كتاب عربي 21

الآثار الجانبية لنقل السفارة والمجزرة في غزة

طارق الكحلاوي
1300x600
1300x600
تفعيل قرار الإدارة الأمريكية بنقل السفارة الى القدس المحتلة والمجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال ضد أبناء غزة؛ سيتركان بالضرورة آثارا جانبية طويلة الأمد. يمكن حصرها في مستويات دولية وأخرى إقليمية.

لنبدأ بأثر ذلك على العرض الأمريكي "الصفقة الكبرى". فمثلما أوضحت "وول ستريت جورنال"، بناء على مصادر أمريكية وعربية مطلعة بالأمس، فإن خطة ترامب "للسلام" التي ما تزال سرية؛ ستتعرّض لرياح معاكسة بعد المجزرة. ومثلما تشير الصحيفة، فقد "أثرت عملية نقل السفارة سلبا على الحكومات العربية التي يمكن أن تساعد في جلب الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات".

وثيقة ترامب التي يبدو أنه تم استكمالها، والتي قال مسؤولون أمريكيون إنها "تقدم مقترحات لمعالجة الخلافات حول الحدود والأمن واللاجئين"، ستكون أحد أركان السياسة الأمريكية في المنطقة، وإحياء للانخراط الأمريكي في "عملية السلام" بعد آخر جولة من المفاوضات خلال إدارة أوباما في عام 2014.

وقال مسؤول بارز في ادارة ترامب للصحيفة الأمريكية: "دورنا لا يعيق التوصل لاتفاق على أي جانب. دورنا هو الخروج بخطة نعتقد أنها واقعية. دورنا هو الخروج بخطة نعتقد أنها نزيهة". وأضاف: "يجب أن يدرك الجميع أن نقاط الحوار في السبعين سنة الماضية لم تحقق السلام".

بيد أن عواصم عربية، خاصة الرياض وأبو ظبي، حاولت دون جدوى حماية صفقة ترامب عبر تأجيل نقل السفارة، لكنها لم تفلح في ذلك، وهي تتخوف الآن من غياب أي ظروف مناسبة لتسويق "خطة السلام" والانخراط فيها، وإقناع الفلسطينيين بجدواها.

الأثر الجانبي الآخر هو بلا شك تقوية أوراق طهران في المنطقة. فبعد المنازلة التي تمت أساسا عبر الجو بين تل أبيب وقوات موالية في طهران في الأراضي السورية، أصبح من الواضح أن انفلات الوضع وتطوره نحو حرب أكثر توسعا أمر ممكن واحتمال واقعي، قياسا بسرعة تطور الفعل ورد الفعل، مثلما حدث في الأسبوع الماضي. وليس هناك شك في أن الأجواء مناسبة بالنسبة لإيران وحلفائها للدفع نحو تصعيد ضد إسرائيل، بما أن ذلك متطابق مع الشعور العام لدى الرأي العام العربي بالضيم وبالخذلان من قبل النظام الرسمي العربي؛ والإذلال بسبب هذه الخطوة.

الأثر الجانبي الثالث هو التقليل من الحصار الإعلامي والسياسي على حماس في غزة، حيث نجحت الأخيرة في الحرب الإعلامية، وهذا باعتراف إسرائيلي. فبعد استشهاد العشرات من الفلسطينيين على أيدي الجيش الإسرائيلي خلال الاحتجاجات يومي الاثنين والثلاثاء، قال متحدث باسم قوات الاحتلال إن الوفيات تسببت في خسارة إسرائيل للحرب الدعائية ضد حماس.

وفي حديثه يوم الثلاثاء، اعترف اللفتنانت كولونيل جوناثان كونريكس بأن الجيش فشل في تقليل عدد الوفيات خلال الاحتجاجات وأن بعض الناس قد قُتلوا عن طريق الخطأ من قبل القناصة الإسرائيليين. كما استشهدت طفلة من أبخرة الغاز المسيل للدموع خلال الاحتجاجات، حيث استشهد ما لا يقل عن 60 فلسطينيا.

يقول كونريكس: "لم نتمكن من تبليغ رسالتنا للتعبير عن الصورة كما نراها من جانبنا، وما ندافع عنه، و"الصورة الفائزة" بأغلبية ساحقة، بالضربة القاضية، للأسف، كانت تلك التي خرجت من الجانب الفلسطيني". ويضيف كونريكس: "لقد تسبب لنا عدد الضحايا في أذى هائل، للأسف، وكان من الصعب جدًا سرد قصتنا".

حماس التي يبدو أنها ستحاول تقوية أوراقها أكثر بإعادة طرح ملف التفاوض على الأسرى وإطلاق سراح جنديي الاحتلال، إذ نشرت ما يفيد برغبتها بالقيام بذلك على حسابها في تويتر بالإنكليزية، لكن عرجت على التصلب الإسرائيلي، وهو ما تم نفيه بسرعة من قبل متحدث إسرائيلي عبّر عن استعداد تل أبيب استئناف المحادثات.

أخيرا، الأثر الرابع هو وضع تركيا التي حققت نقاطا قوية في خضم أزمة نقل السفارة، خاصة بعد إبعاد السفير الإسرائيلي في أنقرة وصورة تفتيشه من قبل الامن التركي بشكل مذل قبل ركوبه الطائرة التي ستعيده إلى تل أبيب، إضافة إلى المؤتمر الإسلامي الطارئ حول نقل السفارة. وهكذا أصبحت إسطنبول مركز رد الفعل الرسمي في المنطقة ضد السياسات الإسرائيلية حول الجامعة العربية والقاهرة. في المقابل، يزيد السيسي في عزلته بتمسكه بحالة عطالة استراتيجية في الملف الفسلطيني، باستثناء استعداده التموقع في "صفقة ترامب" لحماية عرشه لا غير.

الأثر الخامس هو بطبيعة الحال تقهقر متزايد لواشنطن كعراب واقعي وجدي في المنطقة، حيث أصبحت على يمين تل أبيب، ويجد حلفاؤها حرجا في تسويقها كذلك. إذ يحفر ترامب بخطى متسارعة قبرا واسعا للتموقع الأمريكي طيلة عقود، ويحيلها إلى مجرد منفذ طوعي للطلبات الإسرائيلية. إذ لم تكن مجرد مصادفة تجنب أي رئيس أمريكي سابق عدم تفعيل التعهد الأمريكي الرسمي بنقل السفارة، وكان أساسا شرطا أساسيا لـ"حياد" شكلي أمريكي تجاه مكونات الصراع في المنطقة.

في الخلاصة، لا تبدو مختلف هذه الآثار الجانبية في المصلحة الإسرائيلية، وما تفعله هو ببساطة إضعاف تموقع تل أبيب لا غير، وهو ما يجعل فرح نتنياهو بالخطوة الأمريكية مجرد تعبير على الحالة الميؤوس منها للطرف الإسرائيلي.
التعليقات (0)