صحافة إسرائيلية

مسؤول سابق في الموساد يتحدث عن تطور العلاقات الأمنية مع مصر

ديفيد ميدان: طالما أن إسرائيل اليوم دولة قوية، وتبدو كذلك من الناحية الأمنية، فإن ذلك يعود بفضل الاتفاق مع مصر
ديفيد ميدان: طالما أن إسرائيل اليوم دولة قوية، وتبدو كذلك من الناحية الأمنية، فإن ذلك يعود بفضل الاتفاق مع مصر

تنشر "عربي21" الجزء الثاني من المقابلة المطولة التي أجرتها صحيفة مكور ريشون الإسرائيلية مع ديفيد ميدان، المسؤول السابق في جهاز الموساد، حيث يفرد هذا الجزء كاملا للحديث عن العلاقات الإسرائيلية مع مصر.


يقول ميدان، إن مصر أدت دورا مركزيا في حالتين: الأولى خلال حرب أكتوبر 1973، أذكر حينها أنني فكرت ماذا يعني ألا يكون لدينا دولة اسمها إسرائيل، والثانية بعد خمس سنوات من هذه الحرب حين قررت إسرائيل توقيع اتفاق سلام معها، وهو ما شكل أحد الإنجازات الاستراتيجية الكبيرة للدولة.


وأضاف: طالما أن إسرائيل اليوم دولة قوية، وتبدو كذلك من الناحية الأمنية، فإن ذلك يعود بفضل الاتفاق مع مصر، مصر هي حجر الزاوية في المصالح الإسرائيلية في المنطقة، لأن هذا الاتفاق شجع الملك الأردني على اتخاذ القرار ذاته بعد سنوات، وفي حال انهار اتفاق السلام مع مصر، فإن إسرائيل ستعيش حالة من الفوضى الشاملة.


وأكد ميدان، وهو يهودي مصري تعود أصوله لمدينة الإسكندرية، حيث ولد فيها عام 1955، أن مصر ما زالت تمثل الدولة المركزية في العالم العربي، ولا يمكن إجراء أي اتفاق إسرائيلي مع أي دولة عربية في المستقبل دون وجود مصر في الصورة، كما لا يمكن الاتفاق الإسرائيلي مع الفلسطينيين حول مستقبل قطاع غزة دون أن تكون مصر لاعبا مركزيا ومؤثرا في هذه العملية، وأي ترتيبات إسرائيلية مع الفلسطينيين ستكون ذات طابع إقليمي، مصر في القلب منها.


وأشار أن التقدير الإسرائيلي يرى في مصر الدولة العربية الأكبر، ولديها الجيش الأقوى حتى الآن، وبعد أن كانت الدولة المهددة الأكثر لإسرائيل فقد تم إخراجها بفضل اتفاق السلام من معادلة العداء، على الأقل اليوم في إسرائيل هناك جيلان لم يريا مصر دولة عدوة، وكذلك أبناؤهم، وهذه أهمية اتفاق السلام معها.


وأضاف: حين تسألني عن إمكانية انهيار اتفاق السلام مع مصر، فالإمكانية منخفضة، رغم أننا مررنا بمراحل عديدة، منها اغتيال الرئيس المصري الأسبق أنور السادات عام 1981 وصعود الإخوان المسلمين للسلطة في 2012، ومع ذلك تمت المحافظة على اتفاق السلام، لأن مصر أصبح لديها رزمة مصالح، تجعلها لا تبتعد كثيرا عن هذا الاتفاق.


المصريون لا يستطيعون التنصل من اتفاق السلام مع إسرائيل لأنهم بذلك سيتورطون مع الولايات المتحدة، وهم لا يستطيعون البقاء دون الأمريكان، فالجيش المصري معتمد على السلاح الأمريكي، ومصر اليوم دولة ضعيفة اقتصاديا، صحيح أن السياحة بدأت تعود لكن ليس بالمستويات المرغوبة للدولة المصرية، وليس هناك من مداخيل مهمة، باستثناء قناة السويس، بجانب الدعم الأمريكي السنوي بقيمة ملياري دولار.


وزعم أن الجهات الأمنية في إسرائيل أحصت ذات مرة أن مصر تحصل سنويا ما قيمته عشرة مليارات دولار بسبب اتفاق السلام معها، مصر اليوم لا تبحث عن إسقاط اتفاق السلام معنا، لأنها ترى العدو المركزي لها هو الإسلام المتطرف، سواء الإخوان المسلمون أو السلفيون، ولذلك يبحث المصريون طوال الوقت عن المصالح المشتركة مع إسرائيل.


