قضايا وآراء

الإخوان والاحتفال بمرور تسعين عاما

جمال عبد الستار
1300x600
1300x600

قرأت في وسائل الإعلام أن الإخوان سيحتفلون في تركيا بمرور تسعين عاما على انطلاقة التنظيم، وذلك بمجموعة من الكلمات والذكريات والمناشط الفنية والأدبية، بحضور لفيف من القيادات والرموز وحشد من الضيوف.

فقلت في نفسي: لا مانع أن تحتفل الجماعة بانطلاقتها، فقد كانت انطلاقة خير وبركة على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ولا ينكر ذلك إلا جاحد، فقد حفظ الله بدعاتها هوية الأمة، وبفكرها وسطية العمل، وبحركتها روح المقاومة، وبتكافلها روح الأخوة.

ولكن فكرت في الاحتفال في هذا التوقيت الذي تداعى عليها الغرب والشرق بكل أدوات التنكيل، وغاب خلف أسوار الظلم والاستبداد مرشدها وقادتها، وعظم التنكيل بشبابها وبناتها ونسائها وأطفالها، واشتدت الوطأة على علمائها وحكمائها وروادها ومؤسساتها.

فكرت في الاحتفال فقلت: ولماذا لا تعلن الجماعة عن وجودها في ظل حرب الاجتثاث، وتنصب رايتها في أجواء القصف والتجريف، وتُعلى صوتها في زمن التكميم، وتُعيد طرح فهمها وفكرها وعلمها في ميادين التجهيل؟.

ولكن وددت لو أنها احتفلت في تسعينيتها بالإعلان عن نتيجة المراجعات الفكرية التي كان من المفترض أن تُعد خلال الخمسة أعوام السابقة، وتُقدم للصف والأمة القرارات الاستراتيجية الناتجة عن تلك المراجعات.

ـ تمنيت أن يكون الاحتفال بدراسة الأهداف التي من أجلها أنشئت الجماعة وواقع زمن الإنشاء، وهل تغير الواقع بعد تلك التسعين أم تغيرت الأهداف، وهل من الممكن وضع أهداف جديدة تتناسب وواقع الأمة الآن أم أن الأمور كما هي ولم يتغير شيء؟!

ـ وددت لو أن احتفالها اليوم لم يكن منصبا على تاريخ الحركة، وعظيم جهادها وتضحياتها ورجالاتها، وإنما تمنيت أن يكون احتفالا بإعلان رؤية لاستشراف المستقبل القريب، ومنهجية لرسم أفاق النجاح بمعطياته الواقعية ووسائله الإبداعية، وماذا ستقدم للأمة في انبعاثتها الجديدة.

ـ تمنيت أن يكون احتفالها بتقديم هدية لأتباعها ومحبيها عبر إعادة روح الأخوة والتراحم بين أبنائها، والوحدة والتآلف لصفها، والثقة لشبابها وأتباعها، فيرى الناس تعانق الفرقاء، وتسامح الأصفياء، ويسعدون بإعادة النضرة إلى الوجوه بعد أن علتها الكآبة، والبسمة إلى الشفاه بعد أن تيبست من الهموم، والدفء إلى العلاقة بعد أن عشش الشيطان في القلوب، وتقديم مصلحة الأمة على المصالح الضيقة، والمنافع الوقتية الضحلة.

ـ تمنيت أن يكون الاحتفاء اليوم بإطلاق رؤية للصراع في مصر تساعد على فتح الأمل للمعتقلين والمعتقلات للعودة إلى أهلهم وذويهم، والتوقف عن المتاجرة بثباتهم وصمودهم، وإعادة الأمل للمطاردين ليهنؤوا بالأمن بعد أن حرقهم الخوف والفزع، وإعادة الأمل للمهاجرين في اللقاء بأحبابهم وجمع شتاتهم بعد أن أرهقتهم الغربة، وآلمهم الفراق.

ـ تمنيت أن يكون الاحتفال بالاستجابة لكل نداءات العقلاء والعلماء وذلك بإعلان إعادة هيكلة التنظيم، وتسليم الراية لجيل جديد من الشباب النابهين والصادقين وما أكثرهم، تسليمها لجيل قادر على تحدي الصعاب وتوحيد الصفوف وقيادة الحركة لبعث جديد على أسس علمية ومناهج تجديدية وحركة واقعية ومنطلقات شرعية.

ـ تمنيت أن يكون الاحتفال انطلاقة حقيقة واقعية فتية وليس تكريسا لكل قديم وإن مضى زمنه، أو تعظيما لمواقف وأفكار ثبت على وجه القطع خطؤها، أو نشرا لوعود وآمال وأحلام لا وجود لها في عالم الأسباب وميادين الواقع، أو تخديرا للمشاعر وتسكيناً للألآم وبيعا للأوهام!! ـ تمنيت أن يكون الاحتفال إعلانا عن قرارات عامة تزلزل أركان الباطل أو توحد صفوف الحق، أو تغرس جذور الأمل في النفوس، أو تعيد معالم الثقة إلى القلوب أو تزيل شوائب التشويه، وتعيد نصاعة الجبهة، وجمال المُحيا.

