مقالات مختارة

انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني

شفيق الغبرا
1300x600
1300x600

أدى إعلان الرئيس ترامب يوم الثلاثاء 8 أيار/مايو 2018 عن انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي الإيراني بالإضافة لفرضه لعقوبات جديدة على إيران لرفع منسوب التوتر في الشرق الأوسط.

 

لم يأت الاتفاق النووي الإيراني بالأساس من فراغ، بل أقر الإنفاق النووي عام 2015 بعد مفاوضات شاقة استمرت لسنوات مع إيران و الصين وروسيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا. لقد فتح ترامب جبهة جديدة على رئاسته المتوترة.


ويتضح من ردة الفعل الأولى أن العالم لم يرحب بالانسحاب الأمريكي، فروسيا أعلنت بأن الانسحاب تهديد للسلم والأمن العالميين، بينما اعتبر الإتحاد الأوروبي بأن الانسحاب الأمريكي خاطئ، إذ وفق موغيريني مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي: «لا تتركوا أحدا يفكك الاتفاق….الاتفاق ملك لنا جميعا». 


من جانب آخر أعلن ماكرون رئيس فرنسا بأن: «فرنسا وألمانيا وبريطانيا يأسفون للقرار الأمريكي بالانسحاب من اتفاق إيران النووي». أما تركيا فعبرت بلسان الرئيس أردوغان عن مخاوفها و بان الانسحاب من الاتفاق سيؤدي لزعزعة الاستقرار. 


وفي المقابل إن تصريح الرئيس الإيراني روحاني حول انتظار إيران للمواقف الأوروبية والروسية والصين لترى مدى مقدرتها على الاستمرار في الاتفاق في إطار حماية المصالح الإيرانية.هذا يؤكد على مدى تروي إيران في التعامل مع الانسحاب الأمريكي. 


لقد أصر الرئيس روحاني بأن الاتفاق ليس فقط مع الولايات المتحدة بل مع مجموعة من الدول وهو بالتالي ليس ملكا للولايات المتحدة لتقرر مصيره. الرئيس روحاني سيعطي فترة زمنية قليلة ليرى ماذا ستفعل الدول الأخرى كالصين وأوروبا وروسيا وان كانت هذه الدول ستضمن المصالح الاقتصادية لإيران أم ستخشى من فرض عقوبات أمريكية عليها.


ويأتي توقيت هذا القرار الأمريكي بعد اعتراف ترامب بالقدس المحتلة عاصمة للدولة الإسرائيلية، وهي خطوة استفزازية تجاه العرب والمسلمين، لكن الانسحاب الأمريكي يأتي أيضا قبل أيام من بداية نقل السفارة الأمريكية للقدس بل وقبل أيام من ذكرى النكبة يوم 15 ـ 5، خاصة وان مسيرات العودة هذه الجمعة 11 أيار/مايو 2018 ستكون في واحدة من أعلى وأجلى تعبيراتها.


إن الانسحاب الأميركي يأتي بالتالي في ظل وضع هو الأسوأ بالنسبة لعزلة الولايات المتحدة الإقليمية ومدى تداخل سياساتها بل وتطابقها مع السياسة الإسرائيلية وسياسة نتنياهو بالتحديد.


لم يصل الرئيس ترامب للموقف الراهن القاضي بالانسحاب من الاتفاق مع إيران إلا بتأثير من مساعديه اليمينيين الأكثر تطرفا كمستشاره لمجلس الأمن القومي بولتون، ووزير خارجيته بومبيو. 


لقد ضغط نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي من أجل هذا القرار فكان له ما يريد. القرار الأمريكي لا علاقة مباشرة له بالنووي، بل بالصورايخ الإيرانية وتطويرها وبأثر تقدم إيران الإقليمي على إسرائيل وعلى ميزان القوى في الشرق الأوسط.


بالنسبة لإسرائيل لم تعد الجيوش العربية ذات تأثير، لكن إسرائيل تخشى كلا من إيران وتركيا، وفي الحالتين تسعى لمحاصرة الدولتين.


ويقع كل هذا الهجوم والتهديد لإيران في وقت تملك إسرائيل أكثر من مائتي قنبلة نووية، لا أحد في العالم يتحدث عن الصناعة النووية الإسرائيلية وعن رفض إسرائيل التوقيع على اتفاقية عدم نشر الأسلحة النووية، لا احد يتحدث عن الذي يقع في المنشآت النووية الإسرائيلية القادرة على تدمير الشرق برمته. وفي المقابل لا تمتلك ايران قنبلة نووية واحدة، وقد وقعت إيران على اتفاقية عدم نشر الأسلحة النووية مع الوكالة الدولية للطاقة منذ عقود، كما ان وكالة الطاقة الدولية أكدت أن إيران ملتزمة بالاتفاق النووي وبالرقابة الدورية.


