كتاب عربي 21

من أين يبدأ تحرير القاهرة؟

جمال الجمل
1300x600
1300x600

(1)
تحرير فلسطين يبدأ من القاهرة، لكن من أين يبدأ تحرير القاهرة؟.. بعد 70 عاما من النكبات المتواصلة دخل الحكام العرب إلى مستعمرات الهزيمة فخورين بالمستقبل، بعد أن كانوا يبررون تلك الهزائم صاغرين.. صارت الهزيمة "واقعية"، وصارت فلسطين عقبة في طريق التعايش السلمي، ومانعا من الاستقرار في المنطقة، وقطعة أرض يتاجر بها الحكام للاستثمار الناجح مع "العدو/ الحبيب"، بينما تبقى الشعوب العربية في حالة صدمة مروعة، وتشوش يبهج صناع "الفوضى الخلاقة"، وعجز مؤلم عن الفعل أو حتى رد الفعل؛ لأن إصرار الخارجية الصهيونية على تنظيم الاحتفال الواسع باغتصاب فلسطين على نيل القاهرة، ولذلك دلالات رمزية يجيد الصهاينة توثيقها من احتفال خفي سابق عند سفح الأهرامات قبل ثورة يناير، إلى الاحتفال الذي أقيم هذا العام فوق الأرض التي كانت في السابق أول معسكر قيادة للجيش الوطني في مصر، المعسكر الذي انطلقت منه ثورة عرابي، في فندق بين جامعة الدول العربية ومبنى المتحف المصري، وعلى بعد أمتار من تمثالي عمر مكرم في الجنوب الشرقي والفريق الشهيد عبد المنعم رياض في الشمال الشرقي.

(2)
كانت مقولة "تحرير فلسطين يبدأ من القاهرة" هي المقولة التي نُسبت إلى الضابط جمال عبد الناصر، باعتبارها مقولة "النكبة التي أفضت إلى ثورة"، لكنها اليوم تحولت إلى سؤال حائر افتتحت به مقال: "ومن أين يبدأ تحرير القاهرة؟".

لا أستطيع أن أعكس الإجابة بسهولة وأقول من فلسطين، حيث يجهز الشباب الحر لمسيرة العودة، حيث الحجارة تهدد الكيان العدواني المسلح، وحيث الطائرات الورقية تهدد طائرات الأباتشي والإف 16، وحيث تقاوم القلوب الخضراء إرهاب المفاعلات النووية.. لا أستطيع أن ألقي بمسؤولية تحرير القاهرة على شباب غزة، وأنتظر شفاء القلب لمجرد الرهان على علاج الجرح النازف.. الجرح الذي كان يسمى فلسطين، فصار الآن يسمى غزة أو الضفة أو القدس أو "السلطة" أو "اللاجئين"، أو "وهم الدولة المسخ التي لا ترضى بها إسرائيل"، فماذا جرى للعرب؟.. ماذا جرى للقاهرة؟ وماذا جرى لفلسطين؟

(3)
فلسطين التي كانت ماء القلب في مصر، صارت بعيدة وغريبة. يكفي أن نتتبع لغة الإعلام الرسمي عن فلسطين والفلسطينيين لنكتشف هول الخيبة، وأثر النكبة العظيمة التي وصلنا إليها:

"لعنة الله على الفلسطينيين..!/ خونة / حماس منظمة إرهابية..!/ السلطة الفلسطينية عميلة للغرب وإسرائيل..!/ محاكمة رئيس مصري بتهمة التخابر مع حماس..!/ القبض على عدد من الفلسطينيين يتسللون عبر حدود أم العروبة..!/  إعلامي مصري شهير يبشر شعب العروبة: الحرب القادمة لتأديب المجرمين في غزة..!/". 

والمؤسف حقاً أن لغة الإعلام المنكوب أثرت على أعداد من عبيد الأنظمة المغيبين بفعل سحر الطمس والتدجين، وتحولت الشعوب إلى شراذم تتباين نظرتها لفلسطين، وتنكفئ على أحزانها وأوهامها، صارت النكبة بحجم لغة العرب، صار لكل شعب عربي فلسطينه، صار لكل عربي جرحه، وقضيته، فبدا يتبجح وهو يصافح العدو، ثم يرشق "راية نضاله" في عين أخيه وعليها شعار العرب الجديد: أنا ومن بعدي الطوفان!

(4)
كتب أحد المناضلين المصريين القدامى مقالا يسخر فيه من حملات التضامن مع الشعب الفلسطيني أثناء الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، قال فيه: إن من يطالبون بالتضامن مع غزة عليهم أن يتضامنوا أولا مع مصر، يكفي ما قدمناه للقضية، فقد ضحينا كثيرا ثم تلقينا جزاء سنمار. علينا أن نهتم الآن بأنفسنا ونترك الفلسطينيين يحملون قضيتهم!

