قضايا وآراء

القمة الإسلامية والواجب الاقتصادي نحو الأقصى

أشرف دوابه
1300x600
1300x600

شهد الرابع عشر من الشهر الحالي (أيار/ مايو2017م)، نقل الرئيس الأمريكي (ترامب) السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس الشريف، أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى النبي الكريم، متحديا بذلك مشاعر المسلمين الذين يتعدون حاجز 1.8 مليار نسمة في بقاع المعمورة، في ظل تواطؤ عربي واضح من بعض الحكام الجدد صهاينة العرب. ومع ذلك توجه الفلسطينيون في غزة بصدور عارية ومسيرات سلمية للعودة، وإحياء قضية فلسطين في النفوس، حتى استشهد منهم أكثر من ستين شهيدا وأصيب أكثر من ثلاثة آلاف جريحا.

وقد تم هذا الحدث الجلل وعواصم عربية في سبات عميق، بل وتطبيع مع الصهاينة سرا أو جهرا لا يخفى على لبيب، ولم يتحرك لذلك سوى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بالدعوة لقمة إسلامية استثنائية لمنظمة التعاون الإسلامي باسطنبول، وسبق عمله قوله، ولم يتوان لحظة في وصف إرهاب العدو الصهيوني وجرمه. كما سعت دولة الكويت لاتخاذ موقف تجاه هذا العدوان؛ بطلبها من مجلس الأمن الدولي عقد اجتماعٍ عاجلٍ يوم 15 أيار/ مايو2018، واقترحت مشروع قرار بشأن حماية المدنيين، وإن قوبل ذلك بقيام الولايات المتحدة الأمريكية بعرقلة إصدار البيان الصحفي حول تلك الأحداث المرفوضة. كما أن هذا الحدث الجلل لم يحرك ساكنا لدى صهاينة العرب، فاجتمعت الجامعة العربية ليس على مستوى الرؤساء، بل على مستوى وزراء الخارجية، وبعد الحدث بأربعة أيام.

وقد لوحظ أن قمة إسطنبول لم تلق القبول على مستوى رؤساء الدول المطبعين سرا أو جهرا، فخلت القمة من وجودهم. ومع ذلك، فإن يوم الجمعة الماضي (18 أيار/ مايو2018) كان يوما تاريخيا في إسطنبول بامتياز، حيث خرجت مليونية تركية في ميدان يني كابي بحضور الرئيس التركي، لدعم قضية الأقصى والشعب الفلسطيني، ثم انعقد بعد الانتهاء منها مؤتمر القمة الإسلامية، الذي وصل لقرارات قوية نتمنى ألا تجهض على سندان صهاينة العرب. ومن هذه القرارات ما يتعلق بالجوانب الاقتصادية، من خلال تفعيل المقاطعة وتقديم الدعم المالي.

 

تعد هذه القرارات قرارات جوهرية، باعتبار المقاطعة سلاحا فعالا لنيل الحقوق، والحيلولة دون المزيد من تقليد دول أخرى للتوجه الأمريكي، فضلا عن التأثير على الاقتصاد الصهيوني

وقد تمثلت قرارات المقاطعة في قرارين أولاهما: اتخاذ التدابير اللازمة لتطبيق القيود الاقتصادية على البلدان أو المسؤولين أو البرلمانات أو الشركات أو الأفراد الذين يعترفون بضم القدس من طرف إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، ويحذون حذو الإدارة الأمريكية في قرارها نقل سفارتها إلى القدس الشريف، أو من يتعاملون مع أي تدابير تتعلق بتكريس الاستعمار الإسرائيلي للأرض الفلسطينية المحتلة.. وثانيهما: دعوة الدول الأعضاء والمجتمع الدولي الأوسع نطاقاً إلى حظر دخول منتجات المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية إلى أسواقها، واتخاذ تدابير ضد الأفراد والكيانات المتورطة أو المستفيدة من استمرار الاحتلال ونظام الاستيطان.

وتعد هذه القرارات قرارات جوهرية، باعتبار المقاطعة سلاحا فعالا لنيل الحقوق، والحيلولة دون المزيد من تقليد دول أخرى للتوجه الأمريكي، فضلا عن التأثير على الاقتصاد الصهيوني من خلال محاصرة منتجاته. وهذا السلوك اتخذه الاتحاد الأوروبي من قبل تجاه منتجات المستوطنات الإسرائيلية، بل وتتخذه أمريكا وإسرائيل ضد العديد من البلدان، وليس آخرها إيران.

 

إن ما توصلت له القمة على المستوى الاقتصادي هي خطوة مهمة تعيد بالذاكرة القرارات الاقتصادية التي اتخذتها الدول العربية إبان حرب 1973م


أما على جانب الدعم المالي، فقد اتخذت القمة أربعة قرارات مهمة، أول قرارين فيهما يتعلقان بتوفير التمويل اللازم للقدس وأهلها، بينما القراران الآخران يتعلقان بالدعم المالي للفلسطينيين عامة.

