قضايا وآراء

"ما وراء" الدولة

حمزة زوبع
1300x600
1300x600

تحول شكل الدولة  أو كاد في العقود الأخيرة كما ذكرت في غير مقال سابق من دولة مؤسسات إلى دولة اللامؤسسات، بل وصلت في بعض الأحيان إلى عزب أو ملكيات خاصة يديرها البعض بالطريقة التي يراها وليست أمريكا الدولة العظمى التي تحكم العالم حاليا تحت إدارة دونالد ترامب ببعيدة عن هذا النمط .


فقد تخطى ترامب الدولة التقليدية أو دولة المؤسسات أو الدولة العتيقة أو العميقة أو العريقة وبدأ يتحرك من تلقاء نفسه متجاوزا  كل الأعراف والتقاليد التي فرضت لعقود طويلة على أي رئيس يسكن البيت الأبيض .


عبر التويتر -وليس عبر المتحدث الإعلامي للبيت الأبيض- أصبح ترامب متصلا بشعبه والعالم على مدار الساعة، فعبر ترامب وحده أنهى علاقة بلاده التجارية التقليدية القديمة مع الصين، ومع الشركاء الأوربيين .


وعبر تويتر بشر ترامب الصهاينة بخطته لنقل السفارة وعبر تويتر أيضا هنأ الصهاينة بهذا النصر العظيم ، وعبر تويتر يتحاور ترامب مع رئيس كوريا الشمالية وسط دهشة مؤيديه ومعارضيه .


وعبر تويتر يهدد ترامب ايران وينفذ تهديده بالانسحاب من الاتفاق النووي الذي وقعت عليه أمريكا جنبا إلى جنب مع الشركاء الأوربيين ، ولا يزال ترامب يواصل فرض شروطه وتهديداته عبر التويتر وليس عبر الوسائط الدبلوماسية المتعارف عليها .


يجلس ترامب على كرسي الحكم وهو مطارد بفضائح تكاد تعصف بأي رئيس يحترم نفسه ،ولكنه يصر على مواصلة خطف الدولة والتعامل مع العالم الخارجي وكأنه مدعوم من شعبه  أو محبوب من بني وطنه .


مع ترامب بفضائحه وطريقته في الإدارة يبدو وكأن الدولة انتهت ، وكأننا نعيش في عالم ما وراء الدولة أو ما يمكننا تسميته بالدولة المخطوفة .


ليس ترامب وحده هو من يقوم بهذا الدور ، بل لدينا اليوم نماذج عدة تم رصدها عبر تقريرين لكل من وول ستريت جورنال ووكالة أنباء رويترز مؤخرا عن كل من محمد بن سلمان والعسكر الذين يحكمون مصر منذ انقلاب  2013 .


في تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال WSJ يوم الخميس 17 مايو 2018 بعنوان "دليل محمد بن سلمان لجمع الثروة" كتبت الصحيفة عن كيف كون محمد بن سلمان ثروته الضخمة في سنوات قليلة من خلال وجوده في وظائف الدولة ومعرفة أسرار الصفقات التي تتم واحتياجات مؤسسات الدولة، وبالتالي مع توفر المعلومات وجد بن سلمان نفسه أمام كنوز المملكة وهو شاب ينتمي لأسرة قال عنها التقرير إنها فقيرة كان يعيش والده أمير الرياض لعقود على المساعدات التي يلقيها إليه ملك السعودية وقتئذ أخوه الملك فهد بن عبد العزيز .


في واحدة من قصص اختفاء الدولة بمؤسساتها قام ابن سلمان بالتسلل والتوغل والانتشار وفي صفقة من بين عشرات الصفقات نجح ابن سلمان في تحويل صفقة لشراء طائرات إيرباص لشركة الطيران السعودية إلى عملية تأجير هذه الطائرات ليس بغرض تقليص النفقات وليست بسبب قلة الموارد ولكن لأن ابن سلمان لما وصل إلى مركز صناعة القرار قام بتأسيس شركة خاصة قامت هذه الشركة بدورها بشراء الطائرات وتأجيرها للطيران السعودي ، يعني بدلا من أن تشتري الدولة عبر مؤسسة الطيران  الطائرات الجديدة اشتراها ابن سلمان وقام بتأجيرها للطيران السعودي متجاوزا كل الإجراءات القانونية إذ قامت الخطوط السعودية بالتعاقد مع شركة ابن سلمان دون جلب عروض أخرى للتأجير ، رغم أن الشركة لم تكن تنتوي التأجير بل الشراء ولكن دخول ابن سلمان غير مجرى كل شيء لكي تستفيد شركته أو مجموعة شركات ، هنا يثور السؤال: أين الدولة ؟


الإجابة هي أنهم يعيشون في عالم ما وراء الدولة وليس من وراء الدولة ، فابن سلمان وبجرة قلم قام بالغاء الدولة وإجراءاتها المتعارف عليها ليعيد بناء الإجراءات وفق ما يراه هو وليصبح بعد قليل "أنا الدولة".


