قضايا وآراء

ربتني امرأة وأفتخر!!

عصام تليمة
1300x600
1300x600

تعارف الناس في بلادنا العربية على جعل يوم الحادي والعشرين من آذار/ مارس يوما للأم، ولا يمانع الفقه الإسلامي من مثل هذه الأيام، ما دامت لا تصطدم مع ثابت شرعي، فهو نوع من التكريم للمرأة الأم، في وقت كانت تنتشر فيه بعض مظاهر الاحتقار والإهانة في الحديث عن المرأة، فمن العبارات المسيئة للمرأة وسوء الظن بتربيتها، والتقليل من هذه القيمة، عندما يريد إنسان سبَّ إنسان أن يعيره بأنه تربية امرأة، دلالة على عدم مؤاخذته على خطئه، أو تعقيبا عليه، وربما استخدم البعض الكلمة من باب الذم في شخص لم ينل ما ناله من حظوة علمية، أو مستوى رفيع من الأدب، فلا يجد فيه عيبا إلا أن يعيره بأنه تربية امرأة، وكلما أراد شخص إيذاء شخص سبه بأمه، دلالة على مكانة الأم والمرأة عند الرجل العربي المسلم.


ولأني شخص ينطبق عليه مقولة: تربية امرأة، أحببت أن يكون حديثي في يوم الأم عن أمي، وعن هذه المقولة في حياتي، فقد ربتني أمي بعد وفاة أبي رحمه الله، وترملت على خمسة من الأبناء، فقد غرست في أمي حفظها الله أخلاق الرجولة منذ وفاة أبي وأنا في سن العاشرة وأكبر أبنائها، فالمرأة بعد فقد الزوج تتحول شخصيتها لتجمع بين العاطفة والعقل والحزم لتقوم مقام الأب، لقد كنا أفقر بيت في عائلتنا، ومع ذلك لم تمتد يد أمي يوما لقبول أي صدقة من أحد، أو مساعدة بأي شكل ما، رغم استحقاقنا لها شرعا، وكانت تعمل وتحمل على رأسها وتمشي في الرمال ما يزيد عن خمسة كيلو مترات لتجمع بين مشقة الحمل على الرأس، والمشي في الرمال، ويوم أنت تشاجر معي أحد أبناء عمومتي وكان يكبرني بسنوات وتزوج وأنجب، فسبني ورددت عليه بحكم مساواتي له في الدرجة، فلامتني أمي قائلة: كيف ترد على من هو أصغر منك مقاما؟! فقلت لها: إنه متزوج وأكبر مني كيف يكون أصغر مني؟! فقالت لي: لأنك لم تعد بعد وفاة أبيك طفلا، ولا يتم التعامل معك على أنك طفل، لقد أصبحت رجلي وكبيري فكيف تفعل كما يفعل ابن عمك وهو غير مسؤول، أنت عندما تجلس في أي مجلس تجلس بجوار عمك رأسا برأس، لأنك تنوب عني مكان أبيك، وابن عمك هذا يجلس بعدكم، وهو لم يتعلم وأنت أزهري تحفظ القرآن، فكيف تقبل أن تتساوى معه وتخطئ مثله، يا بني هذا مقامك فلا تنزل عنه مرة أخرى.


وكان من عادة الأرياف إذا مات أحد، وأقيم له سرادق العزاء، وجاء قت العشاء يحضر الناس (صواني) جمع صينية، للطعام تعد في البيوت عليها الطعام، ويجلس أهل الصواني ومعهم من يدعوهم، وفي مرة حضرت عزاء قريب لنا من العائلة توفي، ودعاني أحد أقاربي في العائلة للجلوس معه على صينيته للعشاء فجلست، وعرفت أمي، فقالت لي: مرة أخرى إذا أردت الجلوس في العزاء لوقت الطعام، أخبرني، ولا تجلس على صينية أحد، بل أقوم بإخراج صينية لك تجلس عليها وتدعو من تحب، لا تجعل أحدا يعاملك معاملة الصغار مرة أخرى، وكان سني وقتها (11) عاما، وكانت تخشى أن أجلس على مائدة أحد فيعيرني الصغار عند تشاجر أحدهم معي، فيمس ذلك كبريائي وكرامتي وعزة نفسي.


وعندما شببت عن الطوق، واقتربت من سن المراهقة، كانت نصيحة أمي التي لا أنساها وظلت ترن في أذني، وقد قالت لي ولإخوتي: أنا امرأة أسير في طرق وعرة، أسير فيها بستر الله لي، وأسعى برزقي على رأسي لأربيكم، تذكروا أن ما ستفعلونه مع بنات الناس من أي خطأ، أو تجاوز، سيرد لكم في وفي أخواتكم، فاتقوا الله وعاملوا كل بنت وامرأة أنها أمكم وأختكم.


وعندما بلغت الرابعة عشرة من عمري وبدأت أعتلي المنابر، ورآني أحد الحاسدين لأمي على تربيتها لنا، وعزة نفسها في رفض أي مساعدة، أو القبول بالمهانة، وأراد كسر إرادتي وعزيمتي عن إكمال طريقي فقال لي هذه العبارة: أنت تربية امرأة، وتربية المرأة لا يفلح. مثلت الكلمة لي في أول الأمر جرحا غائرا، ورأت أمي دموعي من جرح الكلمة، فقالت لي: الدموع لن تثبت له أن تربية المرأة تفلح أم لا؟ بل سيمسح دمعك اجتهادك وعملك، وأن تثبت له أن تربية المرأة تفلح فعلا، بأن تكون رجلا يقدرك الناس. ثم بعد ذلك تحولت كلمات أمي والكلمة التي جرحتني صغيرا، إلى دافع وحافز لأباهي بعد ذلك في كل محفل ومكان في كل الدنيا: أني تربية امرأة.

3
التعليقات (3)
ادم
الجمعة، 23-03-2018 06:34 م
طوبى لمن ربته امرأة فاضلة كأمك.
الجوهره
الجمعة، 23-03-2018 04:02 م
جزاءك الله خيرا انت ومن ربتك
محب لفلسطين
الجمعة، 23-03-2018 11:44 ص
ممتاز يا شيخ .....الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق أرجو منكم فضيلة الشيخ أن تحدثنا إن أعز وأفضل أخوالك في موضوع قادم، قائلا : " هذا خالي فليٌريَني الإنقلابيون أخوالهم الصهاينة " ، واللبيب بالإشارة يفهم ....