ميدان، الذي عاش سنوات عديدة مخاطرا بحياته وهو يؤدي مهام للموساد، أجرى لقاءات مع أجهزة أمن أجنبية، ومنها عربية، كانوا إلى وقت قريب دولا معادية، لكنه بات يتحدث معهم من القلب إلى القلب بعد أن نشأت بينهما كيمياء شخصية واحترام متبادل، وتحول بعضهم من حالة العداء إلى حالة الود، وركز عمله الاستخباري على مصر بصورة محددة.


وزعم أن المسؤولين المصريين يشعرون بالراحة في العمل معي، وأنا كذلك أبادلهم الشعور ذاته، لأنني أعتبر نفسي واحدا منهم، وهو حتى اليوم ما زال يتابع وسائل الإعلام المصرية، خاصة عملية الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ويرى أنها ليست انتخابات بقدر ما هي استفتاء شعبي على الرئيس عبد الفتاح السيسي.


وأضاف: مصر اليوم محكومة من قبل مجموعة من كبار ضباط الجيش، تسعى لإجراء ترتيبات إقليمية مع دول المنطقة الكبرى كالسعودية وبعض دول الخليج، والسيسي يسعى لاستكمال طريق مبارك دون أن يعلن عن ذلك، ورغم أنه يسعى لاستجلاب الاستثمارات الخارجية لمصر لكنه لم ينجح بعد، لأن رجل الأعمال الذي يقرر وضع أمواله داخل مصر، يخاف من عدم استقرار أوضاعها بسبب تزايد العمليات المسلحة داخلها.


ولذلك، فإن استمرار هذه الهجمات تعتبر التحدي رقم واحد للدولة، لاسيما ما يحصل في سيناء من استهداف مواقع عسكرية، تنتهي دائما بأعداد كبيرة من القتلى، واستهداف الكنائس المسيحية في قلب مصر، وعدم نجاح السيسي في وقف هذه العمليات يجعل التحدي كبيرا وصعبا عليه، رغم أن مصر تنفق على الجيش والمخابرات أموالا طائلة، ورغم ذلك لا تنجح في القضاء على تلك الهجمات، لأن مصر كبيرة وواسعة.


وأكد ميدان الذي استقال في 2012 من الموساد بعد إبرام صفقة التبادل مع حماس، بدأ يعمل في قطاع المال والأعمال، ويصل بلدانا لا تقيم مع إسرائيل علاقات رسمية، أن هناك تعاونا أمنيا وثيقا بين مصر وإسرائيل لمحاربة الجماعات المسلحة، فهناك مصلحة مشتركة لهما، ولدى إسرائيل الكثير مما يمكن أن تساعد به مصر، فأجهزة الأمن الإسرائيلية متقدمة كثيرا على مستوى العالم من خلال عمليات: التنصت، التطوير، العثور على الأهداف، وإسرائيل توفر لمصر بعض هذه القدرات.


وكشف النقاب عن أن التعاون الأمني زاد في العقد الأخير بصورة لافتة وكبيرة، مع عدد من دول المنطقة، هناك اتصالات هاتفية ببعض المستويات لكن اللقاءات تتم بصورة سرية بعيدا عن الإعلام، لأنها تناقش قضايا خاصة لا يصلح معها الاتصال التلفوني، وفي حال حصلت عمليات مسلحة في سيناء فإن إيلات ستتضرر أيضا، وبالتالي، فإن إسرائيل معنية ألا تتحول سيناء لصداع مزمن في رأسها، لأنها منطقة حدودية معها.


ورغم أن اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل يعتبر باردا، فليتنا استطعنا تحقيق المزيد من السلام البارد مع جيراننا العرب، هذا السلام البارد لم يتسبب باندلاع حروب طيلة 45 عاما، وأجيال إسرائيلية كاملة لم يروا حربا مع مصر، هذا سلام بارد لكنه رائع، واليوم يمر بمرحلة من الدفء، والدليل على ذلك اتفاق الغاز الأخير بينهما بقيمة 15 مليار دولار، وهو العقد الاقتصادي الأكبر الذي وقعته الدولتان منذ اتفاق السلام.


وختم بالقول: العلاقات بين المسؤولين الإسرائيليين والمصريين داخل الغرف المغلقة قوية جدا وطيبة، نتبادل فيها الضحكات والنكات والقضايا الشخصية، لكن الجمهور في الخارج لا يرى هذه الأمور، وأنا على استعداد أن أقبل باتفاق السلام هذا مع مصر بهذه الصيغة الباردة أربعين عاما أخرى، لأن معظم علاقاتنا تجري بصورة سرية أكثر من العلنية.

 

اقرأ أيضا: المهندس الإسرائيلي لصفقة شاليط يكشف خبايا جديدة (1)

0
التعليقات (0)