فقد جاء القرار الأول بالنص على "العزم على تخصيص جميع الموارد اللازمة للتصدي لأي محاولات تستهدف تغيير الهُوية الإسلامية والمسيحية لمدينة القدس الشريف أو تزوير تاريخها، بما في ذلك من خلال العمل سوية مع اليونسكو التي صنفت مدينة القدس القديمة وأسوارها ضمن التراث العالمي، والتنديد في هذا الصدد باستمرار الاحتلال الإسرائيلي الرامي إلى تغيير الوضع التاريخي القائم للحرم القدسي الشريف والمواقع الدينية والمقدسة الأخرى في مدينة القدس، بما في ذلك أعمال المداهمة المتواصلة التي تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي، وسماحها لمجموعات المستوطنين الإرهابيين بتدنيس باحة المسجد الأقصى بشكل يومي". ولعل هذا يتطلب الوقوف بحزم ضد الدور الإماراتي المشبوه في شراء بيوت الفلسطينيين لصالح الإسرائيليين.

أما القرار الثاني: فدعا إلى "تنفيذ القرارات السابقة المتعلقة بتمويل الخطة الإستراتيجية متعددة القطاعات الخاصة بالقدس، باعتبارها إطارا لتحديد أولويات التمويل الإسلامي المتعلق بمدينة القدس الشريف، ودعم احتياجات القدس الشريف ومؤسساتها وأهاليها؛ وفقاً للخطة الاستراتيجية المنقحة للفترة (2018-2022) ودعم المشاريع المدرجة فيها، بما في ذلك على وجه الخصوص دعم قطاع التعليم". وهذا فعلا ما يحتاجه أهل القدس في ظل معاناتهم من ارتفاع البطالة بينهم، ودونية العمل المعروض من عدوهم، وعدم توفير مصادر كافية لتوفير دخول لمعيشتهم.

أما القراران الثالث والرابع فيتعلقان بالدعم المالي للفلسطينيين من خلال الأونروا وإنشاء صندوق وقفي إنمائي. فقد أكدت القمة على الأهمية الخاصة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، التي تقدم خدمات حيوية لأكثر من 3.5 مليون لاجئ فلسطيني، وحثت الدول الأعضاء على زيادة دعمها لمبادرات الأونروا حفاظاً على ميزانيتها المستدامة.

كما رحبت القمة بإنشاء الصندوق الوقفي الإنمائي، وفق ما خلُصت إليه الدراسة الأولية التي قدمها البنك الإسلامي للتنمية، باعتباره أداة لزيادة الدعم للاجئين الفلسطينيين والدول المستضيفة لهم، ولتعزيز الدعم الجماعي المقدم من الدول الأعضاء، ولضمان التمويل المستدام لعمليات الأونروا في مجال الإغاثة الإنسانية والتنمية والحماية الاجتماعية؛ وحثت الدول الأعضاء على تسريع وتيرة تفعيل صندوق الوقف الإنمائي.

وهذان القراران في غاية الأهمية في ظل تعنت الرئيس الأمريكي في دعم الولايات المتحدة للأونروا، كما أن إنشاء صندوق وقفي يستخدم ريعه في تلبية متطلبات الفلسطينيين من الحياة الكريمة وتوفير فرص العمل لهم، هو خطوة مهمة لاعتماد الفلسطينيين على أنفسهم، ودفعهم دفعا نحو المزيد من الحفاظ على فلسطين أرض المسلمين وأرضهم.

إن ما توصلت له القمة على المستوى الاقتصادي هي خطوة مهمة تعيد بالذاكرة القرارات الاقتصادية التي اتخذتها الدول العربية إبان حرب 1973م. فقرارات هذه القمة تعد بحق قرارات نوعية ومهمة لتناولها الجهاد الاقتصادي السلبي من خلال المقاطعة، والإيجابي من خلال الدعم المالي. ولكن تبقى القضية ليست قضية قرارات بقدر أهمية تحويلها إلى واقع على الأرض، لا سيما بعد بروز محور صهيوني عربي لا يستحي من الكشف عن نفسه، ويمتلك من الأموال ما لا يحصى عده، وإن جعل تسخيرها للأمريكان بطريقة مباشرة من ناحية أو للصهاينة بطريقة غير مباشرة من ناحية أخرى.

كما تبقى أهمية إحياء قضية الأقصى في نفوس الشعوب الإسلامية ليظل نبض الأقصى حاضرا حتى تحريره ، في زمن استشرى فيه المرض في الشعوب بمرض حكامها، لا سيما الذين يعلنون منهم الولاء لإسرائيل وإساءة الأدب مع قضية المسلمين الكبرى قضية فلسطين.

التعليقات (0)