صحافة دولية

نيويورك تايمز: هل أصبح الصدر يمثل "وجه الاعتدال" بالعراق؟

نيويورك تايمز: تغير مواقف الصدر السياسية جاء نتيجة الأزمة التي تسبب بها تنظيم الدولة- جيتي
نيويورك تايمز: تغير مواقف الصدر السياسية جاء نتيجة الأزمة التي تسبب بها تنظيم الدولة- جيتي

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحافية مارغريت كوكر، تقول فيه إن العراقيين لا يزالون مسكونين بالذكريات المرعبة لفرق الموت، من الشباب الذين يلبسون الزي الأسود، ويجوبون شوارع بغداد قبل عقد من الزمان، يطهرونها من السنة.

 

ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "كثيرا من المذابح كانت ترتكب باسم مقتدى الصدر، وهو رجل دين يتذكره الأمريكيون بخطبه النارية، حيث كان يعلن أن الواجب الديني يقتضي مهاجمة القوات الأمريكية".

 

وتقول الكاتبة إن "المليشيا التي يقودها الصدر كانت مسلحة من إيران، حيث شكل حلفا قويا مع القيادات الإيرانية، التي كانت حريصة على إحلال حلفائها مكان الجنود الأمريكيين في العراق، لتؤدي دورا مهما في تشكيل مستقبل البلد". 

 

وتلفت الصحيفة إلى أن الرجل الذي كانت أمريكا تعده أحد أخطر التهديدات للسلام والاستقرار في العراق، أصبح الآن الرابح المفاجئ لانتخابات هذا الشهر في العراق، بعد أن تبنى طرحا شعبويا مناهضا للفساد، وجذب شعاره "العراق أولا" الناخبين من طوائف مختلفة.

ويبين التقرير أن النتيجة جعلت كلا من واشنطن وطهران متحفزتين، حيث يريد المسؤولون من الجانبين أن يؤثروا في بناء الحكومة الائتلافية، التي ستأخذ وقتا لبنائها، خاصة أن الصدر، بالرغم من كسبه أكبر عدد مقاعد من بين الأحزاب (54 مقعدا)، إلا أن هذا لا يعطيه أكثرية مطلقة في برلمان مؤلف من 329 مقعدا.


وتنوه كوكر إلى أنه حتى قبل الإعلان عن النتائج النهائية يوم السبت، فإن الصدر، الذي لم يرشح نفسه للانتخابات، استبعد أن يتولى رئاسة الوزراء، وأوضح من هم أقرب حلفائه السياسيين، وكان في أعلى القائمة رئيس الوزراء، حيدر العبادي، شريك أمريكا في الحرب على تنظيم الدولة، الذي كان ترتيب حزبه في الانتخابات الثالث، لافتة إلى أن الأحزاب المقربة من إيران كانت غائبة عن قائمة الصدر؛ لأنه بعد أن كان مدعوما من إيران فإنه أصبح ينظر إليها على أنها قوة مزعزعة للاستقرار في السياسة العراقية.

 

وتذكر الصحيفة أن رئيس الوزراء قام بلقاء الصدر في بغداد صباح الأحد، وناقشا تشكيل حكومة، فيما قال مستشارو الجانبين بأنهما متفقان على موضوع مكافحة الفساد. 

ويجد التقرير أنه "ليست هناك ضمانات بأن تشارك كتلة الصدر في الحكومة، ومن المبكر الحكم على أثر هذه الانتخابات على الاستقرار في العراق، إلا أنه من الواضح أن هذه الانتخابات أضعفت الطائفية في النظام السياسي العراقي، وساعدت في تحويل الصدر من رمز للتطرف الشيعي إلى رمز للإصلاح والقومية العراقية".

وتفيد الكاتبة بأن "الصدر، كونه زعيما لتحالف سائرون للإصلاح، فإنه يرأس تحالفا غريبا، يجمع بين قاعدته الشعبية من الطبقة العاملة من الشيعة، وكبار رجال الأعمال السنة، والليبراليين، والعراقيين الذين يبحثون عن الارتياح من الأزمة الاقتصادية المزمنة التي تعاني منها البلاد".

 

وتشير الصحيفة إلى أنه بالنسبة لمن يريدون أن يقرروا الانضمام لتحالف الصدر، فإنه من الضروري أن يقتنعوا أن تحوله هذا هو تحول مخلص، وأنه سوف يستمر، فعندما بدأ يتصل بالمجموعات الأخرى خارج جماعته، ليعرض حركة سياسية، بدأ اليساريون والعلمانيون يقيمون العرض، فبالأمس كان الصدر يقيم محكمة شرعية كانت تحكم ضد الشيعة، الذين كانوا يعدون مستسلمين للمحتل الأمريكي، بالإضافة إلى أن الكثير من العراقيين قتلوا في معارك بين مليشيا الصدر وقوات الأمن العراقية.

