صحافة إسرائيلية

هذه هي تأثيرات المقاومة على الجيش والمجتمع في إسرائيل

أشارت الإحصائيات إلى انتحار أكثر من مائة جندي خلال سنوات الانتفاضة- أرشيفية
أشارت الإحصائيات إلى انتحار أكثر من مائة جندي خلال سنوات الانتفاضة- أرشيفية

أدى استخدام المقاومة الفلسطينية لمختلف الأساليب القتالية إلى خشية الجنود الإسرائيليين أن يكونوا هدفا دائما لرجالها، ما عمل على شيوع بعض المظاهر الخطيرة في أوساط الجيش، وهي الانتحار، خشية من قتلهم بين لحظة وأخرى برصاص المقاومين، ما دفع لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست لطرح الموضوع للنقاش، وتبين أن هناك إحصائيات مقلقة تمثلت بـ:


- 50% من عمليات الانتحار تتم في الأشهر الستة الأولى من التجنيد.


- عدد المنتحرين في الوحدات الهجومية يقارب عددهم في الوحدات الداخلية.


- أشارت الإحصائيات إلى انتحار أكثر من مئة جندي خلال سنوات الانتفاضة، وهذه المعطيات لا تشمل الجنود المنتحرين من جنود الاحتياط.

كما انتشرت في أوساط الجنود الذين يخدمون في الأراضي المحتلة ظاهرة جديدة تتمثل في (طقوس الموت)، حيث يقومون بقراءة نصوص من التوراة على الجندي المرشح للموت، واستكمال باقي الإجراءات التي تتم مع الموت الحقيقي.

وقد تم تكليف رئيس قسم القوى البشرية في الجيش الإسرائيلي بالعمل للحد من هذه الظاهرة، حيث اقترح خطة تهدف لتقليص حيازة الأسلحة بين الجنود العاملين في الوحدات الداخلية، أو من يمرون بدورات تأهيل غير هجومية.

وتحدثت تقارير أمنية عن حالات الضعف المسيطرة على الجيش الإسرائيلي، وكانت بداية الصدمة في التقرير السنوي لمراقب الدولة الذي شكل فضيحة للمؤسسة العسكرية، إذ أظهر انعدام الجاهزية لدى الجيش، سواء على صعيد التخطيط وإدارة الموارد، أو الاستعداد للحرب المعلوماتية، أو مواجهة صواريخ القسام القادمة من الفلسطينيين.

وأسفرت المقاومة عن انتشار ظاهرة الفرار من الخدمة العسكرية، التي عبرت عن أزمة حقيقية في الجيش؛ نظرا لتفاقمها المطرد، ففي حين أن ما بين 20-25% لا يخدمون في الجيش الإسرائيلي تحت حجج مختلفة كالمرض وادعاء التدين (حيث منح القانون الإسرائيلي عام 1948 استثناءات للطلاب المتدينين) والزواج بالنسبة للفتيات، فإن عدد الفارين لأسباب سياسية واقتصادية وخوف أمني على السلامة الشخصية زرعته المقاومة في تزايد مستمر.

وقد كان للمقاومة آثار بعيدة المدى على الداخل الإسرائيلي، وجدت ترجمتها على أرض الواقع من خلال بحث الكثيرين من الإسرائيليين عن أماكن ودول وأراض أكثر أمنا، بعد أن تحول العيش في إسرائيل إلى كابوس مرعب لا يطاق، وبعد الانكماش الاقتصادي المتفاقم، رغم أن هؤلاء المهاجرين خارج البلاد وصفهم "إسحق رابين" ذات مرة بأنهم "نفاية الضعفاء"، وذلك في ضوء أن الهجرة للخارج كانت تعد إلى أمد قريب من المحرمات الكبرى في المجتمع الإسرائيلي.

وبناء على استطلاع خاص أجراه معهد "موتغيم" شمل 14% من الجمهور اليهودي الراشد ممن تتراوح أعمارهم بين 45-54 عاما، فإن الكثير راغبون بالهجرة من إسرائيل.

وازداد الطلب على خبراء الهجرة، الذين راكموا معلوماتهم عبر الزمن من السفارات والوسطاء، لأن لديهم كل الطرق للحصول على جواز سفر إضافي، حيث يقول أحدهم: منذ اندلاع الانتفاضة وعودة العمليات الفدائية، أتلقى عشرات المكالمات الهاتفية لطلب الاستشارة، ويقولون له: نريد ملاذا تحسبا ليوم عاصف.

ويضيف: ما يميز جميع من يطلبون الاستشارة للهجرة هو: الفزع، الخوف، الهستيريا، الإحساس بالعجز، القلق، الخوف من الغد، يقولون: معظم آبائنا ناجون من الكارثة النازية، نحن نحب البلاد، لكننا لم نعد قادرين على التحمل، لقد أصابنا الانهيار، فقدنا الأمل، بتنا نخاف من نشوب حرب كبرى، ونخاف على مصير أولادنا! نحن خجولون من طلب الهجرة.. ولكن ماذا نفعل؟

فيما يقول أحد مسؤولي تجارة العقارات أن الوضع الأمني في إسرائيل بعد سلسلة عمليات المقاومة أدى لموجة اهتمام بشراء العقارات في الخارج، وتقترب الزيادة من 30%، حيث يعطيهم المنزل في الخارج اطمئنانا نفسيا، وهم من سكان مدن تل أبيب، رامات هشارون، كفار سابا، وهي المناطق التي تركزت فيها العمليات.

ويذكر هؤلاء أسباب مغادرتهم وشراء منزل في الخارج أن أهمها فقدان الأمن الشخصي، حيث يقول أحدهم: لقد وصلنا إلى وضع صرنا فيه غير قادرين على الجلوس في مقهى.

ويقول آخر: نحن الذين نغادر العاقلون، والذين يبقون في إسرائيل هم المجانين! إننا نؤمن بالفكرة الصهيونية، ولكننا تنازلنا عن وظائف ممتازة في فلوريدا حين هاجرنا إلى إسرائيل، لكن عندما يقع انفجار تحت أسماعنا وأبصارنا فإننا نصاب بالانهيار، ولذلك فور وقوع أي عملية تبدأ الاتصالات الهاتفية من أهالينا وذوينا الذين بقوا هناك يسألوننا: ماذا تفعلون هناك في إسرائيل؟ متى سترجعون إلى البيت؟!
أحدهم يعمل دليلا سياحيا غادر للولايات المتحدة مع عائلته معترفا بكل وضوح: إنني بكل تأكيد أعترف.. لقد خضعت للإرهاب، هذا بصراحة هو الوضع، لا أفتخر بذلك، ولا أدعو للاقتداء بي، لكن لا يمكن أن يقال لنا أن نبقى هنا إذا لم يكن في الإمكان ضمان سلامتنا! المشكلة أننا طوال عقود طويلة منذ قيام الدولة، لا ننجح في ضمان أمننا، هذا هو سبب ترك البلد، الشعور السائد هو أنه لا يوجد مخرج.

من جهته، اختار أستاذ علم النفس في جامعة تل أبيب عنوانا بليغا لدراسته نشرها في إحدى المجلات العلمية الإسرائيلية، وهو: كئيبون.. عاجزون.. لماذا؟ قال فيه: لقد أصبح المزاج الإسرائيلي خلال الانتفاضة مجموعة من التوقعات أبرزها: التعرض لحوادث مقيتة، الفشل في إيجاد حل، نشوء توقعات سلبية! كلها باتت تكون لدى الإسرائيليين شعورا جديدا اسمه: العجز المكتسب.

التعليقات (0)