كتاب عربي 21

"نفسي أبقى كافر"

أحمد عمر
1300x600
1300x600

لقد أصيب المسلم السني – من غير اعتذار من هذا الوصف -  بمرض التبكيت، وحلّت عليه بليّة الاعتذار الدائم.


كان النظام السوري طائفياً، ويحاول إقناعنا بالوطنية من خلال الشعارات البراقة، كالوحدة الوطنية، والوحدة والحرية والاشتراكية، إلى أن انتهينا إلى مرض التوحد الطائفي. ليس كل ما يلمع ذهباً، قد يكون ماساً، وقد يكون كمينا لكاميرا خفية، والقش الذهبي سريع الاشتعال، والطائفية مرض يصعب الشفاء منه، إلا بالعدل وقد أعدانا النظام بكل الأمراض المعدية التي حملها إلينا من كهوف التاريخ المظلمة.


حذف النظام الدين والمذهب من البطاقة الشخصية، فوقر في عقولنا أن الدين تهمة، أو عار، لكن أين المفر، إن غاب من البطاقة سيرى في الاسم الأول، أو اسم الأب، أو الكنية، أو اسم الأم أو مكان الولادة. ارتفع منسوب الطائفية مع الحذف من البطاقة حتى وصل إلى هذه المذبحة، التي يطلق عليه الغرب اسم دلع وولع: الحرب الأهلية.


وكان الناشطون والمنشقّون خاصة، يخرجون في مشاهد مصورة، ويرفعون التحيات بتعبيرات الإعلام السوري، مثل أسمى آيات التبريك أو الإدانة، بعضهم كان يكرر أقوالاً لحافظ الأسد عن الشهداء، أو عن الحرب والسلام.


قد لا يجد الطبيب بدّاّ من إبلاغ المريض بمرضه الوبيل، حتى يرعوي ويتجنب موبقات السكر، وكبائر الملح، وبقية السموم اللذيذة، وإذا كان المرض قد عمل عمله واستفحل، سيضطر الطبيب لإخباره، حتى يكتب الوصية، جميع الأطباء يخبرون المريض بخبر إجراء العملية الجراحية.


لا أعرف عدد الكتاب النابهين والمتنورين، ومنهم مفكرون وقادة رأي، الذين خرجوا في مقابلات تلفزيونية، واعتذروا لنا عن ذكر الطائفية، فلا بد من ذكر هذه الحسناء القتول، فيعتذر من المذيع، ومن المشاهدين، وتخال أنه سيكفّر عن ذكر الطائفية بإطعام ستين مسكيناً من الطوائف الأخرى.


أمس رأيت كاتباً معروفاً، حلَّ ضيفاً على إحدى الفضائيات، تحدّث عن الطائفية مضطراً، وروى ذكرياته عن الخطف بين قريتين، سنية وشيعية من غير أن يدين البادئ، ومعه حق، فمعرفة البادئ بالخطف مثل معرفة آدم الدجاج.

 

وذكر الكاتب العظيم أن أبناء الطائفة الكريمة (صفة ضرورية لتجنب الاتهام بالطائفية) كانوا يحتلون أكثر المناصب الحساسة (والصحيحة المعافاة أيضا)، ومرت الجملة مرور الشخصيات الرفيعة في المطار، من غير فحص أو تدقيق جواز سفر، فالمذيع كان يعاني من نفس أعراض الوحدة الوطنية، مع أنه كان للمفكر بالمرصاد، إلا عند ذكر هذه الجملة، فضرب صفحاً عنها، وهي أهم معلومة في اللقاء.

 

الدولة وظفت أبناء الطائفة الكريمة، وفقاً لقانون تكافؤ الفرص، وهم بلا ذنب أبرياء. "كنا عايشين" تقال بطرق عدة.


النظام الطائفي، الذي أعدى الكتاب الفاضلين بمرض الوحدة الوطنية، الخالية من الدسم، منع كل مظاهر الدين في الجيش والدولة، أو خفّضها إلى الحد الأدنى الصفري، بل إلى الحد الكفري، وعندما كان بعضهم يحاجج، بأن الدين يمكن أن يكون مصدر قوة، كما تفعل إسرائيل، كان الجواب جاهزاً: أتريد أن نقلد العدو الصهيوني، لن نقلده، لا في الدين الذي حوّله إلى قومية جامعة، ولا في الدنيا، التي حوّلها إلى جنة، سنقلد الأفلام الهندية والمسلسلات المكسيكية.


والطريقة البوليودية في الوحدة الوطنية هي: بطل هندي، ومساعد بطل مسلم. أفضل الأفلام، هي فلم "آمر أكبر أنطوني"، وزّعت البطولة  فيه بالتساوي على الطوائف الكبرى، بينما الواقع الهندي مرّ وفظيع.


حتى في الأفلام الوثائقية، التي تقضي التوثيق والسعي نحو الحقيقة، كانت البطولة بالتساوي، بين هنانو، وصالح العلي، وسلطان باشا الأطرش، أما الكعكة، فيأكلها الذئب.


أتذكر أني قرأت لكاتب لبناني اقترح جاداً، غير عابث مثلي، وهو لا يعرف المزاح، وحدة وطنية بين سوريا ولبنان، يكون أحد أركانها حب أغاني فيروز، أحبوا "الإمامة" فيروز، فتخلص لكم الوحدة الوطنية، وتدخلون الجنة.


هذا الداء متفشٍ في العالم الإسلامي، أمس غضب ضيف تونسي على قناة الحوار، كان مدعواً لمناقشة قضايا إسلامية، سأله أحد الجمهور عن خلفيته الدينية، فغضب، ورفض أن يجيب، وعدّ السؤال إرهاباً معنوياً، وانضم إليه المذيع، وأحس السائل بالتبكيت، ولا أعرف إن كان السائل قد فكر في إطعام ستين مسكيناً. وأعرف شخصيات تشبه هذا الضيف، أسماؤها مركبة ومزدوجة مسبوقة بمحمد، كعادة مسلمي الشام: مثل محمد المنصف المرزوقي، ومحمد الأخضر حامينا، ومحمد ... هؤلاء حذفوا اسم النبي من أسمائهم، لأنهم يحسون بالذنب أو العار من اسم النبي!. كاتب معروف نقل مشاعر طفله، وهو يرى عملية إرهابية، اتهم مسلمون بها في نشرة الأخبار، أبدى أسفه لأنه مسلم. لم يقل الكاتب إن الجرائم التي يرتكبها مسلمون، تنقل مضخمة بالمجاهر وتؤمم، الجرائم الكبرى الحقيقية ضد الإنسانية تبرر وتجمّل. 


يوشكون على القول مثل بطل الفلم المصري الذي يحب أكل اللحم: نفسي أبقى كافر.

2
التعليقات (2)
سؤال
الأربعاء، 09-05-2018 10:48 ص
سؤال , صدقا مجرد سؤال ماذا لو رحل النظام السوري , واليوم مثلا تحكمه كل تلك الفرق والجماعات والتنظيمات التابعة كل منها لإحدى الدول الإقليميه العالمية . قدم لنا سيناريو أو صورة تصوريه عن سوريا لو رحل النظام .
اينشتاين
الإثنين، 07-05-2018 10:40 م
هي القابلية للاستعمار التي تولدت عنها القابليات الأخرى ، وسبقها بكثير القابلية للاستبداد التي حولت أغلب شعوبنا إلى ما يشبه قطعان من العبيد ، في هذه الحالة ينعدم معامل الزمن ، ناهيك عن مستوى التفكر .