صحافة دولية

"مكتب التحقيقات الصحفية": هل سيأتي "سوبر باغ" من اليمن؟

مكتب التحقيقات الصحافية: إن صحة الشعب اليمني في حالة خطيرة- جيتي
مكتب التحقيقات الصحافية: إن صحة الشعب اليمني في حالة خطيرة- جيتي

نشر موقع "مكتب التحقيقات الصحافية" تحقيقا تحت عنوان: "اليمن: مزيج قاتل من الدواء والمقاومة والحرب".

ويقول الموقع في بداية تحقيقه: "فقط بعد يومين من العملية، بدأ الأطباء يشمون الرائحة، حيث قاموا بتضميد رجل طالب جامعي (22 عاما)، مزقتها قنبلة، التي هشمت العظام، ومزقت اللحم، إلا أن رائحة بدأت تنبعث منه، يطلق عليها الأطباء في أدبياتهم (هجوما)، ويعني التهابا سيئا وخطيرا يهدد الحياة، ولم يكن يتحسن". 

ويشير التحقيق، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه عندما شعر الأطباء في مركز أطباء بلا حدود أن الجرح يقاوم المضادات الحيوية، فإنهم قاموا بإرسال عينة دم للتحليل في مختبر الميكروبات التابع للجمعية في عدن، الذي افتتح العام الماضي، وهو الوحيد المتوفر في المنطقة، ويحتوي على معدات قادرة على اكتشاف الميكروبات المقاومة للمضادات الحيوية. 

ويكشف الموقع عن أن النتيجة كانت سلبية، حيث أن هناك بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية المعروفة كلها، ومن غير المعلوم لأحد كيف دخلت البكتيريا إلى جسد الطالب، الذي عرف باسم Acinetobacter baumanni على اسم البكتيريا؛ للحفاظ على هويته، مشيرا إلى أنه من الشائع في اليمن أنها قد تكون دخلت جسده من القنبلة، أو الرمل عندما سقط على الأرض، بحسب ما يقول الدكتور المسؤول عن برنامج المضادات الحيوية في مركز أطباء بلا حدود نجوان منصور. 

ويلفت التحقيق إلى أن أطباء المركز بدأوا البرنامج في مجال المضادات الحيوية المتخصصة، التي لا تستخدم بسبب مخاطرها والأعراض الجانبية، حيث تم إجراء عدة عمليات على الطالب، وكان عددها سبعا في المجمل، مشيرا إلى أن ما كان يحتاج علاجا لمدة خمسة أيام فإنه امتد لثلاثة أسابيع، حيث تم وضع الطالب في عزلة؛ حتى لا تنتقل العدوى إلى بقية المرضى، وعندما كانت عائلته تزوره لم يكن يسمح لها بلمسه دون استخدام الواقيات القطنية، وفي النهاية نجا الطالب، حيث يقول الدكتور نجوان: "لقد أنقذناه من فم الموت". 

ويفيد الموقع بأن "الغارات الجوية التي قام بها التحالف السعودي في اليمن أدت إلى آلاف الجرحى، لكن الثمن الحقيقي قد لا يعرف إلا بعد سنوات قادمة، فبعد سنوات من القصف الجوي الذي لا يرحم، الذي أدى إلى شل مراكز إمداد الطعام والبنى التحتية الحيوية، وعرقل الإمدادات الطبية، فإن اليمن تحول إلى جبهة المقاومة للمضادات الحيوية، وحتى الآن فإن مخاطر (السوبر باغ) كانت خطرا نظريا، حيث اقتصرت على حالات معزولة أدت إلى إثارة قلق الأطباء والعلماء الباحثين حول ما يمكن عمله في حال خروجها عن السيطرة، فمشكلة السوبر باغ أو البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية في اليمن تهدد بانهيار النظام الصحي، الذي يواجه معوقات كبيرة". 

ويذكر التحقيق أن حالات المقاومة للمضادات الحيوية زادت مدة بقاء المصابين في المستشفى الميداني بأربعة أضعاف للنجاة من جراح الحرب، أي من المعدل المعروف خمسة أيام إلى 19 يوما، لافتا إلى أن هذا الوقت الإضافي، والمضاد الحيوي المتخصص الذي يحتاجه المرضى لمقاومة مرضهم، يعنيان أن عددا قليلا منهم يستطيع الحصول عليه؛ لأنه مكلف، ففي المراكز الطبية العامة، التي لا توجد فيها مراكز متخصصة أو أدوية، فإن هناك احتمال وفاة الكثير من المرضى بسبب الالتهابات التي يمكن في الغالب علاجها. 

