوينة للشاعر والناشط السياسي، حاتم العسكري، أكد فيها "بيع أرض حديقة الحيوان وأرض الكلية الحربية، بعد نقلهما للعاصمة الجديدة".


وقال البرلماني السابق زياد العليمي: "نقل حديقة الحيوان مش جديد، من 2008 والهدف بيع أرض حديقة الحيوان، ضمن مشروع جمال مبارك (مصر 2020)، اللي هو نفسه مشروع السيسي (مصر 2050)".


من مبارك للسيسي

وكسابق عهد مبارك في بيع شركات القطاع العام بأسعار بخسة للمستثمرين العرب والأجانب، اعتمد النظام الحالي على هذا المبدأ لجلب الأموال وتعويض عجزه الإداري وفشله الاقتصادي.

وتم بيع "مثلث ماسبيرو" الملاصق للتلفزيون المصري والمطل على نهر النيل لشركات إماراتية بحجة تخطيها بشكل حضاري، وظهرت منذ شهور خرائط تكشف تخطيط الشركات الإماراتية لجزيرة "الوراق" بمنتصف نهر النيل، بعد مطالبات الأهالي بإخلائها، فيما نشرت الصحيفة الرسمية، الأحد، قرارا باعتماد المخطط العمراني الجديد للجزيرة.

ومؤخرا، تم بيع "مجمع الألومنيوم" بنجع حمادي، وهو المجتمع الصناعي المتكامل بصعيد مصر لشركة متعددة الجنسيات، كما تم بيع أسهم شركة "الشرقية للكتان والقطن الإنتاج" بالإسكندرية بالبورصة، فيما أعلنت الحكومة مؤخرا طرح حصص مملوكة للدولة في 23 شركة بالبورصة، تبدأ بـ6 شرطات، الشهر المقبل.

وبقطاع الخدمات المالية، قررت الحكومة بيع "بنك القاهرة" وبنك "التعمير والإسكان" وباقي حصتها ببنك "الإسكندرية"، وشركة "مصر للتأمين"، وفي الموانئ المصرية بيع شركات "الإسكندرية لتداول الحاويات"، و"بورسعيد لتداول الحاويات"، و"دمياط لتداول الحاويات".

مشاريع التقبيح


وفي تعليقه، أكد الخبير الاقتصادي، إبراهيم نوار، أن الأمر لا يعدو فقط بيع بعض المنشآت، لكن النظام يقوم بمشاريع تقبيح وجه القاهرة، موضحا أن تلك المشاريع بدأت بتقطيع أوصال ميدان التحرير، وتحويله لعشوائية قبيحة تحتل قلب القاهرة.

وقال إن "ما يتردد بشأن حديقة الحيوان التاريخية في الجيزة ليس غريبا؛ لأن مشاريع تقبيح وجه القاهرة واغتيال هويتها تشمل هدم مبنى مسرح البالون والسيرك القومي، وبيع الأراضي التي يقومان عليها لمستثمرين، واستخدام إيرادات البيع في تغطية عجز موازنة الدولة".

وأضاف أن "مشروع التقبيح الآخر يتمثل في بيع أراضي معرض القاهرة الدولي، التي من المحتمل أن تشمل أيضا منشآت مركز القاهرة الدولي للمؤتمرات، وإقامة كتل خرسانية مكانها، متابعا: "ولن ينسى التاريخ أكبر وأقسى مشاريع تقبيح وجه القاهرة المتمثل في استخدام هضبة الأهرامات لتقام عمارات سكنية".

بيع للوطنية وللتراث


من جانبه، قال الاستشاري الهندسي، ممدوح حمزة، إنه "حديث مدفون نخاف أن يصبح حقيقة بين يوم وليلة، لذا وجب علينا أن نخبر الشعب ونواجه النظام بالحقيقة، ويجب علينا أخذ احتياطاتنا؛ حتى لا يتم التفريط في تراثنا وآثارنا وتاريخنا"، موضحا أن "بيع أي أراض بالقاهرة خط أحمر، ومهما كان الثمن فهو بيع للوطنية وللتراث وللتاريخ لا للأرض فقط".

وحول كون ذلك الحديث حقيقة أم إشاعات، أكد حمزة، لـ"عربي21": "أنا شخصيا سمعت أن أرض الكلية الحربية بمصر الجديدة ولما لها من مساحة شاسعة تباع، كما سمعت عن نقل حديقة الحيوان، إلى جانب جميع المباني الحكومية والوزارات التاريخية والأثرية".

وفي سؤال عن القيمة السوقية لتلك الأراضي وضرورة نشرها للمصريين حتى لا يتم بيعها بأثمان بخسة كما تم بيع شركات ومصانع القطاع العام في عهد مبارك، رفض الخبير المعماري وضع أسعار لتلك المناطق، وقال إن "مجرد وضع قيمة سوقية لها الآن يعني موافقة ضمنية على البيع وعمل مزاد للمزايدة على السعر، وهذا يعد خيانة للوطن"، مؤكدا أنه "يبيع رأس مال الشعب وأصوله الثابتة لكي ينفقها في لا شيء"، مخاطبا رأس النظام بقوله: "أتبيع تراثا مقابل بعض أوراق".

وأضاف حمزة: "لا أحد في العالم يبيع التاريخ والتراث، وإذا أرادت حكومة أي شعب أن تبيع فهي تبيع سلع تم إنتاجها لا تبيع تاريخ وطن"، مشيرا في حديثه إلى "شراء العصابات الصهيونية أرض فلسطين المحتلة بدايات القرن الماضي"، مؤكدا أن "هذه كانت بعض البدايات لاحتلال الأرض الفلسطينية وضياع الوطن والشعب الفلسطينيين".

وأكد أنه "لو قمنا بحملة -كما يقترح البعض- للتعريف بقيمة الأرض وثمنها الحقيقي، وحتى لا تباع بخسا، فمن يضمن لي أنها لا تذهب ليد الأجانب؟ ولو بعتها اليوم هل يمكن لي أن أستردها فقط بثلاثة أضعاف سعرها بعد عام؟"، مؤكدا رفضه بيع "حديقة الحيوان" و"الكلية الحربية" وجميع مباني الحكومة التراثية وأرض "الحزب الوطني" و"مجمع التحرير" وكل المباني ذات الجزور المرتبطة بتاريخنا وحضارتنا".

القيمة السوقية


وعبر عملية حسابية قام بها الكاتب الصحفي صبحي بحيري، أكد أن القيمة السوقية لحديقة الحيوان وحدها 1.6 مليار دولار، وقال عبر فيسبوك: "حديقة الحيوان بالجيزة مساحتها 80 فدان، والفدان 4200 متر، يعني 336 ألف متر لو المتر بـ5 آلاف دولار يبقى الناتج 1.6 مليار دولار، بالجنيه، اضرب في 18 يكون الناتج 30 مليار جنيه".

واتهم الباحث بالمركز القومي للبحوث، كمال مغيث، ‏النظام بالفشل ، وقال عبر "فيسبوك": "عندما يعجز النظام عن البحث عن الثروة بمليون كم مربع، وعلى ثلاثة آلاف كم من الشواطئ، وآلاف الكيلومترات المربعة من البحيرات، وبباطن جبال هائلة، وباستثمار ثروات حضارة وتاريخ عميق؛ فيلجأ لبيع الآثار وأرض حديقة الحيوان، فهو بالتأكيد نظام لصوصي وفاشل".

التعليقات (0)