كتاب عربي 21

إلغاء المدارس التجريبية في مصر

آيات عـرابي
1300x600
1300x600
الحقيقة أنني أتفهم غضب الأمهات اللواتي شاهدتهن في ذلك المقطع يتظاهرن أمام إحدى المدارس وعلى وجوههن ارتسمت تعبيرات الغضب، فهذا حقهن بكل تأكيد، ولكن أثارت بعض اللافتات استغرابي.
 
إحداهن كتبت على لافتة مخاطبة وزير التعليم الانقلابي: (من حق ابني أن يتعلم اللغة الإنجليزية). 

تذكرت وأنا أقرأ تلك اللافتة الغاضبة أن عسكري الانقلاب افتتح أول زياراته للولايات المتحدة بجملة (سانك يو)، التي أثارت ردود أفعال ساخرة وقتها. 

ورغم أنني لم أستطع الاقتناع بالتفسير الذي تناقلته بعض الصحف الانقلابية عن (تعريب التعليم)، ولا أعتقد أن أحدا اقنتع به، إلا أنني لم أستطع التوصل للهدف من إلغائها، خصوصا مع بقاء مصروفات المدارس دون أي تخفيض. 

وذلك رغم قناعتي أن فكرة إلغاء المدارس التجريبية لابد أن تكون وفق أجندة ما.

لكن النتيجة المباشرة التي ربما تنتج من القرار، أن تكون مدارس اللغات ذات المصروفات الأعلى هي الوحيدة التي تمنح تعليما بالإنجليزية في مصر، في مقابل مدارس حكومية لا تمنح أي شيء، وفي منتصف المسافة بينهما تقع مدارس تجريبية (نُزعت منها الميزة الوحيدة التي كان يراها الأهالي) وهي أن تكون بديلا اقتصاديا لمدارس اللغات. 

بعد انقلاب تموز/ يوليو 1952، جرى نشر الفكر الاشتراكي في مصر تحت رعاية ضباط الانقلاب، ومعه جاءت شعارات المرحلة كالقضاء على الإقطاع والعدالة الاجتماعية، وغير ذلك من الجمل الرنانة، وتحولت سياسة تصفية الحسابات إلى طابع المرحلة، فكان عقدا الخمسينيات والستينيات جحيما حقيقيا. 

ومع عدم وجود تعريفات واضحة لكلمة (الإقطاع)، كانت السياسات التي تبناها الضباط بمثابة ضوء أخضر للمجتمع، ليتصارع مع نفسه، وليمزق نفسه تحت راية الاشتراكية التي تستهدف (الإقطاع). 

كانت الطبقة الحاكمة تعيش بطبيعة الحال حياة بذخ، تختلف عن أجواء الصورة الإعلامية التي كان الإعلام يغرسها في عقول الشعب، الذي جرى إفقاره. 

في مجتمع كهذا، تعود لمدة عقدين على ممارسات الاشتراكية وخطابها وعلى مفردات مثل الطبقة العاملة والعدالة الاجتماعية، والقضاء على الإقطاع, إلى آخر تلك المفردات، وكان ما يسمى بسياسة الانفتاح كارثة مجتمعية حقيقية. 

الانتقال الفجائي من حالة سياسات التجويع والإفقار التي استمرت عقدين إلى سياسات توفير السلع الاستهلاكية في مجتمع يتعطش للأساسيات. 

والنتيجة الطبيعية لتوفير السلع الاستهلاكية في مجتمع كهذا، إثارة النزعات الاستهلاكية، وإيقاظ الأطماع الشخصية، وإثارة جو من التطاحن، وكل ما يمكن أن يقوله علماء الاجتماع السياسي عن نقلة فجائية من الاشتراكية إلى الرأسمالية. 

وكانت النتيجة توحش المجتمع ضد بعضه البعض، وانتشار السلوكيات الاستهلاكية، وخلق جو من المنافسة غير المحكومة بسقف من دين أو أخلاق. 