ويستدرك التقرير بأن مجموعة مشكلة من شيوعيين وديمقراطيين اجتماعيين وفوضويين يقفون مع الصدر، بصفته رمزا للإصلاح الذي دعوا له لسنوات طويلة، لافتا إلى أن هذه صورة استطاع رجل الدين أن يصقلها بصفتها أفضل طريق للنفوذ السياسي.

 

وتنقل كوكر عن زعيم الحزب الشيوعي، الذي أصبح جزءا من تحالف الصدر، رعد فهمي، قوله: "للأمانة نقول إنه كان لدينا الكثير من المخاوف والكثير من الشكوك.. لكن صوت الفعل أعلى من صوت الكلام، ولم يعد مقتدى الصدر هو نفسه". 

وتذهب الصحيفة إلى أن التغير في مواقف الصدر السياسية جاء نتيجة الأزمة التي تسبب بها تنظيم الدولة، عندما استولى على مناطق واسعة في شمال العراق وغربه عام 2014، بحسب المتحدث باسم الصدر الشيخ صالح العبيدي، حيث أدى العنف الذي تبع ذلك إلى تحول في المزاج العام: شعور بأن الطائفية كانت هي سبب الكثير من معاناة البلد.

ويلفت التقرير إلى أن الصدر، الذي هو سليل عائلة عريقة من رجال الدين، غير فلسفته السياسية بناء على أسس براغماتية، وشرح برنامج ترشح حزبه خلال مقابلة تلفزيونية مع الفضائية التي يملكها، حيث قال إنه يهدف لتعيين محترفين -وليس موالين للحزب- في مواقع النفوذ، كون ذلك طريقة لبناء مؤسسات الدولة التي تخدم الشعب، بدلا من خدمة السياسيين.

 

وتورد الكاتبة نقلا عن مدير برنامج الشرق الأوسط التابع لمجموعة الأزمات الدولية جوست هلترمان، قوله إنه بالنسبة لمدى النجاح الذي يمكن للصدر أن يحققه في الإصلاح، فإن المسألة مفتوحة، خاصة أن بناء ائتلاف يحقق أكثرية يعاني من التحالف مع وجوه أعرب الناخبون عن عدم رضاهم عنهم في الانتخابات، وهؤلاء السياسيون الآخرون "سيخسرون الكثير بسبب جهود الإصلاح".

 

وتذكر الصحيفة أن الصدر، البالغ من العمر 45 عاما، رفع شعار "العراق أولا" في السياسة الخارجية، ووسع معاداته لأمريكا، التي ركز عليها، وذلك بتوجيه النقد اللاذع لإيران، بالإضافة إلى أنه بنى جسورا مع حلفاء أمريكا في العالم العربي، مثل ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.

 

وينقل التقرير عن مستشاري الصدر، قولهم إن الصدر اليوم هو غير الصدر الذي أطلق عليه جورج بوش الابن: أشد أعداء أمريكا في العراق، لافتا إلى أنه التقى دبلوماسيين غربيين، بعضهم قتل جنودهم من مليشيا الصدر، وقالوا إنهم يبحثون سبل التعاون مع قائد له نفوذ، وأبدوا استعدادهم نسيان الأحداث الماضية، وبأنهم يأملون في إيجاد أرضية مشتركة لاحتواء نفوذ إيران في العراق.

 

وتستدرك كوكر بأن "كثيرا من العراقيين ليسوا مقتنعين بأن مواقفه الجديدة ستدوم، ومن بينهم عدد من قيادات القوات الأمنية الرفيعة، الذين يحاولون بناء تسلسل قيادي مركزي على حساب المليشيات الطائفية، التي حسنت من سمعتها بسبب مساعدتها في هزيمة تنظيم الدولة، لكنها لا تزال تحتفظ بسمعتها بالفوضوية والخروج عن القانون". 

 

وتنوه الصحيفة إلى أن المجتمع السني لا يزال حذرا تجاه الصدر، لكن السنة أعطوا أصواتهم لكتلة العبادي، مشيرة إلى أنه يمكن لائتلاف يتضمن الصدر والعبادي أن يشكل جسرا مهما للهوة الطائفية في العراق.