ـ تمنيت أن يكون الاحتفال بعودة الجماعة إلى المرجعية الشرعية التي انطلقت منها وفق منظومة علمية عالمية متخصصة تضبط المنهجية الفكرية، وتحول دون هيمنة السلطة التنظيمية على المنطلقات الفكرية والشرعية، وتحمي الحركة من التشرذم في دروب العمل السياسي على حساب الجهد الدعوي والخطط الإصلاحية والرسوخ القيمي.

ـ تمنيت لو أن الجماعة احتفلت بإعادة دراسة مدى حاجة المجتمع إليها اليوم ومدى حاجتها هي إلى المجتمع دون وصاية أو تسلط.

ـ تمنيت لو أنها احتفلت اليوم بتجميع النابهين من كوادها، والرواد من منتسبيها، والمفكرين من صفوفها، والمبدعين من شبابها، والعلماء من محبيها، والمربين من كوادرها، فاستثمرت طاقاتهم، وأفادت من إمكاناتهم وفتحت لهم المجال، وجعلت منهم منصة إطلاق جديدة.

ـ وددت لو أن احتفالها بمرور تسعين عاما لم يكن مجرد فاعلية إعلامية عابرة، وإنما انطلاقة فتية مبهرة، ولم يكن احتفالا ببلوغ سن التسعين، وإنما تمنيت أن يكون احتفالا ببلوغ سن الرشد على المستوى الفكري والتنظيمي.

وأخيرا فليس كل ما يتمنى المرء يدركه، وتقدير الله للدعوات أرشد من تقدير أهلها لها.