وينقل الموقع عن المنسقة الطبية لمنظمة أطباء بلا حدود في اليمن الدكتورة أنا نيري، قولها: "إنه عبء ضخم على النظام الصحي، الذي لا يمكنه التعامل مع الخدمات الصحية الأساسية"، فنسبة 70% ممن أدخلوا في مستشفى أطباء بلا حدود في عدن يعانون من مقاومة للمضادات الحيوية في نظام الدم لديهم، وتضيف نيري: "هذا مخيف، والمقاومة المتعددة للأدوية التي نراها في الشرق الأوسط أمر مخيف أيضا". 

وبحسب التحقيق، فإن تقارير لمنظمة أطباء بلا حدود تشير إلى أن المرضى يعانون من التهابات Methicillin-resistant Staphylococcus aureus (MRSA); extended-spectrum beta-lactamase- (ESBL); and some with carbapenem-resistant Enterobacteriaceae (CRE). ويبدو أن الكثير من المرضى يخسرون أطرافهم أو يموتون بسبب المقاومة للمضادات الحيوية، فيما سجلت حالات مشابهة في مناطق أخرى في الشرق الأوسط، بما فيها سوريا والعراق والأردن.

ويقول الموقع إن المرضى الذي يعالجون في مستشفى أطباء بلا حدود محظوظون؛ لأن غالبية المرضى ينتهون في مستشفيات تديرها الحكومة، أو مستشفيات خاصة، ليست لديها برامج أو إجراءات لمعالجة مقاومة متعددة للمضادات الحيوية، ويقول الدكتور نجوان إن هناك الكثير من الأشخاص الذين يعانون من مقاومة متعددة للمضادات الحيوية يموتون دون معرفة السبب. 

وينوه التحقيق إلى أنه عادة ما يعالج الأطباء في اليمن الالتهابات من خلال أنواع مختلفة من المضادات الحيوية، التي تجعل المرض أسوأ ليس للمريض فحسب، لكن للسكان كلهم، وهذا يؤدي، كما يقول الدكتور نجوان، إلى "خلق جيل جديد مقاوم لأنواع عدة من المضادات الحيوية".

 

ويبين الموقع أن إساءة استخدام المؤسسات الطبية تؤدي دورا في زيادة المناعة ضد الأدوية المضادة للبكتيريا، ويقدر الدكتور نجوان عدد المرضى في مستشفاه ممن يصابون بالتهابات بحوالي 60% من الذين يتمتعون بمناعة متعددة للمضادات الحيوية، منوها إلى أن المعلومات الشفوية، التي جمعتها منظمة أطباء بلا حدود، مثيرة للقلق. 

 

ويورد التحقيق نقلا عن المستشارة الطبية لوزارة التنمية والتطوير الدولية في سوريا سوزان إلدن، قولها إنها لاحظت النتائج التي عثرت عليها منظمة أطباء بلا حدود في اليمن ذاتها، لافتا إلى أنه في الوقت الذي يظل فيه التركيز في الأزمة الإنسانية على تقديم المساعدات الملحة، فإن المشكلة ليست عملية الإنقاذ ذاتها، بل ماذا يجري بعد ذلك، ففي عدد من النزاعات الشرق الأوسطية يموت الكثير من الناس بسبب الالتهابات، بحسب ما تقول إلدن، مضيفة أن "المعيار الدولي للإغاثة لم يلتفت بعد إلى واقع المناعة من المضادات الحيوية في النزاع". 

ويشير الموقع إلى أن منظمة أطباء بلا حدود تعد استثنائية من خلال الاهتمام بالبكتيريا القوية "سوبر باغ"، حيث كان هذا نتيجة للضرورة، فنظام المضادات الحيوية قد لا يكون مناسبا لما يعمل فيه في دول الساحل والصحراء، وعادة لا ينجح عندما يطبق في اليمن وغيره من البلدان التي تعاني من الحروب في الشرق الأوسط؛ بسبب الحالات الكثيرة للمناعة المتعددة في الشرق الأوسط. 

وتقول الدكتورة نيري: "اكتشفنا أن مرضانا لا يتحسنون بناء على المضادات الحيوية العادية، ومرضانا لا تتحسن حالاتهم"، فيما تقول إلدن إن مشكلة المقاومة للأدوية المترافقة مع الحرب تعود إلى الأيام التي سبقت المضادات الحيوية، عندما كانت فلورنس نايتنجيل تحاول احتواء التهابات قاتلة أثناء حرب القرم.