وفي أجواء كهذه، يتحول الفساد إلى وحش يبتلع كل شيء، وتنبت الرشوة والمحسوبية وتتسع الفوارق بين الناس وتنهار الطبقة الوسطى، ويتحول المجتمع إلى معسكرين متقاتلين، أغنياء وفقراء فقط. 

حالة من التوحش التام يحاول فيها طرف حماية مكاسبه بأي طريقة بينما يسعى الطرف الآخر بكل السبل لاقتناص أي مكاسب. 

التعليم في مصر يحتاج في نظري إلى ما هو أكبر من مجرد وزير يحاول تغيير مناهج أو يلغي سنة دراسية ليضيف أخرى في مرحلة أخرى. 

التعليم في نظري يحتاج إلى إعادة ترتيب على أسس مغايرة للأسس الحالية، لكن حتى ذلك الحين، فإن الصراع المجتمعي إحدى النتائج التي أراها لقرار إلغاء المدارس التجريبية، التي كانت ربما تمثل صمام أمان بين عالمين متنافرين, عالم المدارس الحكومية وعالم مدارس اللغات.
التعليقات (5)
محمد زهران
الثلاثاء، 08-05-2018 05:17 م
لا يجرؤ أى وزير من وزراء العسكر على أن يُفكر ويأتى بقرار لمصلحة الشعب. إن وظيفته لا تتعدى كونه سكرتير ينقل قرارات جنرالات العسكر.
سلمن من المغرب
الأحد، 06-05-2018 06:20 م
الله يحفظكم في مصري. ويحفظ جميع المسلمين. رحمه الله رجول الشيخ كشك. الكلم اليم محمد مرسي. الحكم العربي تين تين. الله يرحمه عمر أبن خطب الحكم ونعم حكم
مصري جدا
الأحد، 06-05-2018 12:40 ص
لحد كبير ما طرحة الوزير وليست الوزارة جيد من حيث المضمون ،،، لكن تبقى مشكلة الادارة في مصر واحدة وكأنها مرض مستعصي على الشفاء ،،، الوزير يخرج فجآة على المجتمع بتطوير او تعديل نظام التعليم ،، الوزير يقول ان المشروع سيطبق لان المجتمع مش عارف مصلحته ،، نعم والله قال ذلك ،، الوزير يقول ،، ان الرئيس السيسي كلفني باعادة بناء الانسان المصري ،، الوزير نظرا لكونه غير متخصص في التربية لانه مهندس ،، يجهل ان بناء الاتسان المصري مسؤلية تضامنية مع كل الجهات ذات الصلة ،، الاسرة شريك ولم تشارك وزارت الشباب والثقافة والاعلام شركاء ولم يشاركوا ،، المؤسسات الدينية الاسلامية والمسيحية شريكة ولم تشارك ،،حتى لجنة التعليم ببرلمان النظام لم تشارك ،، من اذا وضع مشروع بناء الانسان المصري ،، هي لجنة الوزير خين كان مستشارا للسيسي ،، مجموعة من الخبراء غالبيتهم يعيشون بالغرب عرضوا المشروع على السيسي واخذوا الموافقة ووعد التمويل والدعم السياسي والتشريعي ،،، هكذا تدار الامور ،، لذا لم ولن نصل لشئ ،، كارثة ان يظن البعض مهما كانت مكانتهم الدينية او الوظيفية انهم اوصياء على الشعب ،، وانهم يعرفون مصلحته اكثر منه ،، متى يتعامل المسؤل مع الشعب انه ناضج وراشد وشريك ،، في حالة واحدة ،، عندما يفرض الشعب ارادته ويختار حاكمه ،، غير ذلك فلا ،، انها دائرة مكتملة الاستدارة ،،،
Ahmed abdelhàdy
السبت، 05-05-2018 10:02 م
من المتوقع انن يبدأ ا لجيش فى الاستثمار فى هذا النوع من التعليم .
مراد سليماني
السبت، 05-05-2018 09:21 م
محاولة جيدة لتشخيص الواقع المصري ويمكن تعميمها علي مجتمعات عربية اخري حتي نشخص الداء.