صحافة دولية

نيويورك تايمز: هل كان قرار ترامب بشأن إيران شجاعا؟

نيويورك تايمز: كان قرار ترامب شجاعا بشأن الصفقة الرديئة مع إيران- جيتي
نيويورك تايمز: كان قرار ترامب شجاعا بشأن الصفقة الرديئة مع إيران- جيتي

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للصحافي بريت ستيفنز، يقول فيه إن من أسخف الحجج التي تستخدم لتبرير الالتزام بالاتفاقية النووية مع إيران، هي الادعاء بأننا يجب علينا الوفاء بوعودنا.

 

ويشكك الكاتب بصيغة الجمع في موضوع الوعد، حيث يقول إن إدارة أوباما رفضت طرح الاتفاقية للتصويت في الكونغرس؛ لمعرفته بأنه لن يستطيع الحصول على ثلثي أصوات مجلس الشيوخ، حيث لم يوافق على الاتفاقية سوى 21% من الشعب الأمريكي في وقتها، في الوقت الذي عارضتها نسبة 49%، بحسب استطلاع لمؤسسة "بيو بول"، "ومررت الاتفاقية بناء على 42 صوتا ديمقراطيا بالحيلة ضد أكثرية من الحزبين".

 

ويشير ستيفنز في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن مساعدة وزير الخارجية للشؤون الدستورية حينها، جوليا فرايفيلد، كتبت رسالة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، للنائب حينها مايك بومبيو، موضحة أن "خطة العمل المشتركة الشاملة ليست اتفاقية، وليست وثيقة موقعة"، لافتة إلى الاتفاقية باسمها الرسمي، وهو ما يشكك في كونها صفقة، أو أن لها أي وزن قانوني.

 

ويقول الكاتب إن "القلاع التي تبنى على الرمال السياسية تأتي الموجات الانتخابية لتزيلها، وهذا كان مصير خطة العمل المشتركة الشاملة، التي افتقرت للحكمة والأسس السليمة، فجاء دونالد ترامب وقتلها يوم الثلاثاء، برفضه تجديد رفع العقوبات عن الجمهورية الإسلامية، وكان محقا تماما في ذلك، على افتراض أنه تم التفكير بشكل جدي في الخطوات التي تلي ذلك".

 

ويلفت ستيفنز إلى أن "بعض من كان يقول إن الصفقة هي أفضل ما كان يمكن الحصول عليه قاموا في الأسابيع التي سبقت هذا الإعلان، باقتراح تعديلات لإصلاح الاتفاقية، ومن تلك المقترحات عقد صفقات جانبية بين واشنطن والعواصم الأوروبية لفرض عقوبات أشد على طهران؛ بسبب استمرارها في تجريب الصواريخ البالستية -حيث أجريت أكثر من 20 تجربة منذ التوصل إلى تلك الصفقة- وعدوانيتها المتزايدة إقليميا".

 

ويستدرك الكاتب بأن "المشكلة في هذه المقاربة هي أنها تعالج أعراض المشكلة، التي تعد الاتفاقية ذاتها المسبب الرئيسي لها، وكانت تلك الصفقة قد أضعفت القيود التي فرضتها الأمم المتحدة على تجارب الصواريخ البالستية، وهو ما لا يمكن إعادته إلا بموافقة روسية وصينية، وهو ما لن يحدث".

 

ويجد ستيفنز أن "تخفيف العقوبات منح إيران دخلا إضافيا، استطاعت استخدامه لتمويل أفعالها القذرة في سوريا، وتمويل وكلائها المتطرفين في اليمن ولبنان وغيرهما من المناطق، وأي محاولة لقتال إيران في تلك البلدان ستكون جهدا لمحاربة القوى التي نغذيها.. فلم لا نتوقف عن تغذيتها؟".

 

وينوه الكاتب إلى أن "المبررين للصفقة يجيبون بأنه ثمن يستحق الدفع؛ لأنه يعني أن إيران توقفت عن إنتاج الوقود الذري على مدى السنوات القادمة، لكن حتى الآن، فإن القيود النووية المفروضة على إيران أخف من تلك المفروضة على كوريا الجنوبية، وسيسمح لها بتخصيب أي كميات بعد انتهاء مدة الصفقة.. وهذا جنون".