ويذهب التحقيق إلى أنه بعد أكثر من ألف يوم من الحرب في اليمن، فإن صحة الشعب في حالة خطيرة، فقتل أكثر من 10 آلاف مدني بسبب القتال، وهناك حوالي 52 ألف جريح، بحسب تقارير الأمم المتحدة، مشيرا إلى أن هذه هي الأرقام الرسمية، فيما قال المتحدث باسم المنظمة الدولية محذرا من أن الضحايا ربما كانوا أكثر من ذلك. 

ويلفت الموقع إلى أن المرض ترك أثره، فالبلد يواجه وباء الكوليرا، الذي ينتشر سريعا، حيث يعاني منه حوالي مليون شخص، ربعهم من الأطفال، بالإضافة إلى أن هناك مرض الخناق أو الدفتيريا، كما أصبح اليمن أكثر الدول جوعا في العالم، وهناك 18 مليونا لا يجدون ما يكفيهم من الطعام، بشكل عزز المخاوف من مجاعة قادمة، مشيرا إلى أن الأطفال الذين يعانون من فقر التغذية يواجهون خطر المرض.

ويفيد التحقيق بأن النظام الصحي انهار، ولم تعد البنى التحتية للمياه فاعلة، لافتا إلى أن ثلاثة ملايين طفل ولدوا في السنوات الأخيرة من الحرب، ومنهم 30% يعانون من فقر التغذية، ومات 25 ألفا عند الولادة، أو بعد شهر من ولادتهم، بحسب منظمة الطفولة العالمية "اليونيسيف".

وبحسب الموقع، فإن دول الشرق الأوسط، اليمن وسوريا، تعد من أكثر الدول استهلاكا للمضادات الحيوية قبل اندلاع الحرب، فيما يعد الاستهلاك المفرط نتاجا لغياب الرقابة، حيث أصبح الوضع أكثر سوءا خلال السنوات السبع الماضية، فتم تدمير المختبرات الطبية، وتفاقم الوضع نظرا لغياب المياه الصالحة للشرب، منوها إلى أنه في الوقت ذاته كان الناس قادرين على الحصول على الأدوية القوية، بحسب ما تقول إلدن. 

ويذكر التحقيق أن دراسة نشرت عام 2014 وجدت انتشارا للمضادات الحيوية دون الحصول على وصفات طبية من الأطباء بنسبة 48% في السعودية، و78% في اليمن، حيث يتم توفير المضادات الحيوية من خلال الصيدليات.

وينقل الموقع عن نائب مديرة العمليات في الشرق الأوسط في منظمة أطباء بلا حدود كارولين سيغوين، قوله إن العدد الكبير للمقاومة ضد المضادات الحيوية مرتبط بزيادة عدد الجرحى، وغياب النظافة في المستشفيات، والتلوث بين المرضى، والإفراط في استخدام المضادات الحيوية، و"استخدام المضادات الحيوية بكثرة يعد جنونا". 

وتقول إلدن للموقع إن المشكلة الأكبر نابعة من غياب الرقابة، وإجراءات التحكم بالالتهاب، كجزء من الرد الإنساني، الذي يعد ضروريا في النزاعات الطويلة "عندما نريد المعلومات لا نجدها"، ففي الأزمات الإنسانية، مثل اليمن وسوريا، من الصعب العثور على المعلومات. 

ويوضح التحقيق أن تجربة منظمة أطباء بلا حدود تقوم على المراقبة وعلى الدراسات المحدودة، مع أنها تحاول تنظيم دراسات أكثر شمولية، ففي اليمن فإن المشكلة سيئة، لدرجة أن المنظمة قامت بإنشاء أول مختبر للميكروبات في عدن، فيما تقول المنظمات الأخرى، مثل المنظمة الدولية للصليب الأحمر والمنظمة الطبية الدولية، إنها منشغلة في توفير المساعدات الإنسانية، وليس لديها وقت لملاحقة مشكلات المناعة المتعددة من المضادات الحيوية.

ويختم "مكتب التحقيقات الصحافية" تحقيقه بالإشارة إلى أن "المناعة المتعددة من المضادات الحيوية قد تؤثر على الطب الحديث، فالضحايا في الحرب يشبهون الروايات في كتب التاريخ، عندما كان الموتى نتيجة الأمراض أكثر من القتلى في ساحة المعركة".

التعليقات (0)