قضايا وآراء

وقفة.. قبل السؤال عن الغوطة

جلال زين الدين
1300x600
1300x600
ينبغي قبل أن نسأل لماذا سقطت حلب الشّرقيّة، ولماذا تسقط الغوطة الشّرقيّة، وقبلها الغوطة الغربيّة، أن نبحث عن السّبب الرئيس الذي منع تحرير العاصمة السّياسيّة دمشق، والعاصمة الاقتصاديّة حلب.

نحاول أن نضع النّقاط على الحروف في شهادة للتاريخ وإبراء للذمّة ووفاء للدماء، وللجيل الذي ناضل للحرية، وللأجيال القادمة كي لا تقع بما وقعنا فيه من أخطاء قاتلة ندفع ثمنها دماء وآلاما ودمارا وحسرات.

خلافا لما يتداول على أنّه حقيقة لا تقبل الشّكّ، فإنّ الرّوس وقبلهم الإيرانيون والمليشيات الطّائفية؛ لم يكونوا السّبب الرّئيس في إنقاذ الأسد ومنع سقوطه. الرّوس والإيرانيون عوامل مساعدة لاحقة.. فالتدخل الرّوسي العسكري المباشر حصل صيف 2015م، والتّدخل الإيراني على زخمه وقوّته لم يكن قادرا على وقف اندفاع الثورة.

وبالعودة للتاريخ القريب، فإنّ حلب المدينة مطلع عام 2013م كانت ساقطة عسكريا بيد الثوّار، ولم تكن فيها قوّات للأسد قادرة على حمايتها.

وفي المقابل، فإنّ الوضع بدمشق لم يكن أفضل حالا بالنّسبة للنظام، وإطلاق الكيماوي في آب/ أغسطس 2013م كان دليلا على إفلاس النّظام عسكريا، وعجزه عن وقف مدّ الثّورة نحو القصر الجمهوري, ويذكر الجميع حينها مثالا آخر لعجز النظام؛ تمثل بالكم الهائل للصواريخ البالستية التي أطلقت على المدن الخارجة عن سيطرته. وهذه الصّواريخ لا تطلق إلا في الحروب بين الدول وعلى منشآت حيوية.

ويذكر السّوريون جيدا الشّائعات التي تحدثت عن إفراغ البنوك في حلب ودمشق ونقلها للساحل، وهرب بشار الأسد، وإخراج عائلته من سوريا. وبعيدا عن الشّائعات التي تحدثت عن لحظة الصّفر، فإنّ الحقائق على الأرض تشير لتعاظم القوّة العسكريّة للثوار المدرّبين تدريبا عسكريا عاليا على حرب الشّوارع والمدن، وتحلّيهم بعقيدة قتاليّة عالية.

ولن نتحدث عن المعارك المنفردة وطريقة الدّعم المشروطة من الدّاعمين، والأسلحة التي كانت تقدم بكميّة ونوعيّة تناسب طبيعة المعركة والمرحلة. ونذكر جيدا كيف نجح الدّعم - على قلّته - في تحجيم الروس والنّظام في معارك بعينها، رغم الغطاء الجوي الرّوسي. وبالعودة لمعركة حلب التي وقف الثوّار فيها على أبواب ساحة سعد الله الجابري ينتظرون الأمر باقتحام ما تبقى من المدينة وإنهاء وجود الأسد، وجدنا القوى الإقليمية تطلب من الثوار التّريّث، خشية أن تؤول السّيطرة في المدينة لاحقا للتنظيمات الجهاديّة، وخاصّة داعش الذي كان في بداياته. وأذكر جيدا كيف وصلت الخلافات بين الثوّار وداعش لنقطة اللاعودة منذ وقت مبكر، رغم اشتراك الدّواعش مع الثوار في حينها في قتال الأسد. فقد أدرك الثّوار مبكرا أن الأهداف المستقبليّة مع داعش مختلفة، وإن التقوا مرحليّا على قتال الأسد. ولم يقدّم أصدقاء سوريا دعما حقيقيا للثوار حينها للقضاء على داعش، مما اضطرّ الثوار للنوم مع الثّعبان الذي لدغهم لاحقا، من خلال تشتيت صفوفهم والسّيطرة على مناطقهم، مما ساعد النظام في فكّ الحصار عن مناطق سيطرته في حلب. وكان بالإمكان تدارك الموقف نهاية 2016م لو وفّر الأصدقاء دعما لمعركة فتح حلب التي بدأت بتحرير الكليات، وتوقفت لانقطاع الدّعم، مع وجود أوامر بالانسحاب من المعركة بذات ذريعة 2013، ولكن هذه المرّة "جبهة النصرة".

أما العاصمة دمشق، فقد كانت الأمور أكثر وضوحا، حيث سيطر الثّوار على معظم الريف المحيط بدمشق، ولا سيما الغوطتين الغربيّة والشرقيّة، ناهيك عن بعض الأحياء الدمشقيّة، ووصل الثوار إلى ساحة العباسيين، وفصلتهم بضعة كيلومترات عن القصر الجمهوري، لكنّ المجتمع الدولي، ولا سيما "الدول الصّديقة"، دعت لاجتماع جنيف في حزيران/ يونيو عام 2012م، والذي كان طوق نجاة للنظام، وحيلة للتملّص من التزامات الأصدقاء الأخلاقية تجاه الثّورة السّورية.

