قضايا وآراء

ذكرى تحرير سيناء وأيديولوجية المواجهة

1300x600
1300x600
في الذكرى السادسة والثلاثين لتحرير سيناء، يتذكر المصريون والعرب أيام استعادة الكرامة قبل الأرض، يوم أن سادت روح التضامن والتكافل والتنظيم والتخطيط بين العرب.. ذكرى تحرير سيناء تعيد روح الإبداع والتحدي الذي جمع العرب مع المصريين، فبعث فيهم روح الانتصارات، وسرت في أرواحهم أمجاد أجدادهم وعظمتها.

.. هذه الذكرى التي يستحضر فيها المصريون الصورة الذهنية لجيش وطني نسج من فداء أبناء هذا الشعب الطيب، الذي لا يتأخر عن التضحية من أجل بلده، ويذكّر أيضا بقيادة وعت جوهر الصراع ومضمونه، وعرفت العدو وحددته، فعملت على مواجهته بغير ميل ولا زيغ.

لكن، ومع مرور الأيام، جرى تحت الجسر ماء كثير، فبعد 36 عاما من تحرير سيناء، وما سبقها من أحداث، تباينت بين ضبابية الرؤية ووضوحها، في فترة رفعت فيها ثورة يناير الغمامة لنعرف الصديق من العدو، تحوّل المشهد بانقلاب عسكري قلب كل المعايير، فبدّل المواقف وغيّر الأعداء، فمن كان ظهيرا أمنيا أصبح عدوا، ومن كان عدوا واضحا بات صديقا، بل وحليفا استراتيجيا يأمن النظام الانقلاب جانبه وينسق معه.

العملية العسكرية التي يقوم بها الجيش المصري، والمستمرة منذ 9 شباط/ فبراير من العام الجاري وحتى الآن، والمسماة "العملية الشاملة سيناء 2018"، كشفت عن حقائق كثيرة لا تقف عند حقائق الخسائر، سواء في جانب المدنيين من سكان سيناء، والذين قدموا المئات من الأبرياء الذين قتلوا بقصف الطائرات أو المدافع، أو من خلال الخطف والتصفية، أو الخسائر المادية المتمثلة في آلاف المساكن، والتي إما هدمت أو هُجر منها أهلها، بالإضافة إلى مئات الآلاف من الأفدنة الزراعية التي رواها أصحابها بدمائهم قبل عرقهم، والتي دمرت بفعل القصف أو الهجر أو قطع المياه؛ بحجة محاربة الإرهاب.

..هذه العملية تخللتها عملية تهجير قسري صاحبتها عملية تجويع ومنع من الأدوية والمستلزمات الطبية وحظر بيع البنزين وقطع لخطوط الاتصالات والمياه والكهرباء في بعض مناطق العملية سيناء2018 ، بحسب ما أوردته هيومن رايتس ووتش في تقرير أخير لها، وصف الحملة التي يقوم بها الجيش بأنها تخنق الإمدادات الغذائية والطبية الأساسية لآلاف السكان في سيناء، واصفة ما يقوم به الجيش بالعقاب الجماعي، بعد فصل النظام شمال سيناء عن امتداده الطبيعي في غرب القناة.

وبالرغم من نفي المتحدث باسم الجيش وجود نقص في المستلزمات المعيشية لأهالي سيناء، معتمدا على أن روايته ستصدق لمنع الجيش تواجد الصحفيين في سيناء، إلا أن الناشطين على الأرض يسربون مقاطع تظهر الوضع البائس الذي يعيشه أهالي سيناء منذ ثلاث سنوات.

وعلى الجانب الآخر، فإن الخسائر طالت الجيش، فبالإضافة لخسارته المئات من أفراده على مستويات ورتب مختلفة منذ هذه الحملة، على الرغم من إعلانه أن قواته تحقق انتصارات متتالية استطاعت فيها تحييد واعتقال ما يزيد عن 3500 عنصر من عناصر التنظيم المقاتل ضده، وعلى الرغم من أن المعلومات المخابراتية المعلنة قدرت أعداد هذه الجماعات ما بين 500 و700، إلا أن الخسارة الحقيقية للجيش هي خسارة سمعته، سواء في الداخل أو الخارج.

فالجيش الذي صنف بحسب موقع "جلوبال فاير باور" (GFP) في المرتبة الأولى أفريقيا وعربيا والمرتبة العاشرة عالميا، فشل في التخلص من تلك الجماعات التي يصنفها إرهابية في سيناء، وهو ما جعله يستعين بجيش، من المفترض أن يكون عدوا (الكيان الصهيوني) في التخلص من هذه الجماعات.

وعلى الرغم من إنكار المتحدث باسم الجيش هذه المعلومة، إلا أن الصحافة الأمريكية والبريطانية فضحت الأمر، والذي اتضح أنه ليس جديدا.

فصحيفة الجارديان البريطانية، وفي عددها في آب/ أغسطس 2013، قالت إن طائرات بدون طيار صهيونية قصفت من يشتبه بأن يكونوا إسلاميين في سيناء، وفي تموز/ يوليو 2016، قالت صحيفة بلومبرج الأمريكية قالت إن أعداء الأمس اتحدوا الآن في محاربة الإرهاب، وتقصد مصر والكيان الصهيوني، وفي 2018 قالت إذاعة "بي بي سي" إن استمرار ضربات الطيران الصهيوني للجهاديين في سيناء توضح مدى التقارب والتنسيق بين النظام المصري والكيان الصهيوني.

هذا غيض من فيض كتابات الغرب عن تعاون النظام المصري مع الكيان الصهيوني، ما يؤكد تحول أيديولوجية المواجهة لدى الجيش، الذي بدل وجهة بندقيته لصدور المصريين؛ بحجة محاربة الإرهاب. وعلى الرغم من رفض قادة الجيش المصري محاولات هذا التحول منذ أكثر من عشر سنوات، بعد فهمهم الهدف الرئيس من تغيير أيديولوجية الجيش، والمتمثلة في إيجاد عدو مفترض يلفت همة وقدرات الجيش عن العدو الحقيقي.

ولما كان النظام يبحث عن شرعية، فكان لزاما عليه أن يبيع أي شيء وكل شيء من أجل الحصول على هذه الشرعية، ولم يجد هذا النظام المغتصب أغلى من جيش الشعب ليبيعه من أجل تثبيت أركان حكمه.

والغريب أن رأس النظام في أكثر من مقام كرر أن الإساءة للجيش "المصري" خيانة عظمى، في حين أن الحقيقة تؤكد أن فعل الإساءة اقترفها هو بيده لا بقوله، بتحويل أيديولوجية الجيش وسلاحه لصدور المصريين، مهملا الأمن القومي لبلد من أهم البلاد في المنطقة، الذي إن سقط سقطت معه أمة ترى في الخزان البشري المصري وجيشه وِجاء.
التعليقات (0)