لقد أوقفت إيران ثلثي المفاعلات الخاصة بالتخصيب النووي، وتخلصت من معظم اليورانيوم المخصب، وقد فعلت كل هذا من أجل فوائد اقتصادية ورفع حقيقي للعقوبات و من اجل جذب الاستثمارات العالمية. لكن أيا من هذا لم يقع. هذا أساس مأزق ايران الراهن، وهو مأزق الحمائم في القيادة الإيرانية ممن راهنوا على التفاهم مع الولايات المتحدة والمنظومة الدولية.


إن إلغاء الاتفاق النووي الإيراني سيدفع إيران بصورة أكبر نحو تركيا بالإضافة لروسيا، وهذا سيجعل أوروبا في حالة تململ واضح تجاه السياسات الأمريكية. في هذه المرحلة يتطوّر مأزق السياسة الأمريكية العالمي التي تقوم على سياسة الدفع بالأمور نحو الحافة، وهي سياسة لن تؤتي ثمارها بسبب سقوط الكثير من هيبة ومكانة الولايات المتحدة. بل سيشكل إلغاء الاتفاق تأكيدا على أن الإدارة الأمريكية لا تلتزم بتوقيعها، فكل إدارة بإمكانها ان تلغي ما قامت به الإدارة السابقة دون الالتفات لمدى التزام الأطراف في الاتفاقية. هذا واضح أيضا في اتفاقية المناخ الذي انسحبت منه إدارة ترامب. 


إن فرضية أن العقوبات الأمريكي ستدفع الشعب الإيراني للانتفاض على النظام لا تعمل وهي فرضية فاشلة. فالعقوبات بحق الدول كما شاهدنا في السابق مع كوبا والعراق وليبيا وغيرها لم تؤد لهذه النتيجة. 


إن الانسحاب من الاتفاق النووي سيفعل فعلا توحيديا في صفوف النظام الإيراني، فافتعال أزمات مع إيران يضعف المعارضة الإيرانية كما ويحرك قوى جديدة لدعم النظام. إن فرض العقوبات سيدفع إيران بنفس الوقت لزيادة تأثيرها في أكثر من موقع في العالم العربي (وضح ذلك في الانتخابات اللبنانية مثلا) وسيدفعها لزيادة تركيزها على القضية الفلسطينية. 


إن اثر الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي سيكون حاضرا في الشهور القادمة في قضايا مختلفة من سوريا لليمن وذلك بالرغم من محاولات أوروبا وروسيا وتركيا وغيرها حصر تلك الآثار في أضيق نطاق ممكن. وهذا لا يبدو أنه ممكن إن استمرت الإدارة الأمريكية الراهنة وصولا لأفق المواجهة العسكرية الإيرانية الإسرائيلية في سوريا.


لقد وجد اليمين الإسرائيلي وحلفاؤه في إدارة ترامب فرصة لقلب موازين السياسة حول إيران، لكنهم بنفس الوقت وجدوا فرصة لإضعاف منطقة الخليج وتقسيمها واستنزاف مواردها وأموالها وبيع المزيد من السلاح لدولها. لقد بدأ كل هذا الوضع مع حصار قطر منذ عام، كانت تلك البداية لتوتير إقليم الخليج وإفقاده للحد الأدنى من الاستقلالية. 


بالمقابل لم تعرف الولايات المتحدة عزلة وسقوطا مثل الذي تمر به الآن سوى في مرحلة حرب فييتنام وأزمة ووترغيت. هذه العزلة ليست فقط في الخارج، فسياسة ترامب تواجه نقدا شديدا في الداخل الأمريكي. المشروع الأمريكي لن يستعيد مكانته من دون العودة إلى طريق العدالة والديمقراطية في الداخل والخارج.

 

جريدة القدس العربي

1
التعليقات (1)
اينشتاين
الخميس، 10-05-2018 04:27 م
الإدارة الأمريكية بقيادة ترمب ورطت الاتحاد الأمريكي وفق الرغبة الإسرائيلية ، التورط بلغ نسبة متقدمة لا يمكن معها الرجوع إلى الوراء ، وفوق ذلك أتم الإسرائيليون مشروع سحب البساط بواسطة ترامب من تحت أقدام الخليجيين ، لكن بالرغم من ذلك كله تبقى استراتيجية إسرائيل في إدارة المواجهة من وراء قناع هي سيدة الموقف ، من يعتقد أن إسرائيل ستنوب عن الخليجيين في مواجهة إيران فهو مخطئ ، العمل على توريط الخليجيين في مواجهة إيران باسم التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات يتم بوتيرة متسارعة جدا ، إسرائيل ترى في ذلك فرصة تاريخية لتحقيق مآربها . الشهور القليلة القادمة ابتداء من شهر رمضان المعظم ستحمل الجديد حول مخطط إسرائيل بالعمل على تفعيل لهيب المحرقة المشتعلة أصلا على أرض الشام . الجديد في المقابل لن يصنعه الخليجيون ، ولا كل العرب ، بكل تأكيد ، الجديد يصنعه الأتراك والإيرانيون بكل تأكيد ، هذا هو المطلوب الذي يتوافق مع معطيات المرحلة وطبيعة الصراع وأهم مخرجاته زمانا ومكانا ، أما روسيا فإنها مؤهلة فقط لتحتل دور المتفرج أو المراقب في أحسن الأحوال .