فهم النظام السوري الرسالة جيدا، وأدرك أنّ الجميع يريد إصلاحه لا إسقاطه، فأجاد اللعب على هذه الرّغبة، وكان له ما أراد.. فسرعان ما زاد الدّعم له، وانقطع الدّعم عن المعارضة التي انقسم داعموها على أنفسهم، فدخل الثّوار في نفق حيص بيص.
وبالعودة لقراءة مشهد الربيع العربي كاملا، يتضح أنّ الدّعم لم يكن للثّورة السّورية؛ بمقدار ما كان معاقبة لنظام الأسد على موالاته لإيران وارتمائه في حضنها. فالدّاعمون للثورة في معظمهم لم يكونوا في وارد دعم التّحول الدّيمقراطي في سوريا، ويشمل الأمر الدّول الغربية التي أثبت الرّبيع العربي تفضيلها المستبد المطيع على المنتخب ديمقراطيا، ما دام يضمن مصالحها وإن سحق شعبه.

أما الأمر الثاني فيتمثل في خشية الداعمين من تيار الإسلام السياسي بداية، وبروز شوكة الجهاديين ثانيا، ففضلوا حرب الاستنزاف التي تبقي الأسد ضعيفا وتضعف معه إيران، وتكسر شوكة الجهاديين، وتقبر مشروع التيار الإسلامي.

ولعبت الولايات المتحدة رأس حربة في مشروع تصفية الثورة، إذ كانت العرّاب لكل ما يجري في سوريا، ولو سمحت عام 2012م بصواريخ محمولة على الكتف لكان النظام "في خبر كان".

ولم يقف الدور الأمريكي هنا، ولا عند خطوط أوباما الحمراء، إنّما امتد للتعاون مع تنظيمات لا تختلف كثيرا عن داعش من وجهة نظر الأتراك، مما حرم الثّورة من الحليف التركي الذي بدأ يراجع حساباته عقب إسقاط الطّائرة الرّوسية، فاتّجه الأتراك لأمنهم القومي بعيدا عن هدف إسقاط الأسد الذي بقي ضمن الأهداف السياسية.

لا يعيب الثّورة السورية استعانتها بالدّاعمين، فأغلب الثّورات لم تنتصر إلا بالدّعم الخارجي لكسر فارق القوّة المادية. فالثّورة الجزائرية طردت المحتل الفرنسي عبر الدّعم، وانتصر الأفغان على السّوفييت من خلال الدّعم، وإنّما العيب في الدّاعمين الذي تاجروا بآمال الشعب لتحقيق مآرب سياسية ضيقة؛ غير مكترثين بتضحيات هذا الشّعب.

لم تفشل الثّورة السورية بعد، ولن تفشل يقينا، إنما انتكست في مرحلة معيّنة نتيجة ظروف قاهرة، وما تزال مستمرة؛ لأن الثورة فكرة تنمو، وتتلاءم مع الظروف.
التعليقات (1)
ابو العبد الحلبي
الثلاثاء، 13-03-2018 06:16 م
قول الأستاذ جلال زين الدين المحترم (لعبت الولايات المتحدة رأس حربة في مشروع تصفية الثورة، إذ كانت العرّاب لكل ما يجري في سوريا) صحيح تماماً و أحب أن أضيف إليه ما يلي: لا تملك سوى أمريكا القدرة على منع الدول و سوق تهريب الأسلحة من أن يبيعوا مضادات طائرات للثوار ، فلقد كانت هنالك أموال مرصودة لهذا الغرض و لكن البائعين كانوا مرعوبين إلى درجة اتضاح أن أمريكا قد هددتهم جميعاً. لوحظ على أمريكا جهود غير عادية في احتواء فصائل الثورة و المعارضة من خلال بلدان الإقليم و من خلال ما تسمى "مؤتمرات أصدقاء سوريا" حيث أضاعت جهودهم و فتتت شملهم و أجهضت وحدتهم على قلب رجل واحد. كنت أتوسم الخير في أحد قادة الفصائل ، الذي جرى اغتياله منذ زمن ، و ناقشته بأنه لا يوجد في شرع الله شيء اسمه فقه "التبريرات" فلقد أغراك يا أخي قائد فصيل كذا أن تضع نفسك في خدمة دولة إقليمية حاكمها عميل لأمريكا مثل بشار بالضبط ، فهل الحصول على أموال لعناصرك من تلك الدولة له مبرر شرعي ؟ لم يجب على السؤال و ضاع و معه ضاع الكثيرون. أليس من الملاحظ أنه عندما يستهدف الثالوث المجرم (نصيريون ، روس، فرس مجوس) منطقة معينة، ترى الجبهات الأخرى نائمة أو صامتة ؟ ألا يعرف الكثيرون أن هنالك خطوط حمراء مرسومة تمنع (اجتياح دمشق و منطقة تواجد النصيريين في الساحل) ؟ بل سأقوم بالتلميح أكثر : هنالك فصيل من المحسوبين على الثوار كانت مهمته أن يكون حاجزاً يمنع سقوط دمشق بأيدي الثوار، و اعتقد أن مهمته تقترب من نهايتها.