 

ويبين ستيفنز أن "المبررين يدعون بأن قرار ترامب سيعني ببساطة أن إيران ستعود إلى أنشطة التخصيب على نطاق صناعي، وقد يحصل هذا، ما سيتسبب في أزمة قد تؤدي إلى ضربة للمواقع النووية الإيرانية، تقوم بها أمريكا أو إسرائيل، لكن ذلك سيكون غباء، والنظام الإيراني ليس غبيا، والمتوقع أكثر هو أن تتخذ إيران خطوات رمزية نحو التخصيب كنوع من التهديد، لكن دون القيام به فعلا، فما يريده النظام هو إعادة مفاوضات، وليس محاسبة".


ويتساءل الكاتب: "لماذا؟ لأنه حتى مع نظام تخفيف العقوبات لا يزال الاقتصاد الإيراني في وضع سيئ، وقد نشرت صحيفة (وول ستريت جورنال) يوم الأحد تقريرا، قالت فيه إن هناك (مئات حالات التململ العمالي في إيران، وهو مؤشر على الخلاف الوطني المتعمق بسبب المشكلات الاقتصادية)، وقد وصل الريال هذا الأسبوع إلى أدنى مستوياته، حيث وصلت قيمة الدولار إلى 67800 ريال إيراني، وقدر عضو برلمان إيراني بأن النفقات الإيرانية في الأشهر الأخيرة وصلت إلى ما يقارب 30 مليار دولار، وهذه أموال طائلة بالنسبة لبلد لا يساوي فيها إجمالي الناتج المحلي إجمالي الناتج المحلي في ولاية بوسطن". 

 

ويفيد ستيفنز بأن "النظام قد يقدر أن استراتيجية المواجهة مع الغرب قد تساعد على إيقاظ الحس الوطني، لكن عليه أن يخطو بحذر: فالإيرانيون العاديون غاضبون لتبذير حكومتهم الأموال التي حصلت عليها من تخفيف العقوبات على دعم نظام بشار الأسد، وها هي الظروف التي أدت إلى ما سميت الحركة الخضراء عام 2009 تعود ثانية، ولن يساعد إيران إن حاولت بدء حرب مع إسرائيل وخرجت منها مدماة".

 

ويذهب الكاتب إلى أن "هذا كله يعني أن الإدارة الأمريكية في وضع جيد لإعادة التفاوض على صفقة قابلة للحياة، لكنها أضاعت فرصة الشهر الماضي، عندما فشلت في توجيه ضربة قاصمة لبشار الأسد، دمية إيران في سوريا، لاستخدامه الأسلحة الكيماوية، كما أن مناشدات ترامب للشعب الإيراني بدت فارغة من رئيس لا يمكن اعتباره مدافعا عن الليبرالية، وازدرى حقوق الإنسان بصفتها أداة للدبلوماسية الأمريكية، بالإضافة إلى أنه يجب على أمريكا أن تصلح العلاقات مع شركائها الأوروبيين لمواصلة سياسة دبلوماسية منسقة".  

 

ويوضح ستيفنز أن "الهدف هو وضع حكام إيران أمام خيار أساسي، فيمكنهم اختيار أن يكون لديهم اقتصاد فاعل خال من العقوبات، ومفتوح على الاستثمار، مقابل التخلي عن الخيار النووي بشكل دائم، ويمكن التأكد منه ودون رجعة، والتخلي عن دعم الإرهابيين، أو أن بإمكانهم متابعة طموحاتهم النووية مقابل الدمار الاقتصادي واحتمال الحرب، لكن لم يعودوا مستحقين لصفقة الحبيب باراك أوباما، برفع العقوبات أولا والإبقاء على خيارهم النووي، ودعم الإرهاب خلال ذلك".

 

ويختم الكاتب مقاله بالقول إن "قرار ترامب الجريء بالانسحاب من الصفقة النووية سيجعل الرهانات واضحة أمام طهران، والآن سنرى إن كانت الإدارة قادرة على متابعة هذا الأمر".

التعليقات (0)