ملفات وتقارير

بحكم قضائي.. "الإرجوت" القاتل مكون أساسي لرغيف خبز المصريين

يبلغ استهلاك مصر من القمح سنويا 10 ملايين طن وتستورد الحكومة كميات تترواح بين 5 و6 ملايين طن سنويا- جيتي
يبلغ استهلاك مصر من القمح سنويا 10 ملايين طن وتستورد الحكومة كميات تترواح بين 5 و6 ملايين طن سنويا- جيتي
أصبح من حق الحكومة المصرية استيراد قمح يضر بصحة ملايين المصريين، حيث أصدرت المحكمة الإدارية العليا، السبت، حكما نهائيا بإلغاء حكم محكمة القضاء الإداري بوقف استيراد القمح المصاب بفطر الإرجوت، وتأييد قرار الحكومة بالسماح باستيراده.

ويبلغ استهلاك مصر من القمح سنويا 10 ملايين طن، وتستورد الحكومة كميات تتراوح بين 5 و6 ملايين طن سنويا، أو نحو 45 بالمئة من حاجتها، من 15 دولة، أهمها روسيا وفرنسا وأمريكا وأوكرانيا ورومانيا.

ما خطورته وبأي الدول؟

و"الإرجوت" فطر عبارة عن أجسام حجرية شديدة الخطورة، يلوث شحنات القمح المستوردة من دول أوروبية، ويسبب اضطرابات عصبية للرجال، وإجهاضا متكررا للنساء؛ نتيجة الانقباضات المتتالية لدى الرحم، والصداع المزمن، والتسمم الحاد، ومرض السكري، وأمراض الكبد والقلب والسرطان، إلى جانب تهديده الثروة الحيوانية والداجنة.

وأثبت الأستاذ بكلية الزراعة جامعة القاهرة، الدكتور نادر نور الدين، بالتجربة على الهواء عبر فضائية "القاهرة والناس" في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، أن قمح الإرجوت سيقضي على الحياة بمصر؛ لأن سمومه شديدة الثبات، وأنه سيدمر صحة المصريين ويقضي على الإنجاب.


وكان معهد أمراض النبات بمركز البحوث الزراعية قد حدد 15 دولة موبوءة بفطر الإرجوت السام، وهي أمريكا والبرازيل وأستراليا والأرجنتين وكازخستان وبلغاريا وكندا وفرنسا وألمانيا والمجر وتركيا وبولندا ورومانيا وصربيا وأورجواي.

من يستورده؟

وتبرر الدولة استيراد القمح الملوث بالإرجوت بأن استيراد نوع خال منه مرتفع الثمن، ولا تستطيع موازنة الدولة تحمله، فيما تلجأ مافيا الاستيراد إلى إدخال هذا القمح بسب انخفاض سعر الطن، وهو ما يحقق لها أرباحا طائلة، ويضر في الوقت ذاته بالأرض والمحاصيل الزراعية المصرية الخالية تماما من هذا الفطر.

وتعد هيئة السلع التموينية المستورد الحكومي للقمح، إلى جانب شركة "فينوس إنترناشيونال" المملوكة لرجل الأعمال محمد عبدالفضيل، وشركة "كايرو ثري إيه" لرجل الأعمال رفعت الجميل، وشركة " الاتحاد التجارية"، لصاحبها الإماراتي علوان عبدون، وشركة "النجار" لحمدي النجار، وشركة "مطاحن الأصدقاء" لرجل الأعمال عاطف أحمد حسن، وغيرها من الشركات الخاصة، التابع بعضها لجهات سيادية مصرية.

وكان المتحدث باسم وزارة الزراعة، عيد حواش، قد كشف في أيلول/ سبتمبر 2016، عن طلب وزير الزراعة من السيسي التخلص من مافيا تجار القمح، على أن يقوم جهاز الخدمة الوطنية للقوات المسلحة باستيراده.

وتتحدث تقارير إعلامية عن امتداد إمبراطورية الجيش الاقتصادية لاستيراد القمح، وشراء شركات تابعة للمخابرات الحربية صفقات القمح الروسي على أنه إحدى أدوات التقارب مع الروس، ورغبة المخابرات العامة باستيراد القمح الفرنسي، عبر شركاتها "مالتي ترايد" و"ميدي تريد" و"مطاحن الأصدقاء"، وشركة "وكلاكس" لصاحبها رئيس اتحاد الغرف التجارية أحمد الوكيل، والتي كان يعمل بها وزير التموين المقال في آب/ أغسطس 2016، على وقع ملف فساد القمح، خالد حنفي.