(5)
أمثال هذا "المناضل المنهزم" هم إفرازات النكبة التي سهلت للصهاينة "غزو القاهرة" وغرس نجمة داود في عين النيل، لكن هل انتهى الصراع بنكبة نهائية لا نهوض منها؟ هل ضاعت فلسطين في فلسطين، وخسرت التعاطف في مصر، وتحولت إلى أرض للاستثمار في مشروع نيوم، أو صندوق زكاة لأثرياء الخليج، أو ضحية لقوادين وقوى إقليمية "تستخدم" القضية أكثر مما "تخدم" القضية؟

لا أملك إجابة؛ لأن الإجابة رهن الإرادة، رهن الأمل، رهن الفعل، وأنا ممن يعرفون ويؤمنون بأن فلسطين لن تموت، وأنها ستظل من القضايا العالقة التي ترفض الانطفاء. فالفلسطيني ليس هنديا أحمر، ولن يكون، ثمة شيء أعمق مغروس في ذاكرة الفلسطيني.. ثمة "جينات تاريخية" تستعصي على المحو، ولا تتأثر (إلا مؤقتا) بذلك الهوان العربي المخجل؛ لأن فلسطين مهما عانت ستظل أقوى من ضعفنا، أكبر من هزائمنا، أبقى من حكامنا، ومن تجار الشعوب، لكنني كمصري لا زلت أفتش عن بلدي محاولا استعادة الدور المفقود، لا زلت أسأل سؤالي الحائر المؤلم: من أين يبدأ تحرير القاهرة؟


[email protected]

التعليقات (5)
اينشتاين
الجمعة، 11-05-2018 09:12 م
المسمى إبراهيم ، هل تستطيع أن تحدد طبيعة الأصنام التي تقصدها وتبرهن على كلامك؟ إن لم تفعل ، تأكد أن هذا الصنم يسكنك دماغك ، فإما كسرته ، وإما التزمت الأدب مع الناس كما علمنا دين التوحيد ، فلا نعبد إلا الله .
إبراهيم
الجمعة، 11-05-2018 02:21 م
"تحرير فلسطين يبدأ من القاهرة" قالها الشهيد أحمد عبد العزيز قائد كتائب المجاهدين فى حرب فلسطين وليس العبد الخاسر المهزوم الذى سلمهم بقية فلسطين وسيناء فوق البيعة. كيف لواحد تربى ونشأ فى أحضان اليهود فى حارة اليهود أن يفكر فى تحرير فلسطين. أنظر إلى أفعال الخسيسى الذى تربى أيضا فى حارة اليهود. لكن ماالعمل إذا كان صاحب المقال يعبد الاصنام من دون الله.
م.عماد عبدالحليم
الجمعة، 11-05-2018 05:50 ص
حل الدولتين هو الحل التي تتبناه مصر الدوله منذ ان تم السلام مع اسرائيل اما مصر الشعب والمثقفين فيتبنوا الكلام العاطفي والعيش في الماضي دول عربيه تغير موقفها الان لتبني حل الدولتين بعدما دعمت من قبل انقسام الشعب الفلسطيني نعم هناك تعنت من اسرائيل في تحقيق حل الدولتين وهناك ضحايا فلسطينيين يوميا . لكن لاننسي الماضي ولانعيش ايضا اسراء له وعلينا توحيد الصف الفلسطيني والعربي علي حل الدولتين وليس تجييش العواطف والعيش في الماضي
ام يوسف
الخميس، 10-05-2018 05:27 م
قال ? دكتور جمال حمدان?: كارثة فلسطين إسرائيل هي ببساطة كالآتي: طلبت الصهيونية العالمية دولة لليهود في فلسطين فأسسها لهم العرب. المعنى: قيام إسرائيل وضياع فلسطين هو مسؤولية العرب والعجز العربي والجبن والتفرق العربي، والذي حدد نتيجة الصراع العربي الإسرائيلي هو الصراع العربي – العربي.
اينشتاين
الأربعاء، 09-05-2018 08:45 م
النكبة ولدت بين أحضان القاهرة واحتضنتها طويلا ، التآمر على المقاومة الفلسطينية بدأ فعلا من القاهرة ، وستنكشف كل خيوطه عاجلا ، أما تحرير فلسطين فلن يبدأ إلا من داخل فلسطين ، بعدها يمكن تحرير القاهرة وبلاد الخليج وكل أرض العرب المغتصبة . تبرير الهزائم،بل كل هزائم العرب ، بدأ من القاهرة وتم في القاهرة ، إذا أراد المصريون محو آثار النكبة والتخلص من شباكها فلينطلقوا من داخل القاهرة ، فهي الأقرب وهي الأولى بالمجهود المصري بعيدا عن الشعارات التي أتعبت المصريين وكل العرب باسم القومية العربية والتنظيم الدولي الذي تعلقت به حركة الإخوان طويلا ، وكل الشعارات الطويلة والعريضة التي ارتبطت بأم الدنيا .