7
التعليقات (7)
المصري الأصيل
الأحد، 01-04-2018 09:05 م
تسعون عاما من الركض المتواصل ومن الإنتظار، ومازالت الجماعة في نفس المربع ، ومازالت الشعارات تدوي هنا وهناك ، ومازالت الإضطرابات والإنتكاسات والضربات تنزل فوق الرؤوس بدون توقف وبدون تمييز والقافلة صابرة . الكتل النابضة والكيانات الحية عندما تصل إلى زوايا حادة، وخطوط فاصلة ، وأبواب مغلقة ، وأجواء ملبدة تضطرب امامها الخيارات ، ويكاد يتوقف لديها حركة الحياة و دورة الزمن ، وتلكم أكثر الأوضاع التي يمكن أن يصل إليها الكائن الحى خطورة ومعاناة ويأسا . لايوجد أمام من يصاب بهذه الأعراض والأمراض إلا خيارات ضيقة ومحدودة بل وأحيانا لا خيارات ، فليس أمام الجماعة الآن إلا أن تعيد النظر في قدرتها على الإستمرار والعمل بعد أن تعيد تنظيم الأوراق وترتيب الأولويات بما يتوافق مع المعطيات والمتغيرات الجديدة ، اذا لم يكن ذلك ممكنا فليس أمامها إلا أن تسعى نحو الدخول في دورة كمون وفرض إجازة إجبارية مفتوحة تستغلها في معالجة الأوجاع والإستشفاء من الصدمات ، وفي التدقيق والمراجعة والتقويم وإعادة النظر في مجمل مسارها لعلها تظفر برؤية جديدة تفتح أمامها آفاق جديدة للحركة والعمل في أرض الله الواسعة . على الجماعة أن تسأل نفسها بجدية ومصداقية السؤال الطبيعي والمنطقي . ماذا فعلت ؟ وماذا حققت خلال هذه الفترة الطويلة من إنجازات ضيقت المسافة بينها وبين أهدافها بشكل يمكن تقديره و إحتسابه ؟. ماذا حققت الجماعة من محتوى الأهداف والشعارات التي رفعتها ؟ ولماذا ترهن وترهق الجماعة نفسها وفاعلياتها وإمكاناتها من أجل أهداف أكبر وأوسع من طاقتها على الإنجاز ، و قد تكون هذه الأهداف غير قابلة للتحقيق في ظل الظروف والأوضاع السائدة ؟ لماذا لاتعلن الجماعة الآن عن حزمة من الأهداف التمهيدية القصيرة المدى والقابلة للتحقيق والممكنة القياس والتقويم ، على أن يتم التركيز فقط على هذه الأهداف ولا يتم الإنتقال لأهداف أخرى أو لمرحلة تالية إلا بعد تحقيق القدر والمستوى المحدد منها حتى يدرك ويلمس كل المراقبين لها شيئا ينجز في الواقع بشكل صحيح . الجماعة تمارس أحيانا نوعا من السلوك المعيب الذي يمكن وصفه ب ( عقيدة الإنتظار ) هذا السلوك يعكس أحيانا نوعا من الفهم الملتبس لحقيقة الأشياء ، فلا معنى لإنتظار حدوث أشياء يمكن أن تقع أولاتقع ، والمطلوب هنا ليس الإنتظار ولكن توسيع دائرة إمكانات الفعل كلما كان ذلك ممكنا أو إرجاء بعض الأعمال حتى يتم الإستعداد لها مجددا بفاعلية أكبر. نحن المسلمون وإن كنا نؤمن ونعتقد أن الله قد يجري الأمور بدون أسباب في أي وقت ، إلا أننا لانراهن على ذلك ، فإختيارنا الأول دائما مرتبط بعالم الأسباب ، الذين أمرنا وأرشدنا أن نتعامل معه ونتحرك في نطاقه ، والشئ المخيف والمربك هنا أن الظروف الصعبة والمعقدة التي تشكل دائما جزءا من بيئة العمل قد تدفع نحو نوع من التسليم بالأمرالواقع والكف عن محاولات التفكير نحو أبعاد ونطاقات جديدة قد ترشدنا لحلول جديدة مبدعة ، خاصة عندما يتولى التخطيط أصحاب رؤى إستراتيجية عميقة محكمة .
سحر زكي
الأحد، 01-04-2018 06:33 م
السلام عليكم المقالة رائعة وليتها تصل إلى من يهمه ا?مر
ابو علاء
السبت، 31-03-2018 10:15 م
يا استاذ جماعة الاخوان المسلمين ليست دولة حتى تكثر عليها التمنيات انها جماعة حجمها كبير ومن اراد ما يريد فليكون جماعة او حزبا على مزاجه وليطبق فيه امنياته ولا يكون دكتاتوريا كان ينحي جانبا شريحة بحجة افساح المجال الى الشباب ( انا شاب ولست شيخ حتى لا اتهم )
مصري جدا
السبت، 31-03-2018 08:38 م
ما شاء الله ،، هذا هو المطلوب يا دكتور جمال عبد الستار ،،،، وادعو الله ان يستجيب قادة الجماعة وشيوخها الى هذا النصح المخلص والفكر النقي ،،، وادعو لك بطول النفس والصبر على ما ستسمعه وتراه وانت في هذا الطريق ،، طريق النضال من اجل اصلاح الجماعة وتهضتها ،، فهي ثروة قومية الحفاظ عليها ونهضتها فريضة شرعية وضرورة واقعية ومسئولية وطنية ،،، حفظ الله الاخوان وارشدهم لخير انفسهم وخير جماعتهم وخير وطنهم وامتهم
اينشتاين
السبت، 31-03-2018 07:48 م
نحن إخوانكم من باب الإسلام مصدر عزتنا وأمننا وأماننا ، ومن باب الإنسانية التي تسعنا جميعا ، نحسن بكم الظن إلى أبعد الحدود ونتألم في كل آن لما لحق بكم وبنا إخوة على مر العصور ، ما يضركم يضرنا ويضر الإنسانية في إنسانيتها ، نتناغم معكم في كل خطوة خطاها الأستاذ حسن البنا في الصميم ، ويحزننا لما نحيد عن المسار الذي رسمه قيد أنملة ، ليس لأنكم نسخة طبق الأصل لما دأب عليه مرشدكم ، بل من باب الإخلاص لوجه الله عز وجل ، فعلا ، لقد كانت انطلاقة الإخوان خيرا وبركة ، لن أبارك فيكم ولكم البكاء على الأطلال ، ولن يغريني بعد اليوم شعاراتكم ، ولا حتى التميز وسط إخوانكم خارج حدود حركتكم ، من الذين يقاسمونكم مآسي اليوم ، نشاطركم كلامكم بخصوص الأستاذ البنا ، متى وأينما شئتم ، ولن أشاطركم الرأي انتظار من هم وراء أسوار الظلم والمكر والألم حتى تتحركوا من داخل حركتكم ، فتستجيبوا لحديث الساعة ومواقف الساحة ، التاريخ يمر من أمام بابكم ولن ينتظر كثيرا حتى يحضر من هم داخل سجون الطغيان الماكر ، لن أشاطرك التمنيات فهي لن تتقدم بالحركة خطوة ، يمكنكم أن تركزوا على المشهد المصري فهو منطلقكم وهو ساحتكم التي تحتاجكم حاضرين من دون صخب ، حاضرين بكل ما تملكون من صبر ، لن يمسح حزنكم وآلامكم إلا أولئك الأحرار الذين يكابدون في وجه الاستبداد ، مصر أقوى مما تتصورون وأصلب مما تتخيلون ، فقط وجب أن تتحسسوها وتتأملوها من دون استعلاء ، فهي رحمكم ، منها تستمدون قوتكم ووقودكم ، وبها تسقطون مكر الماكرين والحاقدين ، لا تسلبوا منها نصاعتها بفارغ الشعارات وتعينوا عليها بكثرة التمنيات ، يمكنكم العبور إلى بر الأمان إذا أدركتم أن الأمن والأمان هو مطلب أمة قبل أن يكون مطلب حركة ، ورسالة شهادة قبل أن تكون رسالة شهيد .