فساد القمح

وتنتشر عمليات الفساد باستيراد القمح، وعاشت مصر أزمة فساد كبرى بواردات القمح للصوامع في عام 2016، وفي أيلول/ سبتمبر 2017، رفضت مديرية الحجر الزراعي، بميناء سفاجا تفريغ شحنة القمح الفرنسية، (59 ألف طن) لوجود بذور الخشخاش وفطر الإرجوت، بعد منع دخول شحنة رومانية (63 ألف طن) للسبب ذاته.

وتحقق نيابة الأموال العامة بقضية فساد جديدة تتعلق باستيراد القمح، وتورط إحدى الشركات الكبرى باستيراد القمح، بدفع رشوة لموظفين بهيئة السلع التموينية لإنهاء إجراءات شحنة قمح أوكرانية بها الإرجوت.

"قضي الأمر"

وأكد المحامي طارق العوضي، صاحب دعوى منع استيراد قمح الإرجوت، والحاصل على حكم القضاء الإداري، بمنع استيراد القمح المصاب بالإرجوت في كانون الأول/ ديسمبر 2017، أن قرار المحكمة الإدارية العليا اليوم، يعد باتا ونهائيا، ولا يمكن الطعن عليه، وأنه كصاحب الدعوى لم يعد لديه أوراق أخرى بالقضية، قائلا لـ"عربي21": "قضي الأمر، ليس لها من دون الله كاشفة".

قرار سياسي وضغوط غربية

وفي تعليقه، قال مستشار وزير التموين الأسبق، الدكتور عبدالتواب بركات، إن "السماح باستيراد قمح ملوث بفطر الإرجوت هي جريمة سياسية كبيرة تضاف لجرائم النظام بحق الشعب وصحة المصريين، وهي للأسف يجب ألا تمر"، مضيفا أنها أيضا "جريمة أكبر من أن يتم التشريع لها من أجل مجموعة من المستوردين".

أستاذ العلوم الزراعية، أوضح لـ"عربي21"، أنها "جريمة أيضا يرتكبها النظام؛ من أجل مصلحة الدول الداعمة للانقلاب، خاصة روسيا التي تستورد منها مصر نحو 50 بالمئة تقريبا من الأقماح، وتليها فرنسا وأكرانيا ورومانيا، الموبوءة جميعها بهذه الفطريات السامة والمسرطنة".

وأشار الأكاديمي المصري إلى ما تتعرض له مصر من ضغوط للسماح باستيراد القمح الموبوء، مؤكدا أن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للقاهرة، بكانون الثاني/ يناير 2018، كانت لأجل حل هذه المشكلة، والضغط على مصر، وحتى تسمح باستيراد الأقماح الملوثة بفطر الإرجوت".

وكانت صحيفة الأهرام الحكومية قالت في 16 أيلول/ سبتمبر 2016، إن "الإرغوت.. الوجه القبيح للتدخل في سيادة مصر"، مشيرة للضغوط السياسية الأمريكية والغربية والروسية على مصر بعد منع مصر القمح الملوث بالإرجوت.

بركات، أوضح أنه "أيا كان المستفيد من القرار، سواء الدول الداعمة للانقلاب المصدرة للقمح، أو مافيا الاستيراد، أم الجيش الذي يتدخل بالأمر المباشر لاستيراد القمح، إلا أن المواطن المصري هو المهدد في صحته تهديدا لم يسبق له مثيل"، مضيفا أن "الخاسر الوحيد هو شعب تسمح حكومته باستيراد أقماح مضرة بالصحة، وتهدد البيئة والزراعة المصرية الخالية حتى هذا القرار من الفطر السام، وبالتالي فالبيئة الزراعية والثروة الحيوانية والداجنة مهددة بتوطين هذا الفطر السام".

وأكد أنه لا "مبرر للحكومة أن تتخذ هذا القرار أو القضاء المصري أن يتورط بهذا الجريمة"، معتبرا أنه "قرار سياسي يضر صحة المصريين"، مضيفا: "وأربأ بالقضاء المصري بأن يتورط بهذه القرارات السياسية".
التعليقات (0)

خبر عاجل