قضايا وآراء

محمود عباس.. درس في الانتحار السياسي

عز الدين إبراهيم
1300x600
1300x600

لم يترك رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في خطابه برام الله أمس مجالا لأحد للقول بأن المصالحة الفلسطينية ممكنة، على الأقل في ظل وجود هذا الرجل الذي يختزل "المشروع الوطني الفلسطيني" بنفسه ونهجه.


الانحدار الكبير في مستوى الخطاب الذي ظهر في كلمة عباس أمام "القيادة الفلسطينية" لا يبشر بخير، ويقضي على آخر أمل في التوصل لتفاهم يجنب القضية الفلسطينية مزيدا من الخسائر في ظل مشروع التصفية الذي أعلنته الإدارة الأمريكية تحت مسمى "صفقة القرن".

لن يجد ترامب وعتاة اليمين الأمريكي والصهيوني وداعموهم من الحلف العربي، أفضل من محمود عباس لتمرير "صفقة القرن" على الرغم من كل الصراخ والعويل في الأمم المتحدة والوعيد لإحباط هذه الصفقة ورفضها.

سياسة التفرد في القرار والمصير، والإقصاء لكل صوت معارض -حتى داخل القيادة الفلسطينية ومنظمة التحرير- التي يصر عليها عباس، تفرش السجادة الحمراء لـ"صفقة القرن" والتي سيكون هو نفسه أول ضحاياها بعد استدراجه لمربع اختزال كل ما تتعرض له القضية الفلسطينية في خلافه السياسي مع حركة حماس.

وبعيدا عن كل ما قيل في موضوع استهداف موكب رامي الحمدالله في غزة وإن كان من ترتيب ماجد فرج أم غيره، يظهر إصرار عباس على عقد المجلس الوطني في رام الله الشهر القادم رغم المعارضة من الفصائل الفلسطينية الوازنة دليلا إضافيا على أن الرجل مسكون في الخلاف مع حماس لا غير، والأولوية عنده تشديد العزلة عليها حتى لو تمت التضحية بحياة جزء من الشعب الفلسطيني في غزة.

من المؤلم أن يظهر محمود عباس في مجلس الأمن قبل أسابيع مستجديا راجيا النجدة والمساعدة من المجتمع الدولي، بينما يظهر في رام الله -التي يتحكم بها الاحتلال- متوعدا أبناء شعبه بحرب أهلية وعقوبات جديدة.

حالة الرئيس الفلسطيني يجب أن تدرس اليوم كنموذج، ليس كسياسي محنك بالتأكيد، بل كسياسي يمارس التدمير الذاتي لنفسه ومشروع حركته وقضية شعبه.


ما جاء في كلمة عباس يدفعنا للتساؤل عن حالة الرجل التي ظهر فيها مستنفرا، يكيل الشتائم في كل الاتجاهات دون مراعاة لسنّه ومنصبه، بل وتاريخه.

هل وصل الرجل لقناعة أن نهايته السياسية اقتربت فلجأ لهذا التصعيد؟ أم هل أدرك أن المرحلة القادمة -دوليا- تتطلب بديلا عنه في القيادة الفلسطينية فعمِد إلى خطاب ثوري ظنّ أنه سيمنحه مزيدا من الوقت والدعم؟!


من المؤكد أن خصوم عباس وفي مقدمتهم القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان يجلسون الآن واضعين "رجلا على رجل"، يستمتعون بمشاهدة المراهقة التي يمارسها الرجل بتجريد نفسه وحركته من كل نقاط القوة التي كان قادرا على الاحتفاظ بها لو قدّم مصلحة شعبه على مصلحته الذاتية. 


رسائل عديدة أرسلتها حماس والفصائل الفلسطينية لعباس بعد قرارات ترامب، بأننا نقف خلفك في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها القضية الفلسطينية رغم كل التحفظات على النهج التدميري الذي سلكه منذ أوسلو، إلا أنه استكبر مستندا إلى ما كان يظن أنه دعم إقليمي تبخر مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض واعتماده سياسة غير مسبوقة تجاه القضية الفلسطينية عنوانها التصفية بشكل كامل دون مجاملات أو مراعاة لمواثيق دولية وقرارات أممية.

محمود عباس اليوم، لا يطلق الرصاص على رأسه فحسب، بل يضع رصاصة في قلب حركة فتح، ويقضي على بصيص أمل بأن تستعيد هذه الحركة ألقها بعدما تحولت في ظل أوسلو من حركة تحرير وطنية لجماعة وظيفية يتحكم بها الاحتلال.

القادم في ظل ما يخطط له محمود عباس أسوأ مما مضى، ونجد الفلسطينيين اليوم تائهين لا يلوون على شيء، انتقلوا من خانة العمل ضمن مشاريع التحرير والتخلص من الاحتلال إلى خانة البحث عن طوق نجاة لبرّ الأمان بأقل الخسائر، بعد أن وجدوا أنفسهم في سفينة تغرق يقوها ربّان فاشل يطلق النار على طاقمه وسط عاصفة هوجاء.

التعليقات (0)