كتاب عربي 21

شجاعة العلماء

محمد عمارة
1300x600
1300x600
كانت جمعية "الاتحاد والترقي" التركية -ذات الأصول الماسونية- رأس الحربة العلمانية ضد الإسلام وشريعته في الدولة العثمانية.

وإبان انقلابها على السلطان عبد الحميد الثاني (1258- 1336 هـ، 1842- 1918م) قدمت العالم المسلم بديع الزمان سعيد النورسي (1294- 1379 هـ، 1877- 1960م) إلى المحاكمة العسكرية عام 1906م بتهمة الدعوة إلى الشريعة الإسلامية!

وفي هذه المحاكمة العجيبة قال رئيس المحكمة "خورشيد باشا" للنورسي، مستنكرا:

- وأنت أيضا كنت تدعو إلى الشريعة الإسلامية، وتطالب بها؟ أنظر، إن من يطالب بالشريعة يشنق هكذا، وأشار بيده إلى النافذة التي ظهرت من خلالها جثث العلماء المعلقة على أعواد المشانق!

فماذا كان جواب بديع الزمان النورسي، المكبل بالحديد والموضوع في القفص، وأمام عينيه جثث العلماءالمعلقة على أعواد المشانق؟!

لقد واجه جلاديه بدفاع شجاع ومجيد عن الإسلام وشريعته، قال فيه:

"إنني طالب علم، لذا فإنني أزن كل شيء بميزان الشريعة، والإسلام وحده هو ملتي، لذا فإني أقيم كل شيء من وجهة النظر الإسلامية.

إنني إذ أقف في عالم البرزخ الذي تدعونه "السجن" منتظرا قطار الآخرة في محطة "أعواد المشانق" ومنتقدا الأحوال الغادرة للمجتمع الإنساني، فإنني هنا لا أخاطبكم وحدكم، بل لعلي أخاطب بني الإنسان بأجمعهم، إنني متهيء وبكل شوق للرحيل إلى الآخرة، ومستعد لأن أرحل مع هؤلاء المشنوقين، فأنا في شوق إلى رؤية الآخرة، وعالمها العجيب، فإرسالي إليها لا يعد بالنسبة لي عقابا وتعذيبا!

إن هذه الحكومة في عهد الاستبداد كانت تعادي العقل، أما الآن في عهد دستور الاتحاد والترقي فإنها تعادي الحياة بأكملها، فإذا كان هذا هو شكل الحكومة ومنطقها، فليعش الجنون وليعش الموت ولتعش جهنم للظالمين، إنه لو كان فيّ ألف روح لكنت مستعدا للفداء بها في سبيل حقيقة شرعية واحدة، ذلك لأن الشريعة هي السبيل الوحيد للسعادة، وهي العدالة المحضة وهي الفضيلة.

وإذا كانت "المشروطية - الدستور" تعني مخالفة الشريعة، واستبداد جماعة معينة، فليشهد الثقلان أني رجعي! ذلك لأن الاتحاد القائم على الكذب كذب أيضا، والدستور القائم على أسس فاسدة دستور فاسد، والدستور الحق الذي له الدوام هو القائم على الحق والصدق والمحبة.

سوف أقول الحق فقط، ولن أجنب الحق أبدا، ذلك لأن مقام الحق سامٍ، ولن أضحي به، ولن يصرفني عن ذكر الحق لومة لائم.

وإذا كانت المدنية هي هذه التصرفات التي تمس الكرامة الإنسانية وتعتدي عليها، وهي هذه الافتراءات التي تؤدي إلى النفاق، وهي هذه الأفكار التي تغذي الحقد والانتقام، وهي هذه المغالطات الشيطانية والتحلل من الآداب الدينية، فليشهد الجميع أني أفضل حياة البداوة في قمم الجبال الشاهقة حيث الحرية، على موطن النفاق الذي تسمونه المدنية!".

هكذا واجه بديع الزمان النورسي جلاديه، ولقد شاء الله أن يعيش في تركيا حارسا للإيمان والشريعة الإسلامية، بينما ذهب جلادوه إلى مزبلة التاريخ! فكان ذلك درسا للمجاهدين.. وأيضا للجلادين!
التعليقات (1)
اينشتاين
السبت، 31-03-2018 03:50 م
كأن الدكتور عمارة جاء هذه المرة ليبرر الجمود الفكري في دائرة الفكر الإسلامي اليوم وعدم قابليته لإنتاج الأفكار التي تحتاجها المرحلة من أجل مواجهة حركة المناهضين لتطبيق أحكام الله عز وجل ، فبدل أن يركز على مسار التجربة التركية التي تتقدم على خط التفوق الحضاري بمرونة فائقة ، التجربة التي ينعتها بعض المتسترين من وراء شعار السلفية بهتانا وزورا ، بالعلمانية ، راح يستنجد بشيء من التاريخ ، لكنه من حيث لم يشعر تخيل نفسه بديع زمانه ، فحضرت صورة بديع الزمان النورسي وغاب مضمونها ، لأن استحضار المضمون يمكن أن يغير موقف الدكتور فكريا وأخلاقيا بخصوص ما تحتاجه حالة الأمة وهي تواجه فكرا كالذي يبشر به أولياء العهد اليوم ، ماذا كان سيقول لنا بديع الزمان النورسي في زمانه بخصوص زماننا ، هل ما يفعله ولي العهد في شبه الجزيرة العربية ، وولي عهد الإمارات في حدود عالمنا العربي ، هو من قبيل ما فعله الاستبداد على مر السنين ، وهل هو من نفس الطبيعة التي دأب عليها الاتحاد من أجل الترقي وقتها ، هل الأزهر في ظل حكومة السيسي ، وآل الشيخ في ظل حكم بن سلمان يحملون راية تطبيق الشريعة ؟ فأين أنتم يا دكتور من موقف بديع الزمان النورسي في زمانه ، ومن مسار التجربة التركية اليوم ؟ المشكلة تبدو أقرب إلى المأساة حينما يصاب الفكر بما يشبه العقم ، الفكر الذي لا ينتج أفكارا تستجيب للمرحلة من أجل بناء موقف أو تصويب مسار هو فكر ميت في أحسن الأحوال ، إن تلميذا في الثانوي وهو يقرأ فقرة الدكتور ، راح يسأل أقرانه : هل بات عالمنا العربي خاليا من أمثال بديع الزمان النورسي ، وهل أحداث سوريا وليبيا واليمن والصومال والعراق وفلسطين لم تعد تثير حفيظة علمائنا ومفكرينا ؟ إلى هذا الحد استأذن من قراء " عربي 21 " ومشرفيه ، استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه والسلام عليكم ورحمة الله .