وبحسب التقرير، فإن الصدر قد ذاع صيته بعد الغزو الأمريكي والسيطرة على بغداد عام 2003، حيث قامت المليشيا التي كان قد شكلها حديثا بتوزيع الطعام على الفقراء، والدفاع عن الشيعة ضد ما رآها الكثير الاعتداءات الأمريكية، مشيرا إلى أنه خلال حالة الفوضى هذه تم قتل رجل الدين العراقي عبد المجيد الخوئي في النجف، ما صدم ملايين الأتباع، واعتقد الكثير من داخل المؤسسة الدينية الشيعية بأن الصدر أمر بقتله بسبب ثأر عائلي قديم.  

وتقول الكاتبة إن أمريكا قامت باستصدار مذكرة توقيف، لكنها لم تجد أحدا في القيادة الشيعية مستعد لدعم اعتقاله، بحسب المسؤولين العراقيين والأمريكيين، فيما أنكر الصدر أي علاقة له بالاغتيال، مشيرة إلى أن المسؤولين الأمريكيين يرون بأن تردد القيادة السياسية في اعتقال الصدر عكس موافقة ضمنية على الحرب الطائفية التي شنتها المليشيا التابعة له ضد السنة.

 

وتشير الصحيفة إلى أن الاحترام لمليشيا الصدر تحول مع مرور الوقت إلى اشمئزاز، حيث أصبحت وحدات المليشيات تعمل مثل المافيا في الابتزاز والاختطاف والاحتيال، حتى في المناطق الشيعية، وتسببت ردة الفعل المتنامية بأن يقرر الصدر الذهاب إلى إيران عام 2007. 

 

ويلفت التقرير إلى أنه في 2008، وفي الوقت الذي كان فيه الصدر لا يزال في إيران، فإن رئيس الوزراء نوري المالكي قام بإرسال الجيش إلى البصرة لوقف عنف المليشيات هناك، وكانت هناك معركة شديدة قتل فيها 215 رجل مليشيا وجرح 600، منوها إلى أن هذه الضربة حيدت الصدر لفترة، وقام الصدر بتوجيه أمره للمليشيا بالنوم، لكنه لم يأمرها بنزع السلاح.

 

وتبين كوكر أنه مع حلول عام 2012، حصل الصدر، الذي عاد من إيران، على نفوذ كاف ليقود التصويت على سحب الثقة من المالكي، وهو تحرك أدى إلى إدخال العراق في أزمة جديدة، لافتة إلى أن البلاد دخلت في 2014 في أزمة أخرى، عندما سيطر تنظيم الدولة على ثلث العراق، وقام الصدر بدعوة المليشيا التابعة له لتنضم إلى قوات الأمن العراقية، والتحالف الذي تقوده أمريكا للقتال ضد المتطرفين.

 

وتفيد الصحيفة بأن الصدر وجه اهتمامه للمظاهرات التي قام بها اليساريون والعلمانيون في بغداد؛ للمطالبة بحقوق الموظفين الحكوميين والمتقاعدين، وكانت ضد عدم المساواة وغياب الخدمات الضرورية، كالكهرباء والصحة، مشيرة إلى أن المؤسسة السياسية لم تعر اهتماما للاحتجاجات، لكن الصدر رأى في مطالبهم صدى لمطالب قاعدته الشعبية، فحاول بناء علاقة مع هذه المجموعات، بالرغم من اختلاف فلسفة كل منهما.

 

وبحسب التقرير، فإن أنصار الصدر قاموا على مدى العامين الماضيين، بمشاركة الشيوعيين والناشطين المظاهرات، وهي جهود أدت إلى بناء احترام متبادل، لافتا إلى أن قيادة الحزب الشيوعي قامت في الخريف الماضي بزيارة الصدر في النجف. 

 

وتورد الكاتبة نقلا عن فهمي، وهو أحد القيادات الشيوعية، قوله بأن رفاقه لم يكونوا متحمسين ابتداء للتحالف مع شخص يداه ملطختان بدماء كثيرة، لكنهم اقتنعوا بأنهم بحاجة لشخص له شعبية؛ للتمكن من إحداث تغيير سياسي في البلد. 

وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول فهمي: "فماذا لو كان الصدر اليوم هو وجه الإصلاح؟.. ماذا يهمني ما دام هناك إصلاح؟ إنه شخص يستطيع تحريك الملايين.. فإن تحسن مجتمعنا بسببه فسأكون أول من يهنئه".

التعليقات (0)