بالطبع سوف يقفز إلى ذهنك إجابة ابن سلمان عن سؤال لماذا يشتري قصرا فخما في فرنسا وقاربا بحريا ولوحة فنية بملايين الدولارات؟ لماذا هذا البذخ؟ قال ساعتها إنه رجل ثري من أسرة ثرية ولكن تقرير وول ستريت جورنال يكشف للعالم أنه محدث نعمة وأن الثراء الذي هبط عليه من سقف السلطة هو ما جعله يتصرف بجنون ، فلم يكن ابن سلمان يحلم يوما ما بكل هذه الثروة التي أتت بجرة قلم ، قام فيها بإلغاء الدولة لصالح محمد بن سلمان.


في تقرير آخر نشرته وكالة رويترز بتاريخ 16 مايو 2018 تحت عنوان (من غرف العمليات الحربية إلى مجالس الإدارة.. شركات الجيش المصري تزدهر في عهد السيسي) تحدث عن ثروة الجيش المصري والتي هبطت عليه من سقف الدولة التي تم الاستيلاء عليها بحة استعادة المسار الديمقراطي على رأي جون كيري وزير خارجية أمريكا الأسبق إبان عهد الرئيس الأمريكي السابق أوباما تعقيبا على انقلاب الثالث من يوليو حين أقنع الصهاينة الإدارة الأمريكية بأنه ليس انقلابا بل استعادة الدولة من قبضة الإخوان الذين تم اتهامهم بأنهم جاءوا ليحكموا لعقود طويلة .


في التقرير تكتشف عزيزي القارئ كيف انتهت الدولة المصرية بكل مواصفاتها ومؤسساتها لتتحول تدريجيا إلى مجرد جيب صغير في بدلة العسكر أو  في الصديرية التي يرتديها الجنرالات تحت البزة العسكرية التي يظهرون بها في الاحتفالات العسكرية الخالية قطعا من أي نصر عسكري حقيقي،
في التقرير المشار إليه تحولت الصناعات المدنية إلى فرص استثمارية لجنرالات العسكر . وكلما وصلتهم معلومات بحكم انتشارهم وتحكمهم من خلال مناصبهم كمحافظين أو رؤساء هيئات أو بلديات أو شركات أو وزارات، زاد انتشار الشركات والمؤسسات الاقتصادية العسكرية ، حتى بات اقتصاد مصر مصبوغا باللون الكاكي ولم يعد للقطاع الخاص مكان حسب تقرير صندوق النقد الدولي الذي أوصى بحياء إلى أهمية وجود القطاع الخاص .


يندفع العسكر وراء الفرص فرحين بالثروات التي هبطت عليهم كما هبطت على علي بابا وهو يدخل المغارة ، وكلما توغلوا اكتشفوا ثروات مصر المدفونة وبدلا من استخراجها لصالح الشعب وعبر مؤسساتها ، استخرجوها لأنفسهم متجاوزين الدولة والسلطة والشعب ، وهنا يثور سؤال: أين الدولة ؟

 

اختفت الدولة تحت عباءة السلطة ، والسلطة هنا هي البدلة الميري ، تماما كما اختفت الدولة في السعودية أو الإمارات تحت عباءة الأمير أو الحاكم .


إذا أردت اليوم أن تعرف ما هي الدولة في مصر والإمارات والسعودية ومعظم ممالك الخليج ، فلا تتعب نفسك بالبحث في دهاليز المؤسسات المتعارف عليها ، يكفيك اتصال واحد بالرجل القابع على كرسي السلطة وستصل إليك الدولة حيثما كنت .


لا تتعبك نفسك لم يعد هناك دولة ولا حتى شبه دولة .
 

1
التعليقات (1)
مصري جدا
الأربعاء، 23-05-2018 09:06 م
الشعوب صامته وساكته بل خرساء ،، عن رضا او قهر ،،، استلذ حمزة دعك من ترامب فلديه شعب يعرف كيف يحصل على حقوقه ،،، خليك في الوكسة والنكبة الكبرى للمصريين الذين اضاعوا الثورة الحلم ،، كالتي نقضت غزلها ،،،

خبر عاجل