قضايا وآراء

حينما تفقد الإحصائيات قيمتها

جاسم الشمري
1300x600
1300x600
من أصعب المراحل التي تواجه الإنسانية أن تفقد الأرقام والإحصائيات قيمتها، ولم يعد لها تأثير في مجمل ردود أفعال الضمائر السياسية والإنسانية، وتصير المنظمات والدول والحكومات – في هذه المرحلة- لا تفرق بين الواحد والمليون، وبين الأبيض والأسود، وبين الحق والباطل، والصحيح والخطأ، وربما هذه المرحلة هي بداية النهاية للضمير الإنساني!

الاستخفاف بإحصائيات قتل الناس وتهجيرهم وترويعهم، وإجبارهم على المضي في دروب الضياع والشتات، تعد من أهبط صور التعايش الحضاري بين الشعوب والأمم، لأن الإنسان في هذه المعادلة الظالمة أصبح أرخص الكائنات، ولا يوجد أي اعتبار لقيمته، وهذه صفحة مظلمة من تاريخ الحضارات المؤيدة لهذا الظلم!

إن دخول الضمير الإنساني في غيبوبة كبرى، هو الذي يجعل دائرة الظلم والدمار والأحقاد تستمر بالدوران وكأنها هي الأصح، وكأن القتل والخراب والتهجير هو الأصل، وأن الأمان والسلام والبناء هو الشاذ!

في مثل هذه الأيام قبل (15) عاماً أتمت الولايات المتحدة احتلالها لمدن العراق من أقصاه إلى أقصاه، وطويت من يومها مرحلة سيادة الدولة في بلاد الرافدين، وغابت العديد من المفاهيم، ومنها هيبة القانون وقيمة الإنسان، وكانت تلك المرحلة بداية التأسيس لمرحلة عراق اللاهوية، ولم تظهر من يومها هوية البلاد بعد أن كانت أشهر من نار على علم.

العراق اليوم بعد (15) عاماً ليس فيه إحصائيات دقيقة لأعداد القتلى والمعاقين والمهجرين والمعتقلين، بل هي مجرد أرقام بالملايين تذكرها بعض المنظمات الدولية والمحلية والمسؤولين، والغريب أن هذه الملايين غير مؤكدة، بل – وربما- هي متناقضة وسط هذه الصورة القاتمة في المشهد العراقي واستمرار سيطرة الحكومة على مفاصل الدولة.

اليوم وبعد (15) عاماً على التغيير أو الاحتلال أو العملية الديمقراطية أو أي تسمية أخرى، ينبغي أن نقف ونتفحص بشفافية ودقة واهتمام كبير ما آلت إليه الأوضاع في العراق، وما الذي قدمته الحكومات المتعاقبة - ومعها البرلمان العراقي في دوراته المتعددة- للعراق، وهل استطاعوا أن ينهضوا بالبلاد بعد سنوات، أو فترة حكم كافية لإثبات نجاحهم، أو فشلهم؟

تقييم الأداء البرلماني والحكومي في العراق، ينظر له أنصار العملية السياسية على أنه محاولات – ربما – فاشلة لتشويه سمعة الديمقراطية، ولكننا سنذكر هنا بعض الإحصائيات التي نشرتها بعض وسائل الإعلام العربية والعراقية بخصوص ما آلت إليه الأوضاع في العراق بعد (15) عاماً من العملية السياسية، وتكون هي الفيصل في تقييم أداء الحكومة والبرلمان في العراق.

العراق - وبعد كل هذه السنوات- لا توجد فيه إحصائيات لعدد العراقيين الذين قضوا نتيجة الاحتلال والتفجيرات والاغتيالات والعمليات العسكرية، وقدر ذكرت إحصائيات سابقة أنهم تجاوزوا المليوني قتيل. وبخصوص المعاقين ذكرت وزارة التخطيط العراقية في نهاية مارس/ آذار 2018، أنه "من بين سبعة وثلاثين مليون عراقي يوجد أكثر من مليون ونصف المليون من ذوي الإعاقة".

اليوم في العراق هنالك أكثر من (38) مدينة وقضاء مدمرة بفعل حروب التحرر من تنظيم "داعش"، وكذلك تواجد لأكثر من (14) قوات أجنبية، بعناوين مختلفة ومنها الولايات المتحدة وإيران وبريطانيا وكندا وغيرها من الدول وفوق هذا وذاك الحكومة تؤكد أن العراق دولة ذات سيادة!

ورغم كل المآسي رأينا أن الحكومة والبرلمان "الديمقراطيين" وافقوا على إدخال أكثر من (110) آلاف عنصر من الحشد الشعبي في المنظومات الأمنية للدولة، وبهذا صار تواجدهم في الدولة تواجداً رسمياً، فهل الدول تبنى بالمليشيات، أم بالقوات النظامية المنتمية للوطن، وليس لأجندات خارجية؟

في العراق اليوم هنالك أكثر من ثلاثة ملايين مهجر في الداخل ومثلهم في الخارج، والحكومة أكدت وجود أكثر من خمسة ملايين ونصف مليون يتيم، وأكثر من مليوني أرملة.

وعلى الصعيد الاقتصادي تشير أرقام الأمم المتحدة إلى أن" نحو ثمانية ملايين عراقي يعيشون حاليا بدخل لا يتجاوز متوسطه ما يعادل 2.2 دولار في اليوم"، فيما يشير تقرير لمركز "إنجاح" للتنمية الاقتصادية، أن "العراق تلقى منذ 2003 أكثر من 800 مليار دولار، لكن الفساد أهدر نحو 312 مليارا من الدولارات"، وعلى صعيد معدلات البطالة فهنالك في العراق قرابة 20%!

وبخصوص الأمية هنالك أكثر من 20% أيضاً، فضلاً عن الإهمال الكبير في بناء المدارس ومجمل العملية التعليمية، وكذلك نقص الخدمات في قطاعات الصحة والنقل وغيرها!

وأخيراً بلغت معدلات الجريمة مستويات مخيفة تجاوزت معدل الـ40 جريمة في اليوم الواحد في عموم البلاد!

فأين هو دور الحكومة؟

إن الإحصائيات الصادرة بمناسبة مرور (15) عاماً على الاحتلال والتغيير في العراق تؤكد أن العراق سائر نحو طريق لا يمكن التكهن بنهايته بسهولة، ربما هو طريق دولة المليشيات، أو دولة الطائفة الواحدة، وهذا يعني سحق وتدمير وتهميش بقية المكونات بحجج متنوعة!

فأين هو عمل الحكومات، وما الذي قدموه للمواطنين منذ العام 2004 وحتى اليوم، وهل هم مجرد حكام منصبون على إدارة المنطقة الخضراء، ولا تعنيهم بقية البلاد؟

@jasemj67
[email protected]

0
التعليقات (0)