قضايا وآراء

ليبيا ما بعد حفتر

جمعة القماطي
1300x600
1300x600
لا زال الغموض هو سيد الموقف حول حالة خليفة حفتر الصحية، بعد أكثر من أسبوع صاخب بالأخبار والتقارير، والاهتمام المُركَّز في وسائل التواصل الاجتماعي والمنابر الإعلامية الليبية والعالمية. وما هو مؤكد أن آخر ظهور علني لحفتر، كان في 27 آذار/ مارس عندما استقبل السفير البريطاني لدى ليبيا في مقره بمنطقة الرجمة، شرق بنغازي.

ولقد تضاربت تصريحات مؤيديه بين خروجه من ليبيا، إما إلى القاهرة أو عمّان، ومن ثم إلى باريس، ليدخل مستشفى عسكريا هناك. ولقد تكتم المستشفى والسلطات الفرنسية على حالة حفتر الصحية، وتركوها للتكهنات؛ بين مصادر تقول إنه تعرض لجلطة دماغية أفقدته الوعي، وأصبح في حالة موت سريري، وبين أنه تعرض لحالة إغماء قبيل وصوله إلى باريس، وأنه يعاني من مرض آخر مزمن.

إن الإرباك الذي أصاب معاوني حفتر، وإسراع شخصيات عربية إعلامية مشهورة إلى إعلان وفاته، ووصول أغلب أفراد أسرته ومعاونيه المقربين إلى باريس، يؤكد أن الحالة الصحية لحفتر الذي تجاوز الخامسة والسبعين من عمره؛ على درجة كبيرة من الخطورة.

كما أن عدم خروج حفتر في تصريح مرئي أو مسموع يطمئن أتباعه ومؤيديه، وأيضا عدم عودته إلى ليبيا كما وعد المتحدث الرسمي باسمه، يؤكد أنه ربما أصبح عاجزا عن التواصل والمتابعة وخارج دائرة الفعل والثأثير.

ما يؤكد وصول حفتر إلى هذه المرحلة كذلك، هي التحركات السريعة من عدة أطراف، لاحتواء أية تصدعات وصراعات قد تحدث من أجل ملء الفراغ الذي سيتركه حفتر على رأس الجيش الذي أسسه في شرق ليبيا، وقيادة ما يعرف بعملية أو تيار "الكرامة".

وتداولت مصادر من داخل مجلس النواب الليبي في طبرق، خبر قيام رئيس البرلمان عقيلة صالح بصفته القائد الأعلى للجيش، بإصدار قرار بتعيين اللواء عبد الرزاق الناظوري، رئيس الأركان الحالي كقائد عام للجيش بديلا لحفتر، فيما قام الناظوري من خلال تصريح رسمي للناطق باسمه بنفي هذا القرار. ويشاع أنه تم سحب القرار نتيجة ضغوطات من أبناء حفتر، وكذلك دولتي الإمارات ومصر، واللتين تصران على أن يكون لهما دور مباشر في ترتيبات خلافة حفتر، لكونهما الدولتين الداعمتين بقوة له منذ 2014.

لقد بدأ بالفعل طرح ونقاش الأسماء العسكرية المرشحة لخلافة حفتر، ما بين مؤيدين ومعارضين لكل اسم، ومن أهم الأطراف الرئيسية التي ترفض أسماء بعينها وتدعم أخرى هي أبناء حفتر وأقاربه من قبيلة الفرجان، التي تتواجد في غرب ليبيا، والذين جعل حفتر لهم نفوذا كبيرا في قيادة الجيش، كذلك قبائل أخرى في شرق ليبيا مثل: قبيلة العواقير المتواجدة في بنغازي والمناطق المحيطة بها، والتي دخل بعض أبنائها في صراع مفتوح مع حفتر في السنة الأخيرة. ولا تخفي قبيلة العواقير انزعاجها من سيطرة أبناء وأبناء عمومة حفتر من الفرجان على المشهد، وهناك أيضا قبائل أخرى مهمة في شرق ليبيا تسعى لأن يكون لها رأي ونفوذ في اختيار البديل، ومنها قبيلة البراعصة والحاسة والعبيدات، كما أن الإمارات ومصر تُصران على احتواء أي خسارة سياسية لهما، بفقدان حليفهم حفتر، حيث استثمرتا في مشروعه الكثير، ويسعيان لاختيار شخصية تحافظ على نفس الولاء والتبعية، من أجل استمرار المشروع، وضمان مصالحهما الحالية والمستقبلية في ليبيا.

ويبقى من أهم الأسماء المطروحة لخلافة حفتر كقائد عام للجيش، عبد الرزاق الناظوري رئيس الأركان الحالي، وهو خيار قبائل الشرق الليبي المفضل، وكذلك عبدالسلام الحاسي، آمر غرفة العمليات الخاصة، وهو ابن قبيلة الحاسة في شرق ليبيا، ويشاع أنه خيار مصر كذلك. أما عون الفرجاني، مدير مكتب حفتر ومعاونه الخاص وأكثر شخصية مقربة له لكونه ابن قبيلته، فهو خيار أبناء حفتر وقبيلة الفرجان، ولكن حظوظه أقل. وتشير تقارير الى أن دولة الإمارات تميل إلى تعيين خالد، نجل حفتر، لخلافة والده، أو يكون نائبا لعبد السلام الحاسي. الواضح والمؤسف كذلك؛ أن الإمارات ومصر هما غالبا من ستفرضان خيار البديل عن حفتر وليس الأطراف الليبية المعنية.

المتوقع هو أن يكون الصراع بين الأطراف المختلفة شديدا على خلافة حفتر. وأيا كان الاختيار، فمن المستبعد أن يستطيع المحافظة على تماسك الجيش الذي أسسه حفتر وتمحور حول شخصيته، ويضم عناصر عسكرية إلى جانب مجموعات مسلحة قبلية وسلفية لها انتماءات وولاءات ومصالح متعددة، وهذا يؤشر إلى أن التصدع والتفكك والصراع الداخلي بين أتباع حفتر سيكون هو الأقرب، الأمر الذي ليس في مصلحة استقرار الشرق الليبي، وليبيا عموما.

وسيقود خروج حفتر الفعلي من المشهد الليبي، سواء بسبب المرض والعجز الصحي أو الموت، إلى تغيير حقيقي في توازن القوى وفي ديناميات الصراع في ليبيا، حيث سيعني خروجه نهاية المشروع العسكري في السيطرة على ليبيا بالقوة وعودة الحكم الفردي المطلق مدعوما من الإمارات ومصر، والذي تخشاه كل قوى ثورة فبراير وحذرت منه، وبالتالي سترتفع فرص نجاح المشروع السلمي في بناء دولة مدنية في ليبيا أساسها المؤسسات، ولا يتدخل الجيش في قرارها السياسي.

كما أن مرحلة ما بعد حفتر ستتيح فرصة حقيقية لتحرر البرلمان الليبي في طبرق من هيمنة حفتر عليه، وبالتالي يمد جسور التواصل مع الأطراف السياسية الأخرى خاصة في طرابلس، ومنها المجلس الأعلى للدولة، الشريك في اتفاق الصخيرات.

لا شك أن ليبيا أمام مرحلة جديدة يمكن أن تأخذ فيها الأطراف السياسية الليبية زمام المبادرة وتتمسك بإرادتها الوطنية في وجه تدخلات عربية وعالمية سلبية، ويعمل كل الليبيين من أجل التوافق وتوحيد كل مؤسسات الدولة السيادية المهمة من جديد، ومنها مؤسسة الجيش، والشروع في بناء الدولة المدنية الديمقراطية التي أساسها سيادة الدستور والقانون، وحقوق المواطنة، والتمحور حول مؤسسات وليس أفراد.
التعليقات (3)
ابراهيم وفاء
الخميس، 19-04-2018 12:15 ص
تحليل منطقي
عبدالهادي سويد
الأربعاء، 18-04-2018 10:02 م
تحليل واقعي للساحة الليبية ومن الواضح القزم دولة العمارات ومصر السيسي سيبذلون قصارى جهدهم لإيجاد البديل الذي يحفظ مصالحهم ولكن تبقى المشكلة في الليبيين هل يريدون البقاء تحت سيطرة الإمارات واغراتها المالية والسيسي وامداداته العسكرية ام سيكون لهم عقول ترشدهم إلى مصلحة الوطن وبناء ليبيا دولة القانون والمؤسسات والنظر إلى حالة الناس ومالحق بهم من ضيق العيش وصعوبة الحياة وانعدام الأمن والأمان..رغم أن الثقة في الموجودين بالساحة السياسية تكاد تكون معدومة ولكن نسأل الله أن يبدل حالنا للأحسن وان يرزقنا بالبطانة الصالحة. تحياتي.
أحمد جمعه
الأربعاء، 18-04-2018 07:33 م
بعد حفتر أكيد فيه رجال وطنية حبها الوطن مش كلاب ضاله أمتالك يحبو المال ومعونات الغرب ياواطي لعنة الله عليك وحفتر دارلك الغوله أنت والكلاب اللي تنبح24